السقوط الأخلاقي؛ رسالة إلى الرفاق السابقين في حزب العمل الشيوعي السوري
بسام جوهر
منذ فترة ليست بالقصيرة تراودني فكرة الكتابة إليكم، خاصة وأننا تشاركنا في فترة مهمة من حياتنا الكثير من الآمال و الكثير من الخيبات، وقدمنا الكثير من التضحيات في محاولة للوصول إلى أهداف، كنا نعتبرها من الأولويات؛ من دحر الديكتاتورية والحلف الرجعي الأسود، إلى الأمل بسورية حرة وديمقراطية لكل أبنائها، مروراً بالحلم بدولة اشتراكية وربما شيوعية.
قد يكون من المهم التأكيد أن هذه الرسالة لا تخص هؤلاء الذين مازالوا قابضين على الجمر ويلتزمون الصمت، بل تخصّ( الرفاق) الذين يتباهون بحمل قيم التقدمية والاشتراكية و مناهضة الاستبداد أينما كان، ومن جهة أخرى، وتحت حجج مختلفة، يتبارون في الدفاع عن نظام مفترس افترس سورية كلها.
إن ما حدث ويحدث في سورية هو مذبحة حقيقية، وخاصة ما فعله النظام وحلفاؤه مؤخراً في حلب الذبيحة. إن الشهادات الواردة من أناس عاديين وليس من فصائل مقاتلة -موثقة بالصور والفيديوهات- هي أكبر امتحان أخلاقي لكم، إن عدم وقوفكم ضد التهجير القسري للسكان المدنيين، وعدم إدانة ما اقترفه النظام الأسدي وروسيا وإيران والميليشيات الطائفية، من مذابح وقتل وتشريد، هو بحد ذاته عار وأيُ عار، فكيف إذا كان موقفكم، كما هو واضح، الرضى والارتياح لما حدث ويحدث؟!!
كيف يستقيم لديكم أيها (الرفاق)، يامن تحملون على أكتافكم سنوات من القهر والسجن والحرمان، كيف يستقيم لديكم، عدم إدانة التهجير القسري لسكان حلب وقبلها حمص وداريا والمعضمية وغيرهم وإخلاء منازلهم بالقوة؟؟!!!
إن تحليلكم لما يجري في سورية هو موقف حقّ يراد به باطل، تقولون أن النظام في سورية ليس ديمقراطياً لأنكم تعرفونه وخبرتم سجونه وارهابه، كذلك الدول الداعمة له كنظام الملالي في إيران وقيصر روسيا بوتين، هم أيضاً ليسوا بالنموذج الديمقراطي الذي يُحتذى به، لكن تحذرون وبشدة أن الثورة السورية مكونة من قوى متطرفة ومتحدّرة من الإسلام المتطرف الجهادي الأصولي، ومدعومة من قبل أنظمة رجعية مثل السعودية والقزمة قطر (كما يقول أحدكم) وتركيا وأمريكا، لكنكم نسيتم أو تناسيتم أن انتفاضة الشعب السوري في آذار مارس 2011 لم تكن سعودية ولا قطرية ولا تركية ولا حتى أمريكية، بل كانت انتفاضة آلاف السوريين ضد نظام مستبدٍ فاجر، ولو لم يُقدم النظام على خيار العنف وقمع المنتفضين واعتقال وقتل (المندسين) لكان هناك كلام آخر،( والمتتبع لمسار ما يجري في سورية يرى أنه وكلما حصلت هدنة أو وقف للنار تخرج المظاهرات السلمية لترفع الشعار الأساسي، الشعب يريد اسقاط النظام ).
أتذكر حماسكم في عام 2011 للشعوب العربية التي انتفضت ضد أنظمتها المستبدة، وأتذكر كيف كنتم ترددون مع تلك الشعوب، وبفرح غامر، شعار(الشعب يريد إسقاط النظام)، لكن عندما رفع آلاف السوريون نفس الشعار، هنا بدأت المواقف تتلون وتتباين، وبدأت تتكشّف المواقف الحقيقية التي كانت تتلطى وراء شعار(دحر الديكتاتورية)، والتي في نهاية المطاف راحت تصبّ -أي المواقف- في خانة الديكتاتورية والاستبداد، رغم أن جميعكم يدرك أن جذر الأزمة في سورية هو احتجاج السوريين ضد سلطة فوق القانون، بل قل عصابة استحوذت على القوة والثروة وداست كرامات الناس ونهبتهم تحت شعار المقاومة والممانعة.
بعضكم يتلطى وراء قول -هو الآخر حق يُراد به باطل- أن (هناك عنف من الطرفين، ومثلما يحظى الأسد بدعم روسيا وإيران، كذلك تحظى المعارضة بمساندة ممالك النفط وتركيا وأمريكا).
إن هذا ليس إلا محاولة خبيثة للقول بأن النظام لا يملك التفوق الساحق، هو وحلفاؤه، وبالتالي فمن حق بشار الأسد أن يدافع عن نفسه، لا بل ذهب بعضكم (وعلى شاشة التلفزيون الرسمي السوري) للدعوة إلى تشكيل جبهة مع الجيش السوري، أي مع النظام، لصدّ الهجوم التركي المزعوم، وقد نسي هذا (الرفيق) حادثة ذات معنى ومغزى، حيث كان هو ومجموعة من الرفاق في سجن أمن الدولة في كفرسوسة عندما قامت إسرائيل باجتياح بيروت عام 1982، فبادر هذا (الرفيق) إلى إرسال رسالة إلى – علي دوبا- رئيس شعبة المخابرات العسكرية في ذلك الوقت، يقول فيها : (إن مكاننا الطبيعي كوطنيين هو على الجبهة للدفاع عن الوطن ضد العدو الإسرائيلي وليس في السجن)، فكان رد –علي دوبا – واضحاً لا لُبس فيه حيث قام بإرسال المجموعة كلها إلى سجن تدمر الرهيب، وذلك كعقوبة على تلك( الوطنية الزائدة) عند الرفيق، ولم يعودوا إلى سجن صيدنايا إلا بعد مرور خمس سنوات من ذلك التاريخ.
بالعودة إلى مقولة أن هناك عنفاً من الطرفين، هل يجرؤ أحدكم على وضع صور للمدن المهدمة والمدمرة أمامه ويسأل نفسه : كيف تم تدمير هذه المدن ومن قام بهذا الحجم من الدمار؟
ثم أين هي طائرات وصواريخ المعارضة، حيث تستطيع طائرة هليكوبتر، وعلى علوٍ منخفض أن تدمر حياً بكامله، خذ مثلاً مدينة حمص، حيث رأيتها بأم عيني بعد خروج المعارضة منها، كافة الأحياء التي كانت تتواجد فيها المعارضة (الخالدية، القرابيص، باب الدريب، باب هود وغيرها)، مدمرة تدمير كأنه حدث زلزال، أما الأحياء التي كان يتمركز بها النظام فما زالت على حالها إلا من بعض الطلقات على جدران المباني.
أنا أدرك أن كلماتي هذه لا تروق للكثير منكم، وأدرك أيضاً أن هناك الكثير من المعطيات تبدلت وتغيرت، وأعرف أن الثورة سُرقت من قبل الإسلام الجهادي المتطرف، لكن هذا لا يُعفيكم من اتخاذ الموقف الأخلاقي الذي من المفترض أن ينسجم مع القيم والمبادئ التي ناضلنا من أجلها فيما مضى، ولا يُعفيكم من إتهام الكثيرين، ومنهم أنا، بأنكم و بمواقفكم الملتوية والمتواطئة، حاولتم، بل مارستم تلميع وتجميل صورة نظام بشع وقاتل أنتم تعرفونه أكثر من غيركم، ومن خلال مقولة أهون الشرين حاولتم إعطاء صك براءة للقاتل من دم آلاف السوريين، وبحجة أن الأسد يحق له الدفاع عن نفسه، هللتم وباركتم الاحتلال الروسي والإيراني .
في النهاية أقول ÷ن الاختلاف في السياسة له ما يبرره، لكن إراحة الضمير من عبء التضامن مع ملايين المشردين وآلاف الضحايا والمعتقلين والمفقودين، تحت حجج مختلفة، ليس له ما يبرره ولا يمكن أن يُسمى سوى السقوط الأخلاقي.