رؤية إسرائيل للثورة السورية
7 ديسمبر، 2016
ماجد كيالي
مع اندلاع الثورة السورية (آذار/ مارس 2011) بعث النظام برسالة، غير مباشرة إلى إسرائيل، مفادها: “إذا لم يوجد استقرار هنا في سورية فمن المستحيل أن يوجد استقرار في إسرائيل. ولا توجد طريقة ولا أحد يضمن ما الذي سيحصل إذا -لا سمح الله- حصل أي شيء لهذا النظام” (رامي مخلوف، نيويورك تايمز، 11/ 5/ 2011). أما إسرائيل، فقد كان ملخص موقفها من هذه الثورة أن “”دعوا العرب ينتحروا بهدوء…” (أليكس فيشمان، “يديعوت أحرونوت”، 12/ 6/ 2013).
في الواقع، فمنذ بداية “الربيع العربي” وجدت إسرائيل نفسها في مواجهة وضع جديد، لم تعتد عليه، بعد أن كانت خبرت منذ قيامها، ولأزيد من ستة عقود، العيش مع أنظمة استبدادية، استطاعت إضعاف دولها وتقييد مواطنيها، وتهميش مجتمعاتها وإخراجها من معادلات الصراع ضد إسرائيل. على ذلك فإن موقف بنيامين نتنياهو (رئيس الحكومة الإسرائيلية)، من الثورات العربية، التي جاءت ردّة فعل على استعصاء التطوّر التدريجي والطبيعي والسلمي، في الأحوال السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلدان العربية، لم يكن غريبًا، إذ عدّها بالنسبة لإسرائيل بمنزلة “هزّة أرضية…” تتطلب منها تعزيز أمنها (“وفا”، 10/ 9/ 2011).
في هذا الإطار، يمكن الحديث عن ستة محدّدات وجّهت الموقف الإسرائيلي من ثورات “الربيع العربي”، وضمنها الثورة السورية، مع الآمال التي وعدت بها، وهي:
أولًا، إن هذه الثورات يمكن أن تمهّد، في حال نجاحها، لكسر احتكار إسرائيل، لكونها الدولة الديمقراطية الوحيدة، بعد أن استطاع الفلسطينيون في انتفاضاتهم كسر احتكارها لمكانة الضحيّة، ولا سيما أنها كانت تروّج دوما لاستحالة الديمقراطية في البلدان العربية. ويمكن للثورات أن تكشف إسرائيل عن حقيقتها، بوصفها دولة استعمارية وعنصرية وعدوانية ودينية، وبوصفها في منزلة ظاهرة رجعية في المنطقة، ما ينهي الأسطورة التي طالما روّجتها بوصفها في منزلة «واحة» للحداثة والديمقراطية والعلمانية.
ثانيًا، هذه الثورات كانت تعني حضور الشعب إلى مسرح التاريخ، بعد أن كانت المجتمعات العربية تعاني من التهميش، بسبب الأنظمة التسلّطية، التي تبدو متجبّرة في مواجهة شعوبها، وبالغة الهشاشة في مواجهة إسرائيل. إسرائيل كانت مستفيدة من الوضع السابق، الذي أتاح لها ابتزاز الأنظمة، والاستفراد بها والتغطرس عليها.
ثالثًا، هذه الثورات كان يمكن أن تُفتح على احتمالات تغير البيئة الأمنية التي اعتادت عليها إسرائيل، ما يضعها أمام واقع جديد، عبر تهديدات أمنية، أو عبر تحديات بالوسائل السلمية. معلوم أن إسرائيل، بقيامها واستمرارها وتطوّرها، شكّلت تحديًا للعالم العربي في شكل النظام السياسي والإدارة الاقتصادية والتقدم العلمي والتكنولوجي، وفي الأنموذج بإقامتها مجتمعًا من مهاجرين، وفقًا لمبدأ المواطنة والنظام الديمقراطي. ويفيد ذلك بأنها لم تتفوق على العالم العربي بفضل قوتها العسكرية، أو باعتمادها على الولايات المتحدة، وأن الثورات العربية يمكن أن تُؤهل البلدان العربية لمواجهة تحديات إسرائيل على الصعد المختلفة.
رابعًا، وجدت إسرائيل في الثورات العربية فرصة لتأكيد أن أسباب الاضطراب وعدم الاستقرار في المنطقة لا تنبع من وجودها واحتلالاتها، وإنما من الأنظمة التسلطية والفاسدة؛ وهذا يتواءم مع كلام تيار “المحافظين الجدد”، بعدّهم أن مشكلة العالم العربي تنبع من الفقر والاستبداد والفساد والإرهاب، وليس من الاحتلال.
خامسًا، وجدت إسرائيل أن تغيّر البيئة الإقليمية المحيطة بها، ربما سيكون له أثره الكبير في مكانتها في المنطقة، وعلى تفاعلات النظام الإقليمي. وقد كان من المنتظر، في حال نجاح الثورات العربية، تعزيز مكانة النظام العربي، وتأكيد دوره، بوصفه فاعلًا إزاء الفاعلين الإقليميين الآخرين (إيران وتركيا، ولا سيما إسرائيل)، بعد أن كان في حال مريعة من الضعف والتشتت.
واضح أننا نتحدث -هنا- عن الكيفية التي نظرت عبرها إسرائيل إلى الثورات العربية في حال نجاحها في تحقيق أهدافها، وهي النظرة السلبية القائمة على الحذر والقلق والتحريض والتخوف. ولعل ما يجدر الانتباه إليه أن إسرائيل في تخوفاتها من تداعيات الثورات العربية، كانت تنظر بقلق بالغ إلى ما يجري في سورية بالذات، بالنظر إلى الحدود المشتركة، ومكانة هذا البلد في معادلات الصراع العربي – الإسرائيلي، وتأثيره الكبير في المشرق العربي.
بيد أن الأمور لم تأت على قدر الآمال، كما شهدنا، بسبب التلاعبات والتدخلات الخارجية، وبسبب تغوّل الأنظمة، بحيث أن ما حصل جاء بمنزلة ربح لإسرائيل، أقله في المدى المنظور، بخاصة في الحال السورية، وفي أوضاع بلدان المشرق العربي.
على ذلك؛ فإن محصلة التعاطي الإسرائيلي مع الحالة التي خلقتها الثورة السورية تمثل في الآتي:
أولًا، مراقبة ما يجري، والحرص على عدم بروز تهديدات أمنية من جراء الصراع السوري، وهذا ما واجهته إسرائيل عبر غاراتها الجوية على بعض مخازن وشحنات السلاح إلى حزب الله، وفرض سيطرة على حدودها مع سورية، ودعمها لتدمير السلاح الكيماوي في سورية.
ثانيًا، الحرص على عدم تزويد جماعات المعارضة العسكرية بأسلحة نوعية.
ثالثًا، انتهاج مبدأ عدم التدخل رسميًا، وتبني مقولة: “دع العرب يقتلون بعضهم”، على أساس أن هذا الصراع سيؤدي لإضعاف كل الأطراف؛ ما يفيد إسرائيل لعقود من الزمن.
رابعًا، غلبة وجهة نظر، مفادها الإبقاء على النظام، بواقع أن نظام الأسد (الأب والابن) حافظ على حدود هادئة معها طوال أربعة عقود، وأن النظام الذي تعرفه أفضل من الذي لا تعرفه، لذا؛ كان موقفها أن هذا النظام سيكون ضعيفًا وبدون حول ولا قوة إذا بقي.
خامسًا، الترويج لفكرة أن الصراع في سورية من طبيعة طائفية؛ وهو ما يخدم إسرائيل على المدى الطويل في تعميم خاصيتها، بعدّ نفسها دولة يهودية، أي: ذات طابع طائفي. ومعلوم أن إسرائيل تشتغل على هذا النحو بالتعامل مع الفلسطينيين من مواطنيها، ليس على أنهم عربًا، وإنما بوصفهم مسلمين ومسيحيين ودروزًا وبدوًا… إلخ. في هذا الإطار يمكن الحديث عن التصورات الإسرائيلية للمنطقة العربية، والتي كانت مراكز الأبحاث الإسرائيلية تصدرها، والتي تقوم على أن البلدان العربية لم تتأسس على أساس متجانس، وأنه ينبغي ان تقوم عدة دول في سورية، واحدة للمسلمين السنة، وثانية للعلويين، وثالثة للدروز، ورابعة للأكراد، وهذا ينطبق على العراق أيضًا.
سادسًا، التنسيق مع روسيا، وهو ما تجلى بقيام نتنياهو بعدة زيارات إلى روسيا، وتأكيد الطرفين على متانة العلاقات التي تربطهما في المجالات المختلفة، وضمنها في ما يتعلق بالوضع السوري، وهو ما استتبعه تنسيق أمني بينهما، أطلق يد إسرائيل في ضرب كل ما تعتقد أنه يهدد أمنها.
سابعًا، ترك الأمر للولايات المتحدة، وكما ذكرنا، إذ ثمة تقاطع كبير بين التصورات الإسرائيلية والتصورات الأميركية في ما يخص الشرق الأوسط، وتشابكات في مراكز صنع القرار والمصالح السياسية والأمنية والاقتصادية، أي: إن المسألة لا تتعلق بفرض إسرائيل لوجهة نظرها على الولايات المتحدة، فهي ليست بحاجة إلى ذلك، وإنما الأمر يتعلق بالتشابك الكبير في السياسة والتصورات، وصناع القرار عند الطرفين، كما ذكرنا.
[sociallocker] [/sociallocker]