لا حصانة دائمة لإسرائيل
2 يناير، 2017
إن هجوم بنيامين نتنياهو على السفراء والدول، إلى درجة إلغاء لقاء مع رئيس حكومة بريطانيا، والتهديد بالعقوبات الاقتصادية، يؤكد على أن قرار مجلس الامن قد اصاب وترا حساسا. وقد يكون سبب ذلك هو أن القرار 2334 قد غرس دبوس في العالم الوهمي الآخذ في الانتفاخ لدى اليمين في إسرائيل، حيث إن نتنياهو على قناعة بأنه يوفر المظلة الشرعية لقدرته اللانهائية على المناورة أمام العالم كله.
إن القول الواضح لـ 14 دولة في العالم، التي لا تقرأ الواقع مثلما يكتبه اليمين، هو بالطبع «وقاحة لا يمكن وصفها». وعندما تتم كتابة ذلك بالأبيض والأسود كقرار رسمي فهو يتحول إلى حقيقة أكثر وقاحة في داخل «الحقائق» الوهمية التي يجب اختراعها كل يوم من جديد.
هناك رسالة اخرى تظهر في القرار وتغضب اليمين وهي أن الكتل الاستيطانية وحائط المبكى (البراق) ليست في جيب أي أحد. الحلول الوسط التي تمت في المفاوضات أو بالضم، هي فقط حلول وسط لا تحول الاراضي المحتلة إلى اراضي غير محتلة. والضوء الاحمر الحقيقي الذي أرسله قرار الأمم المتحدة هو أن افشال المفاوضات من جانب إسرائيل ورهنه باعتراف الفلسطينيين بدولة إسرائيل كدولة يهودية، يهدد كل ما تم تحقيقه إلى الآن.
الفلسطينيون لن يكتفوا دائما بما كانوا مستعدين للاكتفاء به حتى الآن. فكلما مر الوقت كلما ابتعد الحل. والآن يوجد لهم مرجعية دولية قانونية تُذكر بما هو مفروغ منه من الناحية الاخلاقية: أن السيطرة على الاراضي والبناء في المناطق المحتلة، امور غير قانونية. وبلحظة واحدة اصبحت المستوطنات، في الوعي على الأقل، أقل من حقائق مفروغ منها.
منذ سنوات واليمين يختص بالبناء وفي خلق واقع وهمي وكاذب لإسرائيل كبيرة وقوية عادت إلى اجزاء من الوطن الضائع وقامت بتحريرها. ومنذ ذلك الحين، لأسباب غير معروفة، خصوصا لاسامية، تضطر إلى الدفاع عن حقها الطبيعي على الاماكن المقدسة والاراضي المقدسة. في هذا «الهدف» لا يوجد سكان مستعبدون ولا حقوق لهم. واذا كان هناك سكان فهم مقيمون يرفضون التسليم بحق اليهود على بيوتهم واراضيهم، أو أنهم ينكرون الجميل، حيث إنه رغم «التقدم» الذي تستطيع إسرائيل فقط أن تقدمه لهم، ما زالوا يطالبون بالحرية وبالاستقلال القومي.
إن قرار الأمم المتحدة الذي يعترف بحق وجود إسرائيل في حدودها السيادية يذكرنا بأن قول اليمين بأنه لا يوجد خيار، وكأن استعباد شعب آخر والاخلال بحقوق الانسان، هما حاجة وجودية لإسرائيل، يمكن أن يضعها في نفس المكان مع النظام الابيض في جنوب افريقيا في حينه ـ الذي كان وجوده خلافا لوجود إسرائيل، مشروطا بسحب حقوق الانتخاب من الاغلبية السوداء. لذلك لم يكن له حق في الوجود، وانهار في نهاية المطاف. بهذا المعنى، ايديولوجيا اليمين التي تشترط الوجود الآمن باحتلال شعب آخر، تسحب الارض من تحت حق وجود إسرائيل.
إن طبيعة الواقع الوهمي بأنه لا يحمل اشارات الحقيقة في السلوك اليومي – الإرهاب، صرخة الضحايا، هدم البيوت، سلب الاراضي واعمال اخرى تهدد بضعضعة مصداقية هذا الوجود. والطريق الوحيدة لمواجهة هذه المشكلة هي الإنكار والرفض. وهكذا هو ايضا قرار الأمم المتحدة الذي يعتبر سرقة الاراضي سرقة. وأنها تخالف القانون الدولي. وبالتالي هذا القرار هو قرار «مشوه ومخجل»، كما قال نتنياهو. إلا أن اقواله تدوي في هذه المرة في الداخل فقط.
كلما حظي الواقع الوهمي بالشرعية وتبنته اجزاء واسعة من الشعب، كلما اصبح حقيقيا اكثر.
ولأن قرار الأمم المتحدة يعترف بالخط الاخضر تقل فعالية الادعاء الأبدي بأن تل ابيب ويافا ايضا هي مستوطنات. ولكن يتبين أنه حسب رأي متحدثي اليمين لا يوجد أكثر عبثية من الادعاء بأنه في 7 حزيران 1967 الساعة الحادية عشرة صباحا احتل جنود كتيبة القدس حائط المبكى (البراق) الغربي، الذي تعتبره الأمم المتحدة منطقة احتلت في حرب الايام الستة وضُمت بشكل لا يترك أي مجال للمفاوضات العادلة حول مكانة الأماكن المقدسة للشعبين في الاتفاق المستقبلي. إن قرار الأمم المتحدة هو مثابة ضوء احمر بأنه ليس هناك حصانة دائمة. وهو يعكس نجاح دبلوماسية محمود عباس. ومن شاهد لغة جسد نتنياهو عندما هاجم الرئيس براك اوباما في الأمم المتحدة، لم تفته ملاحظة الهزيمة الشخصية. لعبة داود وجوليات أمام الادارة الأمريكية كان يمكنها أن تستمر حسب قوانين القصة رغم التحرش اللانهائي لداود.
لكن اوباما اختار كما يبدو في نهاية ولايته، وفي ظل غياب الأفق الدبلوماسي، أن يقول الكلمة الاخيرة، وقد أبقى على الأقل ارثا واضحا لادارته فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني. واذا قرر دونالد ترامب، خلافا للتوقعات، أن يطبق التصريحات التي أطلقها عن السلام في المنطقة، فقد يجد نتنياهو منافسا عقلانيا يستخدم القوة والاكاذيب. إن اتحاد ترامب وبوتين قد يكون أمرا أكثر أهمية.
عيدا أوشبيز
هآرتس 29/12/2016
[/sociallocker]