المعارضة تخوض حرب بقاء في حلب


واصلت قوات النظام والميليشيات الإيرانية التي تقاتل معها حربها على الأحياء الشرقية المحاصرة في مدينة حلب محققة المزيد من التقدم على الأرض، رغم استماتة مقاتلي “جيش حلب” في الدفاع عما تبقى تحت سيطرتهم من أحياء، وسط محاولات روسية لاستثمار هذه التطورات من أجل إخضاع المدينة بالمفاوضات، في ظل عجز دولي مريب.

ورغم الأوضاع الصعبة التي تعيشها مناطق سيطرة المعارضة عسكرياً وإنسانياً، إلا أن المقاتلين هناك ما زالوا يرفضون بشكل قاطع تسليم المدينة للنظام، برغم موافقة مندوبي الفصائل المشاركة في مفاوضات أنقرة مع الجانب الروسي على خروج مقاتلي “فتح الشام” من المدينة، مقابل توقف القصف، وإدخال المساعدات الإنسانية.

غير أن روسيا، كما تشير المعطيات التي رشحت عن المفاوضات، تصرّ على فرض “استسلام كامل” للمعارضة وخروج جميع المسلحين الى إدلب، وليس مقاتلي فتح الشام فقط، زاعمة بحسب ما ورد على لسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف أن عدد مقاتلي فتح الشام يزيد عن 1500 مقاتل مقابل 6000 من بقية الفصائل، بينما العدد الفعلي لا يتجاوز بحسب معطيات عدة 300 مقاتل مقابل نحو 4000 مقاتل من بقية الفصائل.

 

تعنت روسي

وتؤكد مصادر عدة أن هذا التعنت الروسي تسبب في إخفاق الاجتماعات التي تُعقد في العاصمة التركية أنقرة بين مسؤولين روس وقيادات عسكرية في فصائل المعارضة، حيث تمسك الطرف الروسي بإخراج قائمة من 900 مقاتل على الأقل يقول إنهم يتبعون إلى فتح الشام لقاء تنفيذ بنود الاتفاق الإنسانية، علماً أن أعداد مقاتلي فتح الشام في أحياء حلب الشرقية يبلغ عددهم أقل من 400 مقاتل، ما يعني أن الروس ضموا مقاتلي أحرار الشام ومقاتلين يتبعون فصائل أخرى إلى تلك القائمة.

غير أن لافروف قال في تصريحات لاحقة أن اتفاق وقف النار في حلب لن يطبق حتى خروج جميع المقاتلين من شرق حلب، دون تمييز في انتمائهم لأي تنظيم. واعتبر أيضاً أن تشكيل جيش حلب هو محاولة من جانب المعارضة لحماية مقاتلي جبهة فتح الشام.

ويشارك في مفاوضات أنقرة 13 شخصاً يمثلون فصائل المعارضة، وممثلون للروس والأتراك، وغابت عنه فصائل المعارضة المدعومة أميركياً، ولم يحضره أحد عن نظام الأسد والإيرانيين.

من جهتهم، أكد مندوبو المعارضة رفضهم الخروج من شرقي المدينة وتسليمها لقوات النظام، وقال زكريا ملاحفجي رئيس المكتب السياسي لتجمع “فاستقم كما أمرت” إن “الثوار أبلغوا الولايات المتحدة أنهم لن يتركوا حلب”، وذلك ردّاً على دعوة موسكو لإجراء محادثات مع واشنطن بشأن انسحاب كامل للمعارضة من الأحياء الشرقية في المدينة المحاصرة.

 

 

تحركات دولية

وعلى خط مواز، عقد مجلس الأمن الدولي الإثنين، جلسة طارئة للتصويت على مشروع قرار أعدته نيوزيلندا وإسبانيا ومصر يدعو لوقف إطلاق النار في حلب للسماح بدخول المساعدات الإنسانية الى أحياء حلب الشرقية التي تتعرض منذ ثلاثة أسابيع لحملة من الجو والبر أسفرت عن مقتل 773 مدنياً، حسب المسؤول في الدفاع المدني في حلب، بيبرس مشعل.

ويدعو مشروع القرار “جميع أطراف النزاع السوري بالتوقف عن جميع الهجمات في مدينة حلب، بما في ذلك قذائف الهاون، والصواريخ الموجهة المضادة للدبابات والقصف والغارات الجوية، وذلك بغية السماح بمعالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة لمدة 7 أيام، على أن ينظر المجلس في تمديد تلك الفترة لمدة 7 أيام على أساس متكرر”.

وكانت كل من قطر والسعودية والإمارات وتركيا دعت إلى عقد جلسة طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة لبحث الأوضاع المأساوية التي وصلت إليها مدينة حلب، وذلك بعدما أصبح مجلس الأمن عاجزاً بسبب افتقاده للإجماع.

كما وجهت كل من كندا وكوستاريكا واليابان وهولندا رسالة إلى رئيس الجمعية العامة، بيتر تومسون، بالنيابة عن 74 دولة، دعت فيها المنظمة الدولية لاتخاذ إجراءات بشأن الوضع في سورية.

 

 

 وفي السياق أيضاً، طالبت 223 منظمة غير حكومية من 45 دولة تعمل في المجال الإنساني والدفاع عن حقوق الإنسان بتسليم الملف السوري للجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد عجز مجلس الأمن عن اتخاذ أي خطوة بشأن هذا الملف، في ظل وجود الفيتو الروسي.

وتستطيع الجمعية العامة الحلول مكان مجلس الأمن في حال تبين أن الأخير عاجز عن الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، إلا أن صلاحيات الجمعية العامة تبقى محدودة، وقد استخدم هذا الإجراء ثماني مرات، وذلك إبان الأزمة الكورية عام 1950 والحرب في الكونغو عام 1960 والاجتياح الروسي لأفغانستان عام 1980 وغيرها.

وكانت روسيا قد استخدمت حق النقض (فيتو) خمس مرات منذ اندلاع الثورة في سورية عام 2011، لمنع صدور قرارات عن مجلس الأمن، كما استخدمت الصين الحق نفسه أربع مرات، بينما لا يوجد حق للنقض في الجمعية العامة لكن قراراتها غير ملزمة.

من جهته، قال المبعوث الأممي لسورية ستافان دي ميستورا، إن منطقة شرقي حلب قد تسقط بيد قوات الأسد مع نهاية العام، معبراً عن أمنيته بتجنب معركة مروعة حسب توصيفه.

 

حرب بقاء

وعلى الأرض، ما زال مقاتلو المعارضة الذين اتحدوا تحت راية “جيش حلب” يقاتلون باستماتة لمنع سقوط مزيد من المناطق بيد قوات النظام والميليشيات.

وبعد أن تمكنت قوات النظام من السيطرة على أحياء جديدة في شرقي المدينة، شن مقاتلو المعارضة هجوماً معاكساً الإثنين وتمكنوا من استعادة حي القاطرجي ومشفى العيون و أجزاء واسعة من حي الميسر الذي دمروا فيه سبع دبابات للنظام خلال يومين، إضافة إلى قتل أكثر من 40 جندياً للنظام وللميليشيات المساندة له إضافة إلى أسر آخرين بينهم ضابط إيراني.

وتكتسي عملية استعادة السيطرة على حي الميسر أهمية كبيرة لأنه يقع في منتصف حلب ويطل على حي الشعار والقلعة، حيث يسعى النظام لوصل حي الميسر بالقلعة حتى يتمكن من محاصرة الشعار والقاطرجي، وشطر الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة إلى شطرين.

 

وكانت الفصائل العسكرية في مدينة حلب أعلنت الخميس الماضي عن تشكيل كيان موحد يحمل اسم “جيش حلب” يتكون من جميع الفصائل وعلى رأسها أحرار الشام والجبهة الشامية وفيلق الشام والفوج الأول وحركة نور الدين الزنكي، إضافة الى فتح الشام.

كما تصدت قوات المعارضة السبت لمحاولة قوات النظام والميليشيات اقتحام بلدة عزيزة جنوبي حلب، وقتلت 20 من القوات المهاجمة وأسرت اثنين.

كما أحبط المدافعون عن المدينة محاولة لاجتياح أحياء بستان القصر والشيخ سعيد وصلاح الدين.

وتحاول قوات النظام المحافظة على ما حققته من تقدم وتضيق الخناق على المناطق التي ما زالت خاضعة للمعارضة، وسط أنباء عن وصول تعزيزات عسكرية تشمل المئات من قوات الحرس الجمهوري تمهيداً لخوض حرب شوارع شرقي المدينة المحاصر والذي يعاني سكانه من أوضاع إنسانية متدهورة.

 

 مجازر ونزوح

وفي إطار سعيها لتهجير الأهالي، والنيل من معنويات المقاتلين، واصلت قوات النظام استهداف المدنيين، حيث ارتكبت عدة مجازر خلال أقل من أسبوع بحق النازحين الفارين من المناطق التي تحاول ميليشيات إيران اجتياحها في أحياء حلب الشرقية المحاصرة.

وأعلنت منظمة الدفاع المدني في مدينة حلب مقتل 6 مدنيين وجرح 12 نتيجة قصف طائرات النظام تجمعاً للنازحين في حي الشعار بالصواريخ الفراغية، وهي المجزرة الثالثة من نوعها في أقل من أسبوع، حيث ارتكبت قوات النظام مجزرة في حي باب النيرب يوم 29 من الشهر المنصرم، أسفرت عن مقتل 25 مدنياً غالبيتهم من الأطفال والنساء، وجرح العشرات، إضافة إلى مجزرة في جب القبة التي حصدت أرواح نحو خمسين من المدنيين النازحين.

 

كما طالت المجازر محافظة إدلب حيث قصفت الطائرات الروسية سوقاً شعبياً في مدينة كفرنبل، ما أسفر عن مقتل 29 مدنياً بينهم أطفال ونساء، واستهدفت الطائرات المستشفيات والمدارس في المدينة لتخلّف المزيد من الجرحى وسط أوضاع إنسانية صعبة.

وتعرضت مدينة معرة النعمان لقصف جوي من الطيران الحربي، استهدف الأبنية السكنية مخلفاً مجزرة أخرى راح ضحيتها أكثر من 37 مدنياً وعشرات الجرحى، كما قُتل 7 مدنيين بينهم 4 أطفال بقصف الطيران المروحي بالبراميل المتفجرة على منازل المدنيين في بلدة التمانعة بريف المحافظة الجنوبي.

ومع تواصل المعارك والمجازر ينزح المزيد من الأهالي وذلك من الأحياء الشرقية باتجاه مناطق سيطرة قوات النظام، وقال مسؤول الدفاع المدني بيبرس مشعل إن عدد الذين نزحوا من الأحياء التي سيطر عليها النظام مؤخراً في حلب الشرقية ومن نقاط الاشتباك الساخنة بلغ نحو 50 ألف شخص مشيراً الى أن السكان في حالة هلع شديد جراء القصف الذي لا يتوقف على جميع أحياء المدينة المحاصرة.

وكان مسؤول العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة ستيفن أوبراين قد حذّر في وقت سابق من أن شرقي حلب قد “يتحول إلى مقبرة ضخمة إذا لم تتوقف المعارك واستمر منع إيصال المساعدات الإنسانية إلى السكان”.

وأفادت معطيات عدة إلى أن قوات النظام تقوم باعتقال واختطاف مئات الشباب والرجال الفارين من المناطق التي احتلتها ميليشيات إيران خلال الأيام الماضية، بينما أكد مركز حلب الإعلامي أن قوات النظام أقامت معسكرَي اعتقال، أحدهما في مدرسة بحي الصاخور، والآخر في منطقة نقارين قرب مطار النيرب العسكري، يتم فيهما احتجاز الشباب، الذين فروا مع عوائلهم من مناطق الاشتباك داخل حلب إلى الأحياء التي سيطرت عليها قوات النظام.

ولفت المركز إلى أن عملية الاحتجاز تشمل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين سن 18-40 عاماً.

 



صدى الشام