الصين وإيران.. حلف الطاقة الناشئ

13 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2016
5 minutes

ساشا العلو

شكل توقيت اندلاع الثورة السورية عاملًا مهمًا وشديد التأثير في مسار أحداث تلك الثورة، وللأسف يبدو أنه لم يكن في صالح الشعب السوري، إذ تزامن مع الاستراتيجية الأميركية لنقل اهتمامها من الشرق الاوسط إلى المحيط الهادئ، الأمر الذي ولّد فراغًا إقليميًا تسعى إيران إلى شغله، وفرصة لروسيا التي تحاول العودة إلى مسرح الأحداث الدولية، وتلاقى ذلك مع مصلحة الصين التي تعد التوجهات الأميركية الناشئة تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، وهي والطامحة للعب دور دولي أكبر يكون متناسبًا مع قوتها الاقتصادية والعسكرية الصاعدة؛ فشكلت سورية لذلك المحور نقطة الارتكاز الأقوى، والبوابة شبه الوحيدة لتحقيق تلك المصالح. وبناء على تلك القاعدة تَشكل الموقف الصيني تجاه الأزمة السورية؛ ليتصاعد ويأخذ مداه ضمن المحور الناشئ (روسيا – إيران) ومواجهة القطب الأميركي، لذلك؛ فإن دوافع الموقف الصيني تبرز بروزًا أوضح عبر دراسة أداء بكين في إطار التوازنات الدولية والأحلاف الناشئة، وكما فككنا في المقال السابق (الصين والنظام السوري.. نقطة الارتكاز) دوافع الصين في دعم نظام الأسد؛ يحاول هذا المقال دراسة وتحليل طبيعة التحالف الصيني – الإيراني، بوصفه عاملًا مؤثرًا في موقف بكين من الأزمة السورية.
فإضافة إلى أهمية سورية الاستراتيجية بالنسبة للصين، تخشى الأخيرة أن يؤثر سقوط النظام الـسـوري الحالي فـي مكانة إيــران الإقليمية، بوصفها حليفًا استراتيجيًا لـسـوريـة، حيث تحتل إيران موقعًا مركزيًا في سلم الأولويات الصينية، بسبب تضافر الجيوبوليتيك، وتأمين الواردات من الطاقة. والعامل الأخير يحتل رأس أولويات الأمن القومي الصيني، منذ عام 1993 على الأقل، إذ أصبحت الصين في ذلك العام مستوردًا صافيًا لموارد الطاقة، وبتعاظم معدلات التنمية زادت الحاجات الصينية من الطاقة بنسبة 230 في المئة خلال فترة ربع قرن فقط (1980 – 2004) كما أن إيران منتج ضخم للطاقة وسوق كبيرة لتصريف المنتجات الصينية اللازمة لإدامة معدلات التنمية المرتفعة، والتي تشكل الأساس لنموذجها الاقتصادي الحالي.
ويساهم التحالف مع إيران بتسهيل المهمة الصينية في دخول الشرق الأوسط المهم في الاستراتيجيات العالمية، وفك عزلة الصين عنه. فنظرة متأنية إلى خريطة الشرق الأوسط، وغرب آسيا، تكشف بوضوح أن إيران هي الحليف شبه الوحيد للصين في هذه المنطقة، الذي يؤمن 45 في المئة من وارداتها النفطية. كما تنظر الصين إلى إيران بوصفها المطل المائي المحتمل في الخليج للأسطول الصيني الضخم، وهو المطل المفيد تجاريًا وجيوبوليتيكيًا. وتتعزز هذه الفرضية بملاحظة أفضلية القرب الجغرافي للصين – مقارنة مع أميركا مثلًا – من القوس الجغرافي الحاوي نحو 71 في المئة من احتياطات النفط عالميًا، وحوالي 69 في المئة من احتياطات الغاز الطبيعي. ويشمل هذا القوس الجغرافي روسيا، وآسيا الوسطى، وإيران والعراق، والسعودية، ودول الخليج العربي. ويسمح هذا القرب الجغرافي للصين بإحراز الأفضلية في التسابق على موارد الطاقة مع واشنطن مستقبلًا، شريطة أن يكون لها موطئ قدم توفره إيران بموقعها الجغرافي في قلب القوس المذكور ( ). وتقدم الجغرافيا الإيرانية لها الميزتين معًا: حقول الجنوب الإيراني المطلة على الخليج تؤمن جزءًا معقولًا من نفط الشرق الأوسط، أما الشمال الإيراني، فيمنح بكين فرصة الإطلالة الممتازة على بحر قزوين الغني بالطاقة هو الأخر.
وإذا أضفنا الأهمية الاستراتيجية لإيران، بوصفها ثاني أهم مورِّد للنفط للصين من ناحية، ومشاركتهما معًا في استراتيجية إحياء طريق الحرير من ناحية أخرى، فإن مكانة إيران تتعزز في استراتيجية الصين الدولية. وعلى الرغم من أن السعودية تمثل المورِّد الأول للصين، لكن الحساب الاستراتيجي الصيني يقوم على أساس أن أي أزمة حادة بين الصين والولايات المتحدة قد تجعل من السعودية طرفًا لا يُؤْمن جانبه، خلافا لما هو عليه الوضع في إيران.
هكذا أصبحت الصين الغطاء الدولي لإيران في مجلس الأمن، منذ احتدام الأزمة النووية، التي ترافقت مع إبرام الصفقات الضخمة في قطاع الطاقة بين بكين وطهران، والتي بلغت نحو مئة وعشرين مليار دولار، إذ باتت الصين الرابح الأول من الأزمة النووية الإيرانية حتى الآن( ).

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]