المعارضة السورية صامدة في حلب: الانسحاب غير وارد


لم يُثن “منطق التدمير” الذي يتّبعه النظام السوري وحلفاؤه في حلب، المعارضة السورية المسلحة عن التمسك بالمضي قدماً في معركة الدفاع عن المدينة وتحديداً شرقها، حيث لا تزال صامدة بوجه حملة النظام والمليشيات المتحالفة معه، على الرغم من القصف العنيف الذي يشنّه النظام منذ أيام. ومع رفضها الخروج من المدينة، تتمسك المعارضة بحماية المدنيين، وهو ما تُرجم بدعوتها لهدنة إنسانية فورية من خمسة أيام في شرق المدينة، يجري خلالها إجلاء المدنيين الراغبين إلى ريف حلب الشمالي.
صمود المعارضة بدا أنه دفع دولاً غربية للتشدد أكثر تجاه حرب النظام وروسيا ضد الشعب السوري، وهو ما تُرجم في بيان لست عواصم غربية، هي واشنطن وباريس ولندن وبرلين وروما واوتاوا دعت فيه أمس إلى “وقف فوري لإطلاق النار” في حلب. وحثّت هذه الدول، في بيان، إيران وروسيا على الضغط على النظام السوري للتوصل إلى ذلك، بحسب ما جاء في بيان صادر عن الرئاسة الفرنسية.

وأكد البيان أن “الأولوية الملحة القصوى هي لوقف إطلاق نار فوري يسمح للأمم المتحدة بتسليم المساعدات الإنسانية إلى سكان حلب الشرقية”. ودانت هذه الدول “أعمال النظام السوري وحلفائه الأجانب، لا سيما روسيا، لعرقلتهم المساعدة الإنسانية، وهجمات النظام التي دمرت المنشآت المدنية والطبية، واستخدام البراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية”. وطالبت “الأمم المتحدة بإجراء تحقيق” في ما يحصل في سورية، معلنة الاستعداد “للبحث في تدابير عقابية إضافية ضد الأفراد والكيانات التي تعمل لصالح النظام السوري أو باسمه”. وأكدت الدول الست أن “وحده الحل السياسي يمكن أن يحمل السلام للناس في سورية”.

من جهته، اتهم الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، روسيا بعرقلة مساعي الأمم المتحدة حول سورية بعد استخدامها مع الصين حق النقض ضد قرار في مجلس الأمن يدعو إلى هدنة من سبعة أيام في حلب. وقال هولاند في بيان: “هذه العرقلة المنهجية التي تمارسها روسيا تتماشى مع منطق التدمير الذي يتبعه نظام بشار الأسد والذي يمس بالسكان المدنيين العزل”.

في موازاة ذلك، وبعد تعثّر التفاهمات الروسية الأميركية حول حلب، اجتمع وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري وسيرغي لافروف في هامبورغ الألمانية أمس الأربعاء على هامش الاجتماعات السنوية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، حيث بحثا الوضع السوري وخصوصاً في حلب. وكان مسؤول أميركي لم يُكشف عن اسمه، قال قبل اللقاء إنه من المرجح أن يناقش كيري ولافروف مسألة توفير ممر آمن لمسلحي المعارضة السورية للخروج من حلب. لكن المسؤول قال إن جماعات “المعارضة المعتدلة” التي اتصل بها مسؤولون أميركيون قبل نحو يومين “لم يبدوا رغبة” في إبرام مثل هذه الاتفاقات، وفق وكالة “رويترز”.

وتواصل فصائل المعارضة السورية، تصديها للهجوم الأوسع من نوعه الذي تشنّه قوات النظام والمليشيات المساندة له منذ ثلاثة أسابيع، على مناطق نفوذها في أحياء حلب الشرقية. وأعلن المتحدث العسكري باسم حركة “نور الدين زنكي” النقيب عبد السلام عبد الرزاق لـ”العربي الجديد”، أن المعارضة تقدّمت بمبادرة لإخراج المدنيين والجرحى، لكن الفصائل المسلحة “لن تنسحب من حلب ولا يوجد أي توجّه على هذا الصعيد لدى أي فصيل”.
كما أكد المتحدث العسكري باسم حركة “أحرار الشام الإسلامية” أبو يوسف المهاجر، أن “فصائل المعارضة لا تزال صامدة في مواجهة الحملة العسكرية الكبيرة”، مقراً في الوقت عينه، بالتقدّم الذي أحرزته قوات النظام والمليشيات المساندة لها شرقي حلب، ومؤكداً أن المعارك هناك تأخذ طابع “الكر والفر”، وأن بالإمكان استرجاع المناطق التي خسرتها المعارضة.

وتعيش آلاف الأسر السورية، مأساة إنسانية غير مسبوقة شرقي حلب، إذ إن المعارك المستمرة مع الغارات اليومية، دفعتها منذ نحو عشرين يوماً، للنزوح ضمن الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة، والتي أتت حملة القصف الجوي والمدفعي الأخيرة على معظم المرافق المدنية فيها خصوصاً المستشفيات، فضلاً عن أن هذه الأحياء لم تدخلها أي مواد غذائية منذ أربعة أشهر، جراء الحصار المفروض عليها من قبل النظام.
وضع السكان المدنيين في حلب وصفه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بـ”المفجع”، وطالب “السلطات السورية وفصائل المعارضة السورية وكذلك التحالف بالوفاء بوعودهم بشكل يخولنا القيام بمهمتنا الإنسانية”. ولفت إلى أن “غالبية البنى التحتية، من مستشفيات وعيادات وشبكات مياه وتوزيع مواد غذائية، كلها مدمرة أو مقطوعة”.

كما أن هذه الأوضاع دفعت “مجلس قيادة حلب” أمس، لتقديم مبادرة إنسانية، تهدف لإنقاذ آلاف المدنيين المحاصرين، من خلال الدعوة لـ”هدنة إنسانية فورية لمدة خمسة أيام”، على أن يتم إخلاء الحالات الطبية الحرجة التي تحتاج لعناية مستعجلة والمقدر عددها بـ500 حالة، تحت رعاية الأمم المتحدة، و”إخلاء المدنيين الراغبين في ترك حلب الشرقية المحاصرة إلى منطقة ريف حلب الشمالي، لأن محافظة إدلب لم تعد منطقة آمنة بسبب قصف الروس والنظام للمدن والقرى فيها، ولم تعد إدلب قادرة على احتواء المزيد من النازحين داخلياً”، وفق المجلس. وقال عضو المكتب السياسي في حركة “نور الدين زنكي”، ياسر اليوسف لوكالة “فرانس برس” إن “كافة الفصائل المقاتلة في حلب موافقة على هذه المبادرة”.

وكثّفت القوات المهاجمة المدعومة بغطاء جوي ناري تؤمنه الطائرات الحربية، هجماتها منذ ليل الثلاثاء-الأربعاء على شرقي حلب، محققةً تقدماً، تمثل بسيطرتها على أجزاء واسعة من حلب القديمة. وتعرض شرقي حلب لمئات الغارات الجوية خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، فيما شنّ النظام خلال الأسبوع الماضي هجماتٍ واسعة على عدة محاور، مستهدفاً استنزاف مقاتلي المعارضة المحاصرين من دون أي خطوط إمداد، وهو ما أدى في اليومين الماضيين لخسارة هؤلاء عدة أحياء جديدة كانوا يسيطرون عليها منذ أكثر من أربع سنوات.

وليل الثلاثاء-الأربعاء تواصلت الاشتباكات العنيفة على محاور عدة شرقي حلب، تمكّنت بعدها قوات النظام والمليشيات المساندة لها من إخضاع عدة مناطق جديدة لسيطرتها، خصوصاً في أحياء حلب القديمة. لكن مدير المكتب الإعلامي في تجمع “فاستقم كما أمرت” محمد حاج قاسم، قال إن المعارضة السورية المسلحة، تصدّت لمحاولة تقدّم المليشيات المساندة للنظام، على محور سيف الدولة، والإذاعة، وكبّدتها خسائر.
في هذا السياق، ذكرت مصادر محلية في حلب عصر أمس، إن الاشتباكات كانت لا تزال مشتعلة في حيي المرجة والشيخ لطفي، نافية ما نقلته وسائل إعلام النظام، عن سيطرته على الحيين المذكورين. كما تدور معارك أخرى على جبهة الشيخ سعيد جنوب شرقي حلب، إذ تحاول القوات المهاجمة التقدّم كذلك عبر هذا المحور، على الرغم من أن هجماتها الأعنف تدور على محاور قتال أخرى كجبهات بستان القصر والشعار والزبدية.
وفي محصلة المعارك الأخيرة خلال ساعات الأربعاء، فإن قوات النظام أخضعت لسيطرتها، أحياء جديدة شرقي حلب، أبرزها القاطرجي والميسر، وأجزاء من الأحياء القديمة وسط حلب، وسط نفي مصادر المعارضة انسحابها من كامل أحياء حلب القديمة. وانحسرت مناطق سيطرة المعارضة شرقي حلب، إلى نحو ثلث ما كانت تسيطر عليه قبل الهجوم المستمر منذ ثلاثة أسابيع، لكنها لا تزال تسيطر على أحياء عدة، أبرزها: باب النيرب، المعادي، الكلاسة، الصالحين، الفردوس، بستان القصر، الشيخ سعيد وغيرها.



صدى الشام