“مكتبة رؤيا” أول مكتبة في الغوطة الشرقية بجهود شبابية


إذا كانت التكنولوجيا ساهمت في اندثار نشاطات طفولية معينة، فإن الحرب التي شنها النظام لإخماد الثورة تركت آثاراً سلبت الأطفال أبسط حقوقهم ومماسراتهم اليومية من تعليم ومطالعة ورسم وألعاب وسواها. وفي ذلك تشكل غوطة دمشق الشرقية المحاصرة نموذجاً لما عانته من قصف وحصار.

حلم كبير

لكن الظروف الصعبة لم تُثنِ الهمم الشبابية في الغوطة فكان افتتاح أول مكتبة في الغوطة الشرقية تحت مسمى (مكتبة رؤيا) بتاريخ 13 تشرين الثاني الماضي من قبل فريق “نور لكسر الحصار”.

وتتضمن المكتبة نشاطات ترفيهية وتعليمية للأطفال ولجميع الفئات العمرية بأيام مخصصة وساعات محددة، وتركز على مطالعة القصص وكيفية سردها على لسان بعض الأطفال الذين أظهروا مواهب متعددة أثناء إلقائها بلهجات وإيحاءات جسدية مختلفة، وفق ما ذكرت “بتول العمريط” إحدى المدرسات بمكتبة “رؤيا”.

 

 

أصل الفكرة والاسم

“أسوان نهار” مؤسسة فريق (نور لكسر الحصار) تحدثت لـ “صدى الشام” عن فكرة المكتبة على اعتبارها جزء من المشاريع التي نفذها الفريق في الغوطة الشرقية، وقالت: “رؤيا” هي فتاة بعمر الورود؛ 13 عاماً تقيم حاليًا في إستنبول أرادت أن توصل شغفها بالمطالعة بطريقة مفيدة إلى أطفال بلدها في الداخل السوري، فالتقت مع أصدقائها وجمعت مبلغًا ماليًا اقترضوه من مصروفهم اليومي وأرسلوه مع مجمل الكتب التي انتهت رؤيا من مطالعتها إلى الغوطة الشرقية عن طريق الانترنت تارة وبالاستعانة بما هو موجود داخلها تارة أخرى، في محاولة منها لملء وقتهم بالقراءة بعيدًا عن دوي المدافع وأصوات الطائرات، وبهذا كانت ” مكتبة رؤيا” اسم على مسمى فقد انبثقت من  فكرة صاحبتها الصغيرة في العمر والكبيرة في الرؤية المستقبلية.

نشاطات متنوعة

 وأشارت “أسوان” إلى أن هدفهم هو العمل على زيادة الوعي عن طريق القراءة، لافتة إلى أن المكتبة مقسمة إلى فترتين صباحًا للأطفال ومساءًا للشباب يشاهدون خلالها فيلم ثقافي يليه مناقشته ومحاضرة عن موضوع معين يلقيه أحد المثقفين، بالإضافة إلى أن المكتبة توفر إمكانية قراءة الكتب واستعارتها مجانًا بشكل دائم رغم أنها تأسست بجهود فردية ولا تتلقى المساعدة من أي جمعية أو منظمة.

 

 

أساليب متباينة اتبعها العاملون في المكتبة للوصول لعقول الأطفال، والعمل على انسجامهم من جديد في بيئة ثقافية يجدون بها ملاذ بريئًا يلجؤون إليه خارج أجواء الحرب.

وتوضح “بتول العمريط” لـ صدى الشام أن من بين الوسائل التي تستخدمها مع الأطفال “لعبة البزل” وهي إحدى النشاطات الهادفة إلى تشغيل العقل وحب المبارزة والمنافسة فيما بينهم للوصول للمركز الأول في المسابقة المطروحة كي يركبوا صورة بقطع أحجامها كبيرة وصغيرة تناسب فئاتهم العمرية، “وهناك أيضًا نشاط التلوين والرسم، إلى جانب حصة اللغة عبر سماع أغاني طفولية يتخللها كلمات إنكليزية أترجمها لهم فيسهل عليهم حفظها ويتراكم لديهم مخزون لغوي في كل مرة يسمعون بها أناشيد تمزج بين اللغتين العربية والإنكليزية، وقد لاحظت إقبال رائع في هذا المجال”.

فائدة ومتعة

مكتبة رؤيا في الغوطة الشرقية جاءت جزءاً من سلسة جهود مماثلة في عدة مناطق داخل الشمال السوري المحرر، وقد تعدت حدودها المخيمات في دول الجوار كي تعم الفائدة على فئات وشرائح مجتمعية مهتمة بالمطالعة.

تقول “رؤيا” :”عشقي للمطالعة ومحبتي لها دفعني قبل مكتبة الغوطة الشرقية لإرسال كتب بمساعدة مادية من أمي وصديقاتها وأطفالهن إلى مناطق شمال محافظة إدلب في الداخل السوري، وأخرى خارجها بالمخيمات (الزعتري، الريحانية) لأنهم كما يحق لنا الاطلاع والمعرفة والمطالعة يحق لهم ذلك وحتمًا يوجد الكثير منهم هواة لها مثلي”.

وهذا ما أكدته بالفعل “أم محمد” إحدى أمهات الأطفال الذين يزورون مكتبة رؤيا، و أوضحت أن طِفلها ينهي دوامه المدرسي ثم يذهب للمكتبة بحماس وحب للكتاب جعله يطلب من آنسته فيها تمديد وقت المطالعة لقراءة أكثر من قصة، وحتى رفاقه أضحوا يحصرون أفكارهم ويحاولون كتابة قصصًا واقعية”.

برامج، مراكز، محاضرات جميعها نفذها فريق “نور لكسر الحصار في الغوطة الشرقية” وهي  مشاريع سبّاقة من نوعها لذلك فقد عمت فائدتها بشكل واضح بعد أن استهدفت معظم الفئات ضمن مشاريعها التنموية والاغاثية ودوراتها التعليمية والتثقيفية، لكنها لم تَسلم من طائرات نظام الأسد فاستهدفت مراكزها أكثر من مرة لتعود وتنهض من جديد وبقوة أكبر من قبل.

 



صدى الشام