مُغمِض العينين، لا أعمى


إبراهيم صموئيل

كيف يمكنك تنوير المتجاهل عمدًا؟ تنوير الجاهل، مفهوم ومعلوم ومُستطاع: تجهد، تُحاول، تُغيّر الأسلوب، تتبسَّط، تبتكر طرائق جديدة فاعلة… فتنجح. أما المُتجاهل عمدًا، فما الذي في إمكانك فعله معه؟

هذا الأخير لا يريد أن يعرف. أو على الأصحّ، هو يعرف غاية مسعاك، ويدرك ما تحاول تقديم حقائقه، وشرح ملابساته وتعقيداته… لكنَّه يغمِض عينيه، ويصمّ أذنيه عنك وعمّا تحاوله. يتجاهل، ويترك لك أن تتعقّد وتجنَّ من عجزك عن مخاطبته وإقناعه.

بسبب مصالحه يفعل ذلك. أو بسبب معتقده. أو بسبب عنصريته. أو بسبب كراهيته لشعبك وقضاياه، أو بسبب شعوره بالتفوّق، أو بسبب لا مبالاته… أيًّا كانت الأسباب والدوافع، فإنّ ما يُطلَق عليه “الرأي العام العالمي” يستطيع أن يعرف لو أراد. وإلاّ كيف صار لعدد من مواطنيه العاديين -لا المتخصصين الخبراء- أن يتقصَّوا، ويتعرَّفوا، ويعرفوا، على نحو مذهل.

وفي حال كهذه، ما السبيل أمامك كي تشرح قضايا شعبك، ومشكلات بلدك، وتاريخ أمَّتك؟ كيف لك أنْ “تُنوّر” الرأي العام ذاك بما يتعلّق بالطغاة الحاكمين في بلادك والكوابيس الرابضة على أنفاس شعوبك، والحقوق الإنسانيّة الطبيعيّة المسلوبة منها؟

كيف لك تحقيق ذلك؟ بالأحرى: كيف للمهووسين بجلد الذات، هواة تأنيب النفس، ومُدمني تحميل الضحايا مسؤولية عدم تفهّم الرأي العام العالمي لقضاياهم.. كيف لهم أن يقوموا بـ “إفهام الرأي العام”، العارف لحقائق الأمور، والمُكابر والمعاند بعدم الإقرار بها؟!

ثمّة مَنْ أدمن توجيه إصبع الاتّهام إلى تقصيرنا في شرح قضايانا العربيّة للرأي العام العالمي، لكأن الأخير هذا، يفتقر إلى أدوات الاتصال الحديثة وطرائق المعرفة، أو كأنه مجرّد إناءٌ فارغ يحتاج إلى مَنْ يملأه، فهو يقف -بريئًا مُحايدًا-  بانتظار شرح قضايانا كي ينتصر لها.

ولِمَ لا نضرب المثل على ما سبق بمن هم بين ظهرانينا، فنسأل: هل تأييد بعض مثقّفي البلدان العربيّة -وهم من أهل مكّة- للطاغية الحاكم في سوريّة، يعود إلى جهلهم شعاب الثورة، أو لوقوعهم تحت تأثير لوبي سلطةٍ، أو لتقصيرٍ في شرح حقائق وخلفيّات ما يجري؛ بحيث أودى بهم جهلهم إلى تأييد المستبدّ والانتصار له؟




المصدر