أزمة وطن!
19 ديسمبر، 2016
عبد الكريم البليخ
يُشبه حال السفارات الغربية في الدول العربية حال محطَّات البنزين في سورية، وهي تكتظ بالناس والسيارات، أيام شح المحروقات. طوابير طويلة من المراجعين، تصطّف أمام السفارات من الفجر وحتى ساعة الإغلاق، طلبًا لسمة الدخول (فيزا). كلٌ يطلب “فيزا” للهروب من الوطن!
بات العربُ، والسوريون في طليعتهم، يبحثون -اليوم- عن جنسيات جديدة، وجوازات سفر جديدة، يستبدلون بها القديم، خوفًا من أن يُصبح القديم مثل جواز السفر الروسي بعد سقوط القياصرة.
هذا يريد أن يصبح أميركيًا، والثاني بريطانيًا، كنديًا، ألمانيًا… وحتى برتغاليًا، وفرحة الحصول على جنسية جديدة تعني حياة، مستقبلًا، وآفاقًا جديدة. هكذا وصلنا مع الوطن، أو هكذا أوصلنا الوطن!
الفرحة تكاد تُنسي الناس ماذا تعني الغربة إذا طالت، وماذا يعني أن تكون بلا وطن، حتى لو امتلأت حقائبك بكل جوازات سفر العالم.
بعيدًا عن السخرية المثيرة للدمع، فإنَّ ما يحدث هو أكبر من حجم الكارثة، والغريب إننا نعتبرها شيئًا طبيعيًا، ولكنها إذا استمرت قد نفقد كل آمال وأحلام المستقبل، مع فقدان الذي يصنع المستقبل. الأطفال.
أطفال الغربة لا يعرفون العربية، بعضهم يُتقن الهولندية، والآخر الفرنسية، والثالث الألمانية، والرابع السويدية، وهكذا دواليك.. ولكن أحدًا منهم لا يعرفُ العربية!
يُسمونهم الجيل الثاني، أو الثالث، أو حتى الرابع، وهؤلاء، في خلال أعوام، سيحاربون مع جيوش البلدان التي اكتسبوا جنسيتها، ولا يعرفون عن الوطن إلا ما يسمعونه عرضًا من آبائهم وأمهاتهم، وهكذا تضيع الأوطان، في زمن الانهيار والهجرة القسرية!
يُعاني المواطن العربي من الوقوف مُطولاً أمام هذه الدكاكين، التي لا تمنح تأشيرتها بدون اشتراطات مُسبقة، وما يدفعه إلى ذلك سلسلة من خيبات الأمل في العيش الكريم والأمن داخل بلده.
دفع البحث عن الكرامة والأمان، المواطن العربي لبذل كل ما يدّخر من جهد، وما يكتنز من مال، للابتعاد عن الوطن! مكرهٌ أخاك لا بطل، في التوجه إلى أي مكان في هذا الكون للعيش بأمان.
تستحق دول الاتحاد الأوروبي الإشارة إليها باحترام شديد، على التسهيلات التي تقدمها للمواطن السوري والعربي، الهارب من جحيم بلاده، فقد قدّمت له خدمات جليلة عجز ويعجز البلد الأم عن تقديمها، في الوقت الذي قامت فيه الدول العربية والإسلامية بإغلاق حدودها أمام الفارين من الموت. وشكر الدول الأوروبية لاستضافتها اللاجئين لا يؤثر في جوهر ما ذكرناه عن مثالب ومساوئ اللجوء المستقبلية على البلدان الطاردة لأبنائها.
في المقابل، تحتضن تركيا الدولة العلمانية – الإسلامية المحافظة، وبكل حب واحترام نحو ثلاثة ملايين لاجئ سوري، تُقدم لهم المساعدات والخدمات، ووصل بها الحال إلى تجنيس بعضهم.
المساهمات “الأجنبية” كبيرة، والمساعدات أكبر من كل تصور، فيما تقف “بلاد العرب أوطاني”، متفرجة حيال معاناة السوري!
إنَّ العروبة التي يدّعيها بعضهم تجاه السوري، مجرد وهم، إذ تكتفي رموز “العروبة” بالوقوف أمام الكاميرات، تُنادي وتصرخ بالعروبة، وهي منهم براء. بعض العروبيين يعدون السوري، الذي حُرم من أبسط مقوّمات الحياة الآدمية، رمزًا للشر.
[sociallocker] [/sociallocker]