دمج التلاميذ السوريين في المدارس التركية..محاسن وصعوبات


تباينت ردود الفعل بعد أن أصدرت وزارة التربية والتعليم التركية قراراً يقضي بدمج الأطفال السوريين الخاضعين لقانون الحماية المؤقتة في المدارس التركية وخاصة بالنسبة لطلاب الصف الأول والخامس من المرحلة الابتدائية تمهيداً لبقية الصفوف في المراحل الدراسية كافة ،ومع مرور الوقت على تطبيق هذا القرار ما يزال الجدل قائماً حول آلية تنفيذه.

لم تكن خولة ذو العشرة أعوام تعلم أن أسوأ ما يمكن أن يحصل لها بعد أن تهجرت من بلدتها الواقعة على أطراف مدينة حلب هو الانتقال إلى مدرستها التركية الجديدة ، صفوفها المزينة  وباحاتها الكبيرة والواسعة كانت تضيق بخولة بما رحبت وتتحول إلى كابوس يعاودها يومياً وتتمنى أن تتخلص منه. في حين تجد اختها ياسمين ذو السبعة أعوام أن مدرستها الجديدة "رائعة وهي أفضل بكثير من المدرسة السورية التي كانت ترتادها العام الماضي ".

حائراً بين الرضوخ لقرار الوزارة وإبقاء ابنتيه في المدرسة التركية أو إعادتهما إلى المدرسة السورية المهددة بالإغلاق، يتحدث والد ياسمين وخولة عن ذلك: "لقد انتظرنا صدور مثل هذا القرار طويلاً وكنت من أشد مشجعي الاندماج، فمن الخطأ كان إبقائهم بالمدارس السورية لأنها غير معترف فيها وتهدد الحكومة التركية بإقفالها، إلا أني تفاجأت بصعوبة تنفيذه على أطفالنا، وتزداد الصعوبة أكثر مع تقدم المرحلة الدراسية سواء على الطالب والأهل أيضاً".

صعوبات كثيرة يعاني منها الطلاب السوريون في المدارس التركية تأتي اللغة في مقدمة هذه الصعوبات إن لم تكن أكبرها وبرأي فلك الحموي 35 عاماً، والدة الطفل غيث في الصف الرابع: "الصعوبات التي يعاني منها أطفالنا يومياً كبيرة ، تبدأ بصعوبة التواصل بين الأولاد بالصف وبين الطالب والأنسة فيصبحوا انعزاليين وينعكس على نفسية الأولاد عصبية وعدوانية وبكاء لأتفه سبب".

وتضيف "اكتأب ابني أنه كان بالمدرسة السورية من المتفوقين أما الآن بالمدرسة التركية أصبح من الراسبين والضعيفين وخاصة في المواد الدراسية العلمية التي تحتاج إلى شرح وتفسير (..) وأعتقد أن أول سنة دائماً لن يستفاد الطالب من معلوماتها وإنما هي لاكتساب اللغة فقط ".

كما يقول والد خولة: "أصعب نقطة أننا كأهالي الطلاب لا نعرف كيف نتعامل مع المنهاج وما هو المطلوب من الطالب وكيف ندرسه، بالإضافة إلى اختلاف أسلوب التدريس والثقافة ". وتساءل: "إذا كان الأطفال يتكلمون العربية بالبيت والمدرسة فمتى سوف يتعلمون التركية وهي لغة المستقبل بالنسبة لهم".

إلا أن الأستاذ عمر قيماز 38 عاماً وهو يعمل في مجال التدريس للمرحلة الابتدائية في إحدى المدارس التركية يرى أن الأمر طبيعي جداً أن تكون اللغة عائقاً في البداية وحث أيضاً على ضرورة أن يكون لدى الأطفال السوريين الاستعداد والإصرار على تعلم اللغة وهنا نوه إلى دور الأهل في مساعدة أطفالهم في تعلم اللغة وعدم إلقاء الحمل على الطفل لوحده.

ولا تتوقف مشاكل الاندماج عند حد اللغة فحسب، فاختلاف الثقافة والبيئة الاجتماعية بالإضافة إلى صفة اللجوء التي ترافق الطلاب السوريين أمور تعيق الكثير من الأطفال السوريين من التفاهم مع أقرانهم الأتراك، يصف خالد في الصف الخامس طريقة تعامل الطلاب الأتراك معه "بالعدوانية والسيئة" ويقول: "ينادوني دائماً يا سوري وكأنها شتيمة لكي يغضبونني ونبدأ بالمشاجرة".

أيضاً ينسحب الأمر على بعض الأساتذة غير المتقبلين لفكرة وجود السوريين في بلادهم الأمر الذي ينعكس على طريقة تعاملهم مع الطلاب السوريين حيث تقول والدة الطفل خالد: "معلمة ابني كانت تطالب بنقله من الصف إلى الصف الأول أو الثاني بعد أسبوعين من بداية المدرسة لأنه لا يفهم عليها وتكرر عبارة بسبب السوريين نحن غير مرتاحين في الصف".

في حين يرى والد الطفل هيثم في الصف الأول أن تعاون المدير والأساتذة معه أكثر من رائع وهم يتفهمون وضع ابنه ويشجعونه دائماً، أما عن عدم تقبل الطلاب الأتراك لأقرانهم السوريين فيبرر بقوله: "من الطبيعي أن لا يكون هناك تواصل في البداية بسبب اللغة طبعاً والطفل بطبعه سهل التأقلم واستطاع ابني أن يكون بعض الصداقات بعد أن أثبت جدارته وتفاعله مع الطلاب الأتراك".

في هذا السياق يقول الأستاذ دنيز شاهين وهو يعمل في إدارة إحدى المدارس التركية: "نحن نشدد دائماً على ضرورة استيعاب الأساتذة للأطفال السوريين الجدد وتشجيعهم وتفهم وضعهم وعدم معاملة الطفل السوري مثل قرينه التركي".

في ظل هذه الإشكاليات والصعوبات التي تعيق اندماج الأطفال السوريين في المدارس التركية تنظم الحكومة التركية بالتعاون مع اليونيسيف دورات  "الاندماج الاجتماعي" لـ21 ألفاً و700 طفل سوري خارج المخيمات، بهدف تخفيف مشاكل الاندماج التي يعانيها الأطفال السوريون في المجتمع.

ويتمثل الهدف الرئيسي للدورات، في تخفيف مشاكل الاندماج بالنسبة للأطفال السوريين، وتأسيس حوار متبادل مع أقرانهم، فضلاً عن تعزيز التفاهم والتسامح المتبادل بين الثقافتين.

وحول هذه المبادرة يقول الاستاذ علاء طباع الباحث في علم نفس الطفل: "لا بد من التفاعل مع كل خطوة تقوم بها الحكومة لتسهيل عملية الاندماج ،لأن تعلم ثقافة المجتمع الجديد الذي يعيش فيه الطفل السوري الذي يحمل مشاكل وصدمات نفسية واجتماعية سيئة من آثار الحرب التي خرج منها سيسهل عليه حياته المستقبلية ، وسيساهم ذلك بتخفيف الشعور بالغربة والشعور بتميز الطفل التركي عنه فحاجة الانسان للانتماء هي من أهم الاحتياجات وهو الأمر الذي سيعطيه أمان وراحة اجتماعية ".

كما يقترح طباع "أن يكون هناك شخص مسؤول في كل مدرسة تركية يعمل كصلة وصل ويقرب الفجوة بين الطلاب السوريين وأقرانهم الأتراك بالإضافة إلى الكادر التعليمي ويساعد الأهل أيضاً على التواصل مع الإدارة بحيث يسهل عملية الدمج لتصبح أفضل وأسرع".




المصدر