عن الغالب والمغلوب وحجم الغلبة في حرب سورية: إيران


القدس العربي

بعد تناولنا في مقال الأسبوع الماضي للاعبيْن الدولييْن الرئيسييْن في الساحة السورية، أمريكا وروسيا، ننتقل إلى النظر في محصّلة حرب سورية في بداية سنة 2017 بالنسبة للاعبيْن الإقليمييْن الرئيسييْن، وهما إيران وتركيا، بادئين بإيران.

ولا بدّ قبل ذلك من ملاحظة تتعلّق بعدم إدراجنا لأي دولة عربية في فئة «لاعب إقليمي رئيسي». والحال أن سنة 2016 انتهت بشبه إخراج للمعامليْن العربييْن الأبرز، ألا وهما المملكة السعودية وإمارة قطر، من المعادلة السورية كما تجلّت في الصفقة التي أشرفت روسيا على عقدها بين إيران وتركيا. فكما جاء في عنوان تعليق كريستوف عيّاد، المسؤول عن الصفحات الدولية في صحيفة «لوموند» الفرنسية، في 30 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، «تتحكّم ثلاث دول بالنزاع السوري ليست أي منها عربية». أما العامل الأهم في خروج دول الخليج العربية من المعادلة السورية، فهو بلا شك حرب اليمن. فبعد أن كان النزاع في سورية شاغلها الأمني الأول في سنوات 2012-2015، فاقه النزاع اليمني أولوية لديها وتفاقمت الأمور مع تفاقم القلاقل في علاقاتها مع الولايات المتحدة دوليًا ومصر عربيًا.

هذا وخلافًا لإجماع التعليقات على تعيين روسيا فلاديمير بوتين كالفائز الأكبر في حرب سورية، على الأقل كما تبدو الأمور منذ نهاية العام الماضي، كانت التعليقات متباينة فيما يخصّ المحصّلة بالنسبة لإيران. والواقع أن هذه المحصّلة هي ذاتها متباينة: فمن جهة، انتهزت طهران فرصة النزاع في سورية كي تمدّ سيطرتها المباشرة إلى الساحة السورية بعد الساحة العراقية، وتستكمل فيها نشر قواتها الخاصة والقوات الواقعة تحت إمرتها، عراقية كانت أم لبنانية أم أفغانية، بما يشكّل جسرًا استراتيجيًا متواصلًا يمتد من إيران إلى الساحلين السوري واللبناني على البحر المتوسط وإلى تخوم الدولة الصهيونية، مصدر التهديد الأكبر الذي باتت طهران تواجهه بعد أن أبرمت الاتفاق النووي مع المجموعة الدولية وضمنت بذلك علاقات أكثر هدوءًا مع الولايات المتحدة برئاسة باراك أوباما.

لكنّ الأمور أعقد مما يبدو للوهلة الأولى. فمن جهة أخرى، تظهر إيران كأنها وقعت في فخ انتشارٍ يفوق طاقتها. وقد يكون سكوت الدولة الصهيونية عن هذا الانتشار، بما فيه عدم اعتراضها على تدخّل «حزب الله» اللبناني في الساحة السورية بينما كان بوسعها منعه، قد يكون سكوتها هذا ناجمًا عن إدراكها أن تورّط إيران في تمدّدٍ يتجاوز قدراتها الاقتصادية (وهي مضغوطة بسبب العقوبات وانخفاض أسعار النفط، فضلًا عن الفعالية الاقتصادية المتدنّية للنظام الإيراني) والعسكرية سواءً، من شأنه أن يُرهقها على المدى المتوسط.

والحقيقة أن تطورات الأوضاع العسكرية في عامي 2014 و20155 قد أثبتت ضعف إيران مصحوبة بأتباعها، وليس قوّتها. والسبب الأول لضعفها هو هزالة سلاح الجو لديها، الذي يعود قسم هام منه إلى عام 1974 وقسم هام آخر إلى عام 1991. وقد انكشف عجز حلفاء طهران العراقيين، يساندهم مباشرة ويؤطّرهم «فيلق القدس» الإيراني، عجزهم عن الصمود في وجه هجمة شنّتها داعش بأعداد هزيلة بالمقارنة بأعدادهم. لا بل انفضح خوفهم من استيلاء داعش على بغداد، ناهيكم بعجزهم عن قلعها بمفردهم من المناطق الشاسعة التي سيطرت عليها داخل العراق. وقد اضطُرّت طهران إلى القبول باستنجاد حلفائها العراقيين بالولايات المتحدة ووسائطها الجوية، بما في ذلك تلبيتهم الشرط الذي فرضته هذه الأخيرة، ألا وهو تنحّي نوري المالكي التابع لإيران من رئاسة الوزراء واستبداله بحيدر العبادي المقبول لدى واشنطن.

وكذلك فقد انكشف عام 20155 عجز القوات التابعة لإيران المتدخّلة على الساحة السورية، بمشاركةٍ وتوجيهٍ من «فيلق القدس» ذاته، إلى جانب قوات النظام السوري النظامية وغير النظامية، عجزها جميعًا عن الصمود في وجه قوات المعارضة السورية بالرغم من تفوّق معسكر النظام بالعدد والعتاد وتفوّقه الأهم المتمثّل باحتكاره لسلاح الجو، أداة التدمير والقتل الرئيسية في حرب سورية. هنا اضطُرّت طهران إلى القبول باستنجاد حليفها السوري بروسيا، بما انطوى عليه هذا الاستنجاد من تحجيم لنفوذ طهران في الساحة السورية لصالح توسّع النفوذ الروسي.

وتتجلّى المعادلة بكامل تعقيدها وهشاشة موقف إيران في تلقّي كل من أطراف هذا الحلف الثلاثي لنبأ فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية. فبينما ارتاحت موسكو ودمشق لتلك النتيجة (التي كان لموسكو يدٌ في صنعها) وتنفستا الصعداء، رأت فيها طهران خطرًا كبيرًا على مصالحها. فإن ترامب الذي يشهر نيّته التعاون مع بوتين والذي سبق أن صرّح بتفضيله نظام آل الأسد على معارضيه (وهو بذلك يلتقي مع صديقه بنيامين نتانياهو)، هو نفسه الذي دعا إلى نقض الاتفاق النووي المعقود مع إيران (مثل نتانياهو أيضًا) ويصرّ على تصنيف هذه الأخيرة في «محور الشرّ» الذي حشرها فيه ذات يوم جورج دبليو بوش وأخرجها منه أوباما.

فبينما ينظر بوتين وآل الأسد إلى المستقبل بدرجة عالية من التفاؤل، ولو مصحوبًا بشيء من الحذر، تنظر إليه طهران عن حقّ بقلق شديد، لا سيما وأن الرئيس الأمريكي المنتخب عيّن على رأس البنتاغون جنرالًا أحاله أوباما على التقاعد بسبب إصراره على تصعيد المواجهة العسكرية مع إيران، كما بيّن تضامنه المطلق مع الدولة الصهيونية قبل حتى أن يستلم مقاليد الرئاسة.

ومشكلة طهران أنها لا تستطيع المراهنة على موسكو ولا على دمشق مثلما تعتمد على حليفها اللبناني «حزب الله»، على سبيل المثال لا الحصر، إذ أن أواصر الولاء الأيديولوجي والارتهان المادّي التي تربط الحزب بطهران لا يقابلها أي مثيل سواءً أفي علاقة إيران مع النظام البعثي أم في علاقتها مع روسيا النيوقيصرية (neo-Tsarist). فلو وفى ترامب بوعده ونسج علاقات تعاون سياسي واقتصادي مع روسيا بوتين، يصبح من المرجّح أن يساير هذا الأخير واشنطن بالعمل على إخراج القوى التابعة لطهران من الساحة السورية بدعم أمريكي وربّما تركي.

أما آل الأسد، الذين انقلبوا على تحالف المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية وتدخّلوا في لبنان عام 1976 بضوء أخضر أمريكي ـ إسرائيلي ضاربين عرض الحائط باعتراض راعيهم الأول الاتحاد السوفييتي، والذين انضمّوا إلى الائتلاف الدولي الذي انقضّ على العراق سنة 1991 بقيادة الولايات المتحدة، أما آل الأسد هؤلاء فلن يتردّدوا في الانقلاب على إيران لو خُيّروا بينها وبين تحالف واشنطن وموسكو، الأقوى والأغنى بما لا يُقاس.

(*) كاتب لبناني




المصدر