حكومة انتقالية للسورين


فوزات رزق

أيها السوريون الأشاوس! عجيب أمركم: إذا تخلّى عنكم العالم وترككم لمصيركم البائس كفرتم بهذا العالم، وأطلقتم ألسنتكم تشتمونه، وأخذتم تهتفون في نواديكم: “ما إلنا غيرك يا الله”. وإذا اهتمَّ بأمركم، وناقش قضيتكم، وتولّى حلها بالنيابة عنكم أدنتموه وشتمتموه.. فأنتم والله لا يعجبكم العجب ولا الصيام في رجب.

منذ فترة ليست ببعيدة انبرى الروس يصوغون لكم دستورًا يريحكم من عذاب الدنيا والآخرة. فبدأتم تتذمرون وتقولون نحن لسنا أطفالًا تحت الوصاية. وكان أن كف الروس عن هذه المبادرة الإنسانية، التي لا يبغون من ورائها لا حمدًا ولا شكورا، وأخذوا على خاطرهم.

ومع ذلك فقد تناسى الروس كل ذلك. فها هم اليوم يعودون لبحث مشكلتكم المستعصية؛ تاركين أشغالهم وأعمالهم، متفرّغين لكم دون أن يغضبوا من تأففكم وضجركم على مبدأ المسامح كريم. فمن الذي يتهيّأ له أن ينبري لحل مشكلاته على بارد وسلام، وهو جالس في بيته يشرب الشاي ويقرقع في كؤوس المتة بلا عناء. يعني بتعبيرنا نحن أهل الجبل: “خبز مخبوز وميّ بالكوز”. أتريدون نعمة أكثر من هذه النعمة.

إنّهم يتحدّثون اليوم عن تشكيل حكومة انتقالية تدير شؤونكم، وتصلح ما أفسدته أيديكم. وقد اختاروا لرئاسة هذه الحكومة شخصية وازنة، ورجلًا فذًّا، وضابطًا له تاريخه الحافل في الجيش العربي السوري.

وأني لأراكم ما زلتم تتذمرون ثانية، وتتنبؤون مسبقًا أن هذه الحكومة لن تغير شيئًا في الواقع السوري. بالله عليكم أكنتم ترجمون بالغيب! ما أدراكم ما سيفعل الرجل؟ فالرجل المختار سليل عائلة لها تاريخ حافل بالمجد. وبممارسة السلطة أكثر من ثلاثين عامًا عدًا ونقدًا. وهذا لعمري عامل مهم في إمكانية نجاح مهمته.

صحيح أن والده لسانه فالت، ونسونجي -ليس على ذمتي-ـ لكن هذه المسائل لا تعيب الرجل. ثم لا تنسوا أن والده شاعر كبير، ومن إنجازاته الشعرية ديوانه الشهير الذي أهداه إلى جورجينا رزق، بعد أن جعل الجيش العربي السوري يقف استعدادًا للمخلوقة، ويسجد أمام جمالها، ويقدّم لها السلاح.

والرجل المختار انشق. ترك منصبه الرفيع وترك العز والجاه الذي كان لديه وغادر البلاد. ماذا تريدون أكثر من ذلك؟ هل تريدون أن يقسم لكم بشرفه العسكري أنه صادق في انشقاقه. أم تريدونه أن يقسم لكم على مزامير داود بأنه لا يبغي من وراء انشقاقه شيئًا. والله لو أقسم لكم على جميع الكتب المقدسة لما صدقتموه. هذا هو طبعكم.

صحيح أنه على علاقة وثيقة ببعض أجهزة السلطة. وهم لا يمانعون أن يأتي رئيسًا للحكومة الانتقالية، بل ويتمنون ذلك كما صرح بملء فمه. لكن علينا أن نفصل القضايا عن بعضها. فالرجل صرّح أنه سوف يخرج 90 بالمئة من المعتقلين. (أراد أن يحفظ خط العودة، فربما لم يستطع أن يخرج جميع المعتقلين دفعة واحدة). كما صرّح أنه سوف يلغي قانون الطوارئ، مع أن قانون الطوارئ بحكم الملغى بحسب الدستور الذي أقره الشعب السوري 2012 بملء إرادته. لكن العمل فيه ما يزال ساريًا لضرورات أمنية.

وأهم إنجاز سوف يقوم به الرجل هو تطبيع العلاقة مع الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري. بعدّ أن الرجلين صديقان حميمان، وإذا صدقت وعوده، فسيكون بإمكانكم -أنتم السوريين- أن تذهبوا إلى لبنان دون أن يُطلب منكم حجز فندقي، أو كفالة كما يفعل الخليجيون. وسوف تستطيعون -عندئذ- أن تفرشوا عربايات العرانيس والفول النابت والترمس، وغيرها من الأطايب التي حُرم منها اللبنانيون في إثر قرار حكومتهم الجائر بمنع تدفق السوريين العشوائي إلى المدن اللبنانية، وذلك في شارع الحمرا والروشة وساحة رياض الصلح وعين المريسة وساحة البرج وفي أي مكان تشاؤون.

فاحمدوا الله في السر والعلن أن يتحقق ما رُسم لكم في الخفاء في دوائر القرار الروسية.

وفلاديمير بوتين من وراء القصد….




المصدر