مضايا… الأجنّة تموت في الأرحام
3 ديسمبر، 2016
جيرون
“أُقسم بالله عندما أخرج من مضايا لن أتناول البرغل والعدس والأرز طالما حييت”، بهذه الكلمات عبّرت إحدى الناشطات المدنيّات القاطنة في البلدة المُحاصرة عن شعورها على صفحتها على (فيسبوك)، في عُقب دخول قافلة المساعدات الغذائية الأممية إلى البلدة، الإثنين الماضي، والتي اقتصرت محتوياتها على الطعام المُعلّب والحبوب.
لم يعد دخول المساعدات الغذائية إلى مضايا خبرًا مُفرحًا، بالنسبة للصغار قبل الكبار، فأهالي البلدة البسطاء أصبحوا يدركون أن هذه الأطعمة لن تساعدهم في الشفاء من أمراضهم، أو تُنقذ حياة أجنّة تحتضر في أرحام أمهاتها لقلّتها.
تتكاثر الأمراض المزمنة في البلدة؛ ليصبح خبر وفاة أحدهم بالفشل الكلوي عابرًا، في ظل نفاد كل المستلزمات الطبية والدوائية، وتتعمّد قوات النظام وميليشيا حزب الله اللبناني المحاصرتين للبلدة، منذ ما يزيد عن سنة ونصف، حظر كل الأدوات العلاجية وإبعادها.
حول أوضاع الأهالي بعد دخول آخر دفعة من المساعدات إلى البلدة، قال الناشط المدني، حسام محمود، لـ (جيرون): “المساعدات تضمنت، هذه المرة، صنوفًا جديدة من الطعام، كالمعلّبات التي لم تكن موجودة في الشحنات السابقة، ولكن الأهالي يخشون من نفادها قبل انقضاء المدّة التي ربما تتجاوز ثلاثة أشهر”.
ولفت إلى أن الأمم المتحدة “تعمّدت إدخال كميات غذائية كبيرة، لتجاوز فصل الشتاء، والهروب من الدخول للبلدة أيام البرد المقبلة، حيث ذروة هطول الثلوج؛ كي لا تكون شاهدة على معاناة ومأساة الناس وتُبرّئ نفسها أخلاقيًا”، بحسب محمود.
في سياق متصل، أكدّ ناشطون من داخل البلدة أن الشحنات لم تتضمّن أي نوع من المحروقات أو مواد التدفئة، وكأن الأمم المتحدة لا يعنيها ولادة شكل جديد من الموت، أو تستطيع أن تماطل ريثما تثبت صحته. وانخفضت درجات الحرارة الأسبوع الماضي لتصل إلى 9 درجات تحت الصفر ليلًا، في ظل انعدام وجود أي نوع من الوقود، ونفاد الحطب كليًا.
وبحسب محمود، “لا يوجد سوى بعض البلاستيك الذي يستعيض به الأهالي عن المحروقات، أو بعض جذور الأشجار”.
وفود “طلبة”
دخل مع القافلة الأخيرة، وفد طبي، عاين بعض الحالات المرضية والإصابات من جرّاء القنص، لكن، وبحسب ناشطين، فإنه “لم يتم إخراج أي مريض، واقتصر الأمر على الوعود فحسب، وفي اليوم نفسه، وبعد خروج القافلة، أجرى الأطباء في المستشفى الميداني عملية قيصرية لامرأة كانت حاملًا بتوأم طفلتين، ولدت إحداهما ميتة، وهذا الجنين الخامس الذي يُولد في البلدة ميتًا لسوء التغذية”.
ولا تزال الهيئة الطبية في البلدة متوقفة عن العمل؛ بسبب نقص المعدات، ومع ذلك تستقبل الحالات الحرِجة، كإصابات القناص، أو العمليات القيصرية، وتلجأ في أوضاع طبية كثيرة؛ لإعادة استخدام أدوات مستعملة بعد تعقيمها.
لا تؤتي المشروعات الإغاثية في بلدة مضايا أُكلها، ولم يتبقَ من العمل المدني فيها سوى ندوات ومحاضرات نفسية وتوعوية، وبعض الجمعيات التي تستكمل مشروعاتها القديمة.
عن هذا الموضوع، لفت محمود، إلى أن العمل المدني في مضايا “متوقّف كليًا منذ نحو أربعة أشهر؛ لعدم توفر المواد الأولية اللازمة لتشغيل المنظمات، وليست هناك إمكانية للقيام بمشروعات إغاثية؛ لانعدام المواد الأولية والأغذية، فالمواد الغذائية هي نفسها التي تدخل عن طريق الأمم المتحدة، أو عن طريق ميليشيا حزب الله اللبناني، وكل المشروعات الإغاثية، بما فيها الإطعام والتدفئة، ستكون تكلفتها باهظة، وستذهب الأموال إلى حزب الله الذي يحتكر بيع المواد، ويستغلّ العوز ويرفع أسعارها، لذلك؛ لن يكون هناك حل فعليّ إلا بفكّ الحصار، وإلا فإن كل البرامج الإغاثية لن تكون مُجدية”.
مضايا التي كانت مقصدًا سياحيًا في فصل الشتاء لمحبي الثلج، باتت اليوم بلدة شاحبة يموت أهلها بردًا وجوعًا، وتسيطر على الأطفال حالات التهابية مرضية، ومشكلات بولية، إضافة إلى الأزمات النفسية، ويعاني 25 شخصًا في مضايا من الفشل الكلوي، سبعة منهم في حالة خطرة ،يُتوقع مفارقتهم الحياة في أي لحظة. بحسب مدير الهيئة الطبية في البلدة محمد يوسف.
[sociallocker] [/sociallocker]