قانون “التجارة شطارة” في حقيبة اللجوء
3 يناير، 2017
صفاء مهنا
نتفاخر – نحن العرب- بما نحمله من أخلاق طيبة وسمات، نظن أن القدر خصّنا بها دون سوانا، بل نذهب أبعد من ذلك، ونتباهى بأن الله اصطفانا من بين كل الأمم؛ لينزل الكتب السماوية، وينشر الأديان في بلادنا، لتحمل مكارم الأخلاق إلى العالمين، ونستشهد كثيرًا بالتاريخ الذي مرّ بقرونه الوسطى على بلاد الفرنجة وكانت تعاني التدهور والانحطاط، فيما كانت فترة انتعاش وازدهار لدى العرب.
لكن بمراجعة بسيطة للذات، والذات هنا ليست شخصية إنما تُعبّر عن الأمة العربية بأكملها، سيكون السؤال الملحّ والمؤرق لدى كل فرد فينا، أين أصبحنا من كل ذلك، وهل فعلًا نحن أفضل الأمم بمقاييس الجودة العلمية والتنموية والفكرية، والأهم من ذلك كله بالمقاييس الأخلاقية.
يبدو أننا لم نكن يومًا بتلك المرتبة، وتاريخنا يزخر بالكثير من الحوادث الكيدية فيما بين الأخوة، ويحفل بحياكة المؤامرات، وربما كان مرور الأنبياء في بلادنا عِبرة ودلالة على أنها كانت أكثر حاجة للتقييم ووضعها على الصراط المستقيم.
مستثمرون في اللجوء
بعد قيام الشعب السوري بثورته في آذار/ مارس 2011 التي نادى خلالها بالحرية والكرامة، ودعا فيها للقضاء على الفساد والمفسدين، توسم العديد من السوريين خيرًا بأن عصر النفاق والرشوة وبيع الذمم قد ولّى، بعد سنوات فاقت الخمسين، فرضت عليهم العادات السيئة والممارسات اللاأخلاقية بكل تفاصيل الحياة، حتى بات المرء يشك بأن أخاه لن يتوانى عن القيام بالكسب غير المشروع حتى على حسابه، بل سيعتبر ذلك نصرًا وشطارة لا يضاهيه فيها أحد، حيث تغلغل الفساد في النفوس ولم يبق في مفاصل المجتمع الخارجية فحسب.
هام السوريون على وجوههم في كل أصقاع الأرض، حاملين معهم صورة وطن مدمر ببشره وحجره، في وقت لم يستطع الكثير منهم حمل ورقة ثبوتية واحدة تعرّف عنه وعن سوريّته، فكان صدق ألمه ونكبته الداخلية خير إثبات لهويته. في حين خرج آخرون يحملون المال والكثير من الوسائط التي ستتيح لهم الاستثمار في بلاد أخرى قصدوها بعد أن طالهم شيء من الضيم، وربما لم يلحق بمعظمهم الأذى، إنما لم تعد سورية المكان الملائم لتجارتهم ومشروعاتهم، هؤلاء لم ينسوا أيضًا اصطحاب تلك الأساليب الملتوية التي كانت تساعدهم على القيام بأعمالهم في البلاد، فهذه أصبحت عادات لا يمكنهم التخلي عنها حتى في بلاد سيادة القانون.
حتى في السويد!
في تركيا، نجد معظم السوريين يكدّون ليل نهار كي يتمكنوا من تأمين أسباب الحياة الضرورية لأسرهم وأطفالهم، ويعاني المرء الأمرّين ليؤمن أجرة منزل بسيط، فيما يظهر تجار الأزمات الذين تنطبق عليهم صفة اللجوء نفسها، لكنهم يستطيعون استغلال الآخرين من أبناء بلدهم وإخوانهم في النكبة، فأصبحوا يعملون سماسرة على اللاجئين الآخرين، وكلنا يدري أن تكلفة استئجار منزل في تركيا لم يكن يتعدى مئات قليلة من الليرات التركية، لكن ما إن دخل السوريون في ذلك البازار حتى رفعوها أكثر من ثلاثة أضعاف، وبات استئجار منزل متواضع من أكثر الأمور صعوبة على السوريين، ما دفع ببعض الأتراك إلى أن يحذوا حذو السوريين لتغدو الإيجارات مُرتفعة عامة.
لم تقف الأمور عند من يعمل في هذا المجال، لكن تعدى “كار السمسرة” أولئك، لنجد عددًا ليس بالقليل ممن يسمحون لأنفسهم المساومة على آلام إخوانهم من أجل الحصول على منزل؛ حتى لو اقتضى الأمر أن يدفع مبلغًا أكبر مقابل إخراج سوري آخر منه، ليكون هو الساكن الجديد فيه.
يبقى هذا الأمر في دولة مثل تركيا أمرًا يحتمل كثيرًا من الجدل، مع ما يحمله من عظيم الاستهجان، لكن أن يحمل السوريون ألاعيبهم التجارية وسمسرتهم على المقهورين أمثالهم في دول أوروبا، فتلك هي الغرابة والاستهجان كله.
في السويد، وفي بعض مدنها، يحصل السوري على منزل من “دائرة الهجرة” أو “مكتب العمل” أو إحدى شركات السكن، لكنه أيضًا وجد في ذلك طريقة للتربح، فإن أراد أن يتركه لينتقل إلى منزل آخر، يطلب مبلغًا من المال من الساكن الجديد، ما يسمى في ديارنا “فروغ” أو “خلو رجل”، دون علم الجهة المسؤولة عن المنزل، وفي بعض الأحيان تكون شخصًا ما وليس جهة، ومع ازدياد أعداد اللاجئين وصعوبة الحصول على منازل جيدة عن طريق دائرة الهجرة، ولأن الساكن الجديد لا خيار له إلا القبول، يضطر للدفع، حتى باتت هذه الحالة سائدة في المنطقة، ومن المؤكد أنها حالة غير قانونية يعاقب عليها فاعلها بالطرد والترحيل- إن ثبتت الواقعة بالدليل والبرهان- وهذا ما يصعب الحصول عليه.
تراوح قيمة “الفروغ” هذه من عشرة آلاف كرونة إلى خمسين ألفًا، بحسب مساحة المنزل، فضلًا عن أن “كار السمسرة” دخل حتى إلى شركات السكن عن طريق الموظفين العرب فيها، ويبقى ذلك في إطار العمل بما يسمى “الأسود”، دون علم الشركة المعنية. ودفع ذلك التلفزيون السويدي منذ أشهر لعرض تقرير عن هذه الحالة، ووجهت الشرطة السويدية دعوات للإبلاغ عن حالات الاستغلال التي يتعرضون لها.
ربما لم يكن للسوري السبق في تسجيل براءة هذا الفعل، فقد كان رائجًا من الأشقاء العرب شركاؤنا في الفساد -نحن أمة مكارم الأخلاق- قبل اللجوء السوري الأخير، لكن المؤسف أننا نحن من خرج من قمقم الاستبداد والقهر والفساد، ننشد حياة كبّلت مفاصلها الرشوة، وظلت رهينة المحسوبيات عقودًا من الزمن، ونحن من نفاخر بأصالة التاريخ والعمق فيه، ظننا أننا خلعنا عن كاهلنا تلك العباءة المزيفة التي لبستها سورية مكرهة في العقود الماضية، يبدو أننا سنحتاج لنبرأ من الخدوش التي خلفتها خيوطها في أجسادنا عقودًا، الخوف أن تطول كعمر سابقتها.
[sociallocker] [/sociallocker]