د.عزة عبد القادر : هنيئا فلسطين !!!

بقلم -- د.عزة عبد القادر يظن بعض المصريين والعرب على غير الحقيقة أن الفلسطينين كانوا السبب الرئيسي وراء الإحتلال الإسرائيلي لأنهم تنازلزا عن أرضهم بالتراضي ، والأغرب من ذلك إنه عندما تتوجه لأحدهم بالسؤال ، هل رأيت الفلسطينيون بعينك وهم يبيعون الأراضي ، يرد بطريقة فهلوية معتادة جدا ممن هم على تلك الشاكلة ويقول: هم خونة ودي حاجة معروفة للكل ، إذن لا يمتلك هؤلاء المدعين مستند رسمي ولا صورة وثائقية تثبت صحة كلامهم ولا يوجد حتى صور فوتوغرافية تدعم ما يرددون من أكاذيب . والحق ان جزء من هؤلاء المصريين والعرب معذورون ، فقد تم غسل أدمغتهم من بعض النخب الثقافية الكاذبة التي تم تجنيدها أمنياً لتزييف تاريخ فلسطين، والسؤال الذي يدور في خلدنا الآن ، ما هو السبب الحقيقي الذي دفع بعض عناصر الأمن المصري والعربي في غفلة من الضمير يتلاعبون بالعقول لتشويه صورة الأشقاء الفلسطينين ؟ أولاً: الموساد الإسرائيلي استطاع أن يزرع أبناؤه داخل المؤسسة الأمنية في مصر والدول العربية . ثانياً: خوف بعض العناصر بأجهزة الأمن المصرية والعربية نتيجة ضعف الإيمان بالله وعدم الثقة في القدرة على النصر أمام العدو الصهيوني ، حيث آمن بعضهم بأن إسرائيل محصنة لا تقهر ، فإن الولايات المتحدة القوة العظمى تساندهم وتحميهم ، فما لنا بهم من قوة . رابعاً: الخوف بصفة عامة من مبدأ الجهاد ويرجع ذلك إلى عجز كثير من علماء الدين بمصر والدول العربية بسبب رهبتهم من بطش نظم الحكم . لكل ما سبق تقاعس المصريين والعرب عن مساندة أشقائهم بدولة فلسطين ولم تكتفي المؤسسات الأمنية بذلك بل عملت على مدى سنوات طويلة على تشويه صورة المواطن الفلسطيني بإتهامه بأنه باع الأرض والعرض ، فهو من فرط في وطنه، وقد أخذ بعض المصريين والعرب هذا الخطاب محمل الجد ليتحججوا بالهروب من محاربة إسرائيل ، بل واعتقد الكثيرين أن السلام مع إسرائيل هو الخيار الأخير والأوحد وأن الدبلوماسية والتهدئة السياسية هي الأفضل على الرغم أن إسرائيل هي الكيان الأضعف إستراتيجيا ، فقد كانت تستعمر جزءاً صغيراً من دولة عربية واحدة ألا وهي فلسطين والدول العربية باتساع مساحتها وكثرة عدد سكانها تحيط بها من كل جانب ، فكيف يمكن لكيان صغير محتل أن يهزم مجموعة من الدول العربية الكبيرة حتى ولو كان تلك الكيان مدعوما بأقوى قطبين فيما مضى " الإتحاد السوفيتي وبريطانيا" والآن أصبحت الولايات المتحدة الداعم الرئيسي ، الطبيعي أن الدول الأقرب جغرافيا هي التي تستطيع حسم المعركة لصالحها بأقل التكاليف ، وإذا افترضنا وهذا وارد بنسبة 90% أن الهجوم العربي على إسرائيل سيعرض الدول العربية لعدوان غربي كاسح فهذا رغم شدة خطورته بشكل ظاهري إلا انه من خلال التفكير الاستراتيجي والمتعمق يمثل تكلفة أقل بكثير مما أصبح عليه الحال الآن . الفلسطينين كشعب لم يقصروا أبدا تجاه وطنهم وذلك فيما عدا بعض الفئات القليلة من عملاء آل صهيون وتلك الفئات الخائنة لا تخلو منهم أي بلد على مستوى العالم ،حيث يقول دكتور محمد علي الخطيب في وصف المقاومة الفلسطينية "كتاب دروس في المشكلات الدولية المعاصرة" بأنها أصبحت أكثر استثارة بعدعمليات انتقال الأراضي إلى أيدي الصهاينة خصوصاً أراضي الدولة "التي يمتلكها النظام الإنجليزي آنذاك " ، وفي هذا الوقت أخذت حكومة الإنتداب ترهق الفلاحين الفلسطينين بزيادة الضرائب حتى يضطروا لبيع أراضيهم ، وتم منح امتيازات بعض مرافق البنية الأساسية والإقتصاد لليهود حيث منحوا امتياز توليد الكهرباء عام 1921 لمدة سبعين عاماً ليهودي روسي ، لكن الأكثر من ذلك أن الإمتياز شمل الإستفادة من أنهار الأردن واليرموك والعوجة وبحيرة طبرية ، وقد قضي الإمتياز بألا يسمح لغير صاحبه بتنوير أب بلد في فلسطين أو استعمال محركات كهربية إلا بإذنه ، وذلك فيما عدا مدينة القدس الذي منح امتياز استخراج أملاح البحر الميت ومعادنه في عام 1939 لليهود لمدة 75 عام وأعطيت لهم مئات الأفدنة من أراضي الدولة لحساب المشروع ، وقد أصدرت القوانين لحماية الصناعات الصهيونية وضرب الصناعات العربية ، ولقد بذل الفلسطينين كل أصناف المقاومة للإغتصاب الصهيوني الغاشم ولكن المؤامرة البريطانية- الإسرائيلية كانت مدمرة، فقد أخذ الفلسطينيون يقاومون الإستيطان والهجرة الصهيونية بكل الوسائل من إضراب وعصيان مدني وتأسيس صندوق للتبرعات والاشتراكات لشراء الأراضي من المتعسرين من الفلسطينين ، بل وصل الأمر لحد إصدار فتاوى دينية تحرم بيع الأراضي للصهاينة ودفن سماسرة الأرض الفلسطينين في المقابر ،وقد كان الرد عنيفاً من اسرائيل حيث استخدموا الإرهاب بشتى انواعه وذلك بالتسلح بأحدث أنواع الأسلحة والمدرعات في أعقاب ثورة البراق عام 1929. وفي النهاية وبعد صراعات طويلة لا يتسع الوقت لسردها تفصيلا تأسست دولة إسرائيل عام 1947 في حضور لجنة تحقيقية بالأمم المتحدة وتم تقسيم فلسطين ، وفي عام 1948 انتهى الإنتداب الإنجليزي على فلسطين وتحركت الجيوش العربية لدخول فلسطين ولكنهم هزموا نتيجة لقلة العدد والعدة بل وفساد العتاد الحربي وتشتتهم من جهة أخرى وعدم وجود قيادة مشتركة . وانتهى الأمر بقبول الدول العربية كافة في عام 1949 باتفاق الهدنة مع اسرائيل ، وقد بدأت مصر بعقد تلك الإتفاقات ثم تلتها لبنان ، فالأردن ، فسوريا ، وهكذا باعت الدول العربية القضية الفلسطينية رغم ما يمتلكون من أموال وأراضي شاسعة وبترول ومعادن ، وعقب كل تلك الخزي والعار فإنهم يوجهون اللوم للشعب الفلسطيني ويحملونه ما جنته أيديهم من التخاذل والجبن والإجرام ، فقد هربت الدول العربية جميعها من الجهاد ولم يبقى إلا الشعب الفلسطيني وحده يجاهد في سبيل الله ، هنيئاً لفلسطين.