“الخردة” الروسية وخيار الحل السياسي


إذا ما خطوتَ نحو السلام فعليك الاستعداد للحرب. السلام يحتاج لقوة تحميه وحسن النوايا لا ينتج سلاماً. تلك مقولات يعلمها كل الباحثين عن حل سياسي في القضايا الشائكة وقضايا التناحر والحروب. وروسيا اليوم وبعد أن انغمست حتى أذنيها بالرمال السورية تقول أنها تدعوا لحلول سياسية تٌنهي المأساة الرابضة فوق صدور السوريين، فهل امتلكت روسيا مقومات وأدوات صنع السلام؟ وهل تملك موسكو مفاتيح القرار والحل؟

لقد احتاج الطرّاد وحامل الطائرات الأوحد لدى روسيا لثلاث عمليات إنقاذ وإنعاش كي يصل للسواحل السورية؛ الأولى في القناة الإنكليزية بعد عطل في غرفة المحركات وتصاعد الدخان، والثانية بعد تعطله قرب جزيرة “كريت” استدعت قطره للجزيرة ومحاولة الإصلاح، والثالثة أتت لحفظ ماء الوجه بعد (شحطه) قطراً لمقابل ساحل اللاذقية عقب تعطل شبه كامل لمحركاته، ولم يقف هذا العجوز الهرم عند تلك الحوادث فقط بل تعداها لتحطم طائرة على سطحه وهي بحالة الهبوط حيث تابعت طريقها نحو مياه البحر، ثم لحقت بها طائرة ميغ 29 بعد أسبوع وتحطمت قبل وصولها للحامل. الأمر الذي استدعى شبه تمرد ورفض من الطيارين للإقلاع بطائراتهم عن ظهر الطراد وهذا ما استدعى تدخل وزارة الدفاع الروسية ونقل 9 طائرات سو-34 وميغ29 إلى قاعدة “حميميم” مع الطيارين وإيقاف الطراد عن العمل مؤقتاً.

 

 

الطائرات والحوامات التي كانت تقلع من قاعدة “حميميم” لم تكن بأفضل حال من طرادهم (العرمرم) بعد تعرض قسم من تلك الطائرات للإسقاط على يد فصائل المعارضة السورية وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في عدة مناطق في سورية، وعندما حاول الروس التنويع بأماكن التمركز ونقل بعض الحوامات والطائرات إلى قواعد جوية سورية أخرى بعد أن استباحوا الأراضي السورية وأصبحت خطواتهم تتصف بتصرفات محتل وليس حليف، لم تسلم تلك الأعتدة الروسية من نيران تنظيم الدولة الذي كانت له الحظوة بإحراق عدة حوامات في قاعدة “التي فور” على أرض المطار ومنها ما أٌسقطت في سمائه ملحقة خسائر فادحة بالقوى الجوية الروسية.

وعندما تسقط طائرة الـ”تو-154″ بعد إقلاعها من قاعدة عسكرية روسية وتتحطم في مياه البحر وعلى متنها 94 روسي وتتكتم موسكو عن أسماء 9 ضباط كانت تحميهم فبالتأكيد هناك سر!

وعندما تتصادم بنفس اليوم طائرتا ميغ29 في قاعدة “حميميم” وطائرتان أيضاً من نوع سوخوي في قاعدة “شيريميتيفو”، فروسيا أمام كارثة.

وعندما تطلق السفن الروسية عدة صواريخ باليستية من نوع “كاليبر” فتنحرف أربعة منها لتسقط في “إيران” والبقية تضيع بالصحراء السورية، فنحن أمام مسرحية هزلية يٌقال عنها أسلحة دقة عالية روسية.

وعندما تنفجر السفينة الفضائية “بروغريس” الحاملة لمواد لوجيستية للمحطة الفضائية، ويضيع القمر الصناعي الروسي”اكسبريس امي” ومن قبله عام 2011 يضيع قمران أيضاً هما “فوبوس غرونت” والقمر “ميريديان”، فروسيا أمام حرج كبير!

وبالشأن الداخلي عندما يٌقتل خمسة ضباط مخابرات رفيعو المستوى بتاريخ 24-12-2016 تحت عنوان حادث مجهول، وقبلها بيوم واحد يموت 71 مواطن روسي بحالة تسمم غامضة، ثم تخرج أنباء عن وجود 400 مليون دولار على متن الطائرة تو-154 التي سقطت أمس الأول، وتتسرب أخبار أن الطائرة تم إسقاطها من قبل المخابرات الروسية (في يوم عيدهم) بعد سرقة الـ400 مليون دولار، فهذا الأمر يفسر تغيير موقع إقلاع الطائرة من قاعدة “موزدوك” إلى مطار “أدلير” في  “سوتشي” لأن المقصود كان أن تسقط الطائرة في البحر وتضيع الجريمة على اعتبار أن قاعدة “موزدوك” هي في منطقة جبلية وبعيدة عن البحر، ووجود الأموال هو ما يٌفسر أيضاً وجود رئيس جهاز الشرطة العسكرية الروسية على متن الطائرة.

 

 

انسلاخ “أوكرايينا”  كان أحد العوامل التي حجّمت الصناعات الروسية فجُلّ مصانع محركات الطائرات كانت تحويها أوكرايينا، وإذا ما أضفنا كل المعامل الـ53 الثقيلة (منها 13 مصنع حربي) التي أفلست وأغلقها “بوتين” نجد أن هناك الكثير من الأسباب لهذا الترهل وهذا التخبط الذي تعاني منه طائرات وأعتدة وسلاح “بوتين”.

ما تم ذكره هو غيض من فيض حول التفكك والضعف الذي يعاني منه التصنيع الحربي ومراكز تطوير السلاح الروسي بعد قدوم “الفوهرر بوتين” لسدة السلطة، وأمام هذا الواقع وجدنا أن كل القصف الذي قامت به طائرات “بوتين” كان يستهدف المدنيين والتجمعات البشرية بعيداً عن أي قدرة على استهداف وإصابة فصائل الثورة السورية. ورغم ما جاء في تقرير وزير الدفاع الروسي “شويغو” الأخير وقوله فيه: نفذنا 71 ألف طلعة جوية فوق سوريا. قتلنا خلالها 35 ألف “إرهابي”، ودمرنا 725 معسكر و405 مركز لتصنيع الذخيرة و1500 قطعة سلح.

لكن ما لم يقُله المجرم وزير الدفاع الروسي للمجرم الأكبر “بوتين” أنه من خلال 71 ألف طلعة جوية لطيران الاحتلال الروسي فوق حلب وريفها وفي ريف حماه وريف حمص وفوق جبلي الأكراد والتركمان وفوق الغوطة الشرقية وبسلاح “غبي” من مخلفات الاتحاد السوفيتي تم قتل 35 ألف طفل وامرأة وشيخ، وتدمير 725 حي وسوق شعبي، وتم نسف 405 مشفى جراحي ونقطة طبية ومشفى ميداني، وتم تدمير 1500 مدرسة ومسجد ومستودع إغاثة وفرن.

طيران وسلاح “بوتين” الذي استطاع القيام بكل تلك المجازر والجرائم بحق الشعب السوري الحر كان عاجزاً ومكبلاً ومُهاناً أمام ميليشيات “قاسم سليماني” التي عرقلت له اتفاق إخراج المدنيين ومرغت أنفه ووعوده بالتراب. وبعد أن قال “بوتين” أنه سيرسل ضباطاً روس وعناصر لحماية قوافل المدنيين خرج أحد الأذرع الإيرانية في العراق (حركة النجباء) لتوقف تنفيذ الاتفاق، ثم يخرج “بوتين” ليعلن عن تهديده بقصف أي جهة تعرقل تنفيذ الاتفاق وبرسالة واضحة لحلفائه على الأرض، فتمتد الذراع الإيرانية في لبنان (حزب الله) لتخطف وتقتل وتجرح عدد من المدنيين وتعيد القافلة سيراً على الأقدام لداخل أحياء حلب المحاصرة في تحدٍّ واضح لتهديدات “بوتين” الذي لاذ بالصمت فاتحاً الطريق لتتقدم إيران وتفرض شروطها على الحل، وبرسالة واضحة  كانت من الجنرال “قاسم سليماني” موجهة لـ”بوتين” تقول: لا حل في سورية يمكن أن يٌبصر النور ما لم يَعبُر من “طهران”.

 

 

هذا “البوتين” اليوم وبضعفه السياسي والعسكري يدعو الآن لوقف إطلاق نار شامل في كامل أراضي وجبهات سورية، ويدعو لمؤتمر تفاوضي سوري-سوري في “الآستانة” من أجل إيجاد حل سياسي دائم في سورية. لكن أمام الواقع العسكري الذي أفرزته معارك “حلب” وأمام الضعف الروسي الذي أفرزه الاتفاق الأخير وعدم قدرة الروس على فرض أي حل لا يٌرضي ولا يٌقنع إيران، فمن حقنا التساؤل أي حل يٌنتظر أن يخرج به مؤتمر “الآستانة؟

بعيداً عن النواقص التي يتمتع بها هذا المؤتمر من خلوه من أي مظلة دولية-أممية، وغياب مبادئ جنيف1، وابتعاده عن ذكر عبارة الانتقال السياسي كأساس للتفاوض والحل، وابتعاده عن ذكر أو التطرق لمصير مجرم سورية “بشار الأسد”. وأمام حقيقة تقول أن الروس والإيرانيين هم أعداء الشعب السوري والثورة وليسوا أطرافاً حياديين. بالتالي نكون أمام توقع لن يغادره الحل المزمع الخروج به من هذا المؤتمر “المشبوه” وهو تشكيل حكومة وحدة وطنية يرأسها “الأسد” وتٌمنح من خلالها بعض الفتات من حقائب وزارية لمن يقدمونهم على أنهم معارضة أمثال منصة موسكو ومنصة حميميم ومنصة القاهرة وبعض المهرولين والباحثين عن “خازوق” يتشاركون به السلطة مع الأسد.

 

 

تلك النتائج وبعين بصيرة تقول أنها ليست حلاً وليست وقفاً لإطلاق النار بل هي تأجيج الصراع والفتنة وترحيل القضية السورية لسنوات من الاقتتال ومزيد من الدمار ومن الدم السوري المراق.

استعجال الحل من قبل “بوتين” و”إيران” و(سلقه) قبل وصول “الرئيس ترامب” للبيت الأبيض لن يجدي نفعاً، ويعطي صورة واضحة أن تلك الدول تحاول استغلال اختلال موازين القوى الآنية وبناء اتفاق بما يتناسب مع الوضع الجديد تحسباً لأي تغيرات في المواقف الدولية الحالية التي استدارت عن قضية الشعب السوري وتركته وحيداً في مواجهة كل القتلة من موسكو وطهران والضاحية الجنوبية وعصابات القرداحة.

لكن القراءة المتأنية تقول: أن موسكو استشعرت مدى الورطة التي وقعت فيها وأنها وبدل أن تسحب البساط من تحت أقدام الإيرانيين في سورية أصبحت تعمل كمرتزقة تحت راية “قاسم سليماني”، وأن شحن “بشار الأسد” إلى موسكو ومن ثم إهانته في قاعدة “حميميم” بعد استدعائه من قبل وزير الدفاع الروسي “شويغو” لم تغير من واقع الأمر ولم تستطع أن تخلعه من الحضن الإيراني وبالتالي فالقيادة الروسية مدعوة لإعادة ترتيب أوراقها وأولوياتها وبناء إستراتيجيتها لأفق مستقبلي وليس على منافع لحظية، أي أن موسكو مدعوة لاستدارة وانعطافة ضرورية لا تحتمل التسويف ولا التأخير؛ استدارة تكشف فيها إجرام ومجازر الميليشيات الطائفية الإيرانية وتوابعها وتعرية عصابة الأسد ووضع النقاط على الحروف والعودة لعلاقتها التاريخية مع الشعب السوري وإلا فهي غارقة في وحل لن تخرج منه بسنوات ولن تقطف منه غير الويلات.



صدى الشام