مناورات روسية أميركية لتغطية إبادة حلب


يمضي النظام السوري وحلفاؤه في محاولات تدمير مدينة حلب بالكامل، فيما باتت المباحثات الدولية حول سورية، تحديداً تلك التي تجرى بين الولايات المتحدة وروسيا، مجرد مناورات لتغطية إبادة المدينة، وأقرب إلى اجتماعات لتمرير الوقت وإفساح المجال أمام النظام السوري لاستكمال التدمير بعد تمسك الفصائل المسلحة بخيار البقاء في حلب على الرغم من جميع محاولات الترهيب والضغط عليها خصوصاً من خلال الاستهداف الممنهج للمدنيين.

وفي وقت لا يزال فيه عشرات آلاف المدنيين محاصرين من قِبل قوات النظام والمليشيات الحليفة له في مناطق سيطرة المعارضة شرقي المدينة، فإنهم يدفعون الثمن من أرواحهم بسقوط ضحايا جدد يومياً جراء القصف والغارات العنيفة من النظام وروسيا. لكن هذا الاختبار ليس الأول للمدنيين في حلب بعدما أثبتت تجارب سابقة أنهم كسروا محاولات النظام لاستغلالهم ضد المعارضة.

ولم يحقق وزيرا الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف أي تقدّم أمس الخميس في محادثاتهما حول التوصل إلى وقف لإطلاق النار في حلب بعد اجتماعين غير رسميين في هامبورغ الألمانية، فيما تتجه الأنظار إلى المحادثات التي تجريها مجموعة أصدقاء الشعب السوري نهاية الأسبوع الحالي في فرنسا من دون تعليق آمال كبيرة على نتائج المحادثات.

عدم تحقيق تقدم في المحادثات لم يمنع لافروف من القول إنه اتفق مع كيري على إجراء لقاء للخبراء العسكريين في جنيف، غداً السبت، قائلاً إن بلاده “ضد استخدام ازدواجية المعايير في تقييم الضربات على الإرهابيين في العراق وسورية”. وفي محاولة لتصوير أن روسيا تتجاوب مع الضغوط الدولية لوقف الإبادة التي تتعرض لها حلب، قال لافروف إن “الجيش السوري أوقف العمليات العسكرية النشطة في شرق حلب لأن جهوداً كبيرة جارية لإجلاء المدنيين من المنطقة”، الأمر الذي نفته في وقت لاحق فصائل المعارضة السورية، مستندة إلى حملة القصف المتواصلة في حلب، والتي أودت بحياة العشرات أمس الخميس.

فيما كان مسؤول أميركي، قد قال وفق وكالة “فرانس برس”، إنه “لم يحصل تقدّم حول مسألة حلب”، لافتاً إلى أن كيري قال إن الجهود ستتواصل على الرغم من ذلك. من جهته، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أمس الخميس، إن روسيا تؤيد مواصلة الاتصالات بين كيري ولافروف لمحاولة التوصل لاتفاق بشأن حلب، لكنه لفت إلى أن آفاق التوصل لاتفاق غير واضحة.

كما أعلن مستشار الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية يان إيغلاند، أن الولايات المتحدة وروسيا أبعد ما يكون عن الاتفاق على شروط عمليات الإجلاء من المناطق المحاصرة في شرق مدينة حلب. وذكر إيغلاند في تصريح أمس أن المفاوضات التي استمرت خمسة أشهر بشأن خطط الإغاثة فشلت ولم تتمخض عن شيء، مشدداً على ضرورة أن تتحد الولايات المتحدة وروسيا للاتفاق على إجلاء القطاع المحاصر الذي تقول الأمم المتحدة إنه ربما يضم ثمانية آلاف مقاتل بين أكثر من 200 ألف مدني. وأضاف قائلاً للصحافيين إن روسيا لم تعد تقدّم وعوداً بوقف القتال حتى يتمكن الناس من الخروج، وإن اقتراحها فتح ممرات آمنة لا يستحق أن يسمى بهذا الاسم من دون وقف إطلاق النار.

في موازاة ذلك، تُجري تركيا محادثات منفصلة مع روسيا بشأن التطورات في حلب للتوصل إلى وقف لإطلاق النار وتسليم مساعدات إنسانية، بحسب ما أعلن المتحدث باسم الرئيس التركي، إبراهيم قالين. وقال قالين في مؤتمر صحافي في أنقرة إن قوات النظام السوري ترتكب “جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب” خلال القتال الدائر في حلب.

على الصعيد الإنساني، لا يزال عشرات آلاف المدنيين في أحياء حلب المحاصرة يعيشون تحت وطأة مأساة إنسانية غير مسبوقة منذ بدء الثورة السورية، وأكدت مصادر طبية أن المأساة تتفاقم في ظل نزوح آلاف المدنيين من الأحياء التي تسيطر عليها المليشيات باتجاه الأحياء التي لا تزال بيد المعارضة. وأفاد رئيس المجلس المحلي في حلب بأن أكثر من 800 شخص لقوا حتفهم فيما أصيب ما بين 3000 و3500 في الأيام الـ26 الماضية.

من جهته، أكد مدير الطبابة الشرعية في أحياء حلب المحاصرة أبو جعفر، أنه لم يعد بالإمكان إنقاذ الجرحى نتيجة القصف الذي وصفه بـ”الهمجي” من قبل الطيران الروسي ومقاتلات النظام ومدفعيته، مشيراً في تصريح لـ”العربي الجديد” إلى أن طيران النظام يستهدف بالرشاشات أي سيارة تتحرك في شرقي حلب تحمل مصابين. وأضاف أبو جعفر: “نحن نُذبح تحت مرأى المجتمع الدولي، بل إنه شريك في عمليات قتلنا وإبادتنا نتيجة صمته على ما يقوم به نظام الأسد وحلفاؤه”.

وكان مسؤول في المعارضة قال إن الاتحاد الأوروبي تبنى مبادرة فصائل حلب لهدنة إنسانية فورية شرق المدينة، وذلك عقب اجتماع عقد بين ممثلين عن الفصائل وعن الاتحاد الأوروبي في مدينة غازي عنتاب التركية. وقال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “أحرار الشام” محمد جلال، إن الاتحاد الأوروبي تبنى بالكامل مبادرة الفصائل التي طرحتها حول حلب، والتي تقضي بإعلان هدنة إنسانية لمدة خمسة أيام، وإخلاء الحالات الطبية العاجلة من المدينة، بالإضافة لإخراج المدنيين الراغبين في عدم البقاء في المدينة. إلى ذلك، قال رئيس المجلس المحلي في مدينة حلب، بريتا حاج حسين، أنه وبرفقة 6 برلمانيين فرنسيين وعدد آخر من البرلمانيين الأوروبيين يعتزمون الذهاب إلى أحياء مدينة حلب المحاصرة خلال اليومين المقبلين.

ميدانياً، تدور معارك كر وفر طاحنة بين قوات المعارضة وقوات النظام والمليشيات المساندة له من جهة أخرى في أحياء حلب المحاصرة. وكبدّت المعارضة أمس الخميس قوات النظام والمليشيات خسائر فادحة أثناء محاولة الأخيرة التقدّم على جبهات أحياء بستان القصر، والكلاسة، والمعادي، وعلى جبهة حي الأصيلة. فيما أفاد الناشط الإعلامي، أبو يمان الحلبي، لـ”العربي الجديد”، بأن “قوات النظام مدعومة بالمليشيات، سيطرت فجر أمس، على أحياء: جب القبة، وباب الحديد، وأقيول، والبياضة، والنيرب، بعد معارك عنيفة مع قوات المعارضة، وسط قصف جوي روسي وآخر للنظام طاول الأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة كافة”.

من جهته، أشار المتحدث باسم تجمع “فاستقم كما أمرت”، عمار سقار، إلى أن قوات النظام والمليشيات المساندة لها تتبع سياسة القصف الهمجي على الأحياء التي لا تزال تحت سيطرة المعارضة، موضحاً في حديث مع “العربي الجديد” أن القصف الجوي والمدفعي تركز أمس على أحياء: سيف الدولة، والزبدية، وصلاح الدين، والفردوس، والمعادي، وبستان القصر، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات من المدنيين في حيي الكلاسة وبستان القصر.

وتحاول قوات النظام التقدّم على أكثر من محور داخل الأحياء المحاصرة في حلب، إذ تضغط على محور أحياء الإذاعة، والزبدية، وبستان القصر في الجزء الغربي من الأحياء المحاصرة، وتحاول التقدّم على جبهة الشيخ سعيد جنوب شرقي حلب، وعلى محور حي الشعار في شرقي المدينة. وجاء ذلك متزامناً مع حديث لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، قال فيه إن نظامه اتخذ قراراً بالسيطرة على كامل سورية ومن ضمنها حلب.
فيما أكدت مصادر في المعارضة أنها تقوم بصد هجمات قوات النظام والمليشيات خصوصاً في المحور الغربي، مشيرة إلى مقتل أكثر من 40 من عناصر المليشيات في حي الإذاعة أمس الأول الأربعاء. كما لم تفلح محاولات قوات النظام في إحداث اختراق على الجبهة الجنوبية الشرقية، في ظل مقاومة من فصائل المعارضة.

من جهة أخرى، وبعدما ذكرت مصادر إعلامية أن المعارضة المسلحة في طريقها للحصول على مضادات للطيران، وهو ما ألمح إليه رئيس غرفة عمليات حلب الرائد ياسر عبد الرحيم في تسجيل صوتي منذ أيام، أعلن عمار سقار لـ”العربي الجديد” أن المعارضة لم تحصل على السلاح حتى الآن.

من جهته، اعتبر النقيب أمين ملحيس، القيادي في “جيش المجاهدين” أحد أكبر الفصائل في حلب، أن مسألة حصول المعارضة على سلاح نوعي بينه مضاد طيران “مجرد وعود”، مشيراً إلى أنه يجب على المعارضة الاعتماد على نفسها، مضيفاً في حديث مع “العربي الجديد”: “تهديدات أوباما لنظام الأسد على مدى سنوات ظلت حبراً على ورق”.

أما المحلل العسكري السوري أحمد رحال، فرأى أن الأطراف الإقليمية والدولية تركت المعارضة وحيدة أمام تغوّل المليشيات والإجرام الروسي الذي لا حدود له، مشيراً في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن المدنيين المحاصرين في شرقي حلب “نقطة ضعف المعارضة”، مضيفاً: “تدرك روسيا وإيران ونظام الأسد هذا الأمر، لذا يقومون باستهداف المدنيين بوحشية للضغط على الفصائل المعارضة”. وأشار رحال إلى صعوبة القيام بعمل عسكري واسع النطاق في الوقت الراهن من شأنه فك الحصار عن شرقي حلب. ولكنه دعا إلى تخفيف الضغط عن فصائل المعارضة داخل حلب من خلال شن هجمات من خارج المدينة تربك قوات النظام والمليشيات، مشيراً إلى ضرورة فتح جبهتي ريف حماة الشمالي والساحل السوري لإجبار النظام على سحب جزء من قواته داخل حلب.



صدى الشام