تصريحات الأسد: استهلال النهاية أم التفاف على جنيف؟


صبحي فرنجية

لم يعد غريبًا أن يطل بشار الأسد بين آونة وأخرى على جمهوره وأعدائه ومراقبيه، ليتحدث إلى وسائل إعلام غربية -وليست عربية- طارحًا رؤيته حول الحل في سورية، ومنددًا بكل التصريحات التي تمسّ كرسيّه، إلا أن لقاءه الأخير مع وسائل الإعلام الفرنسية، كان بمنزلة تحول واضح في لهجة تصريحاته، ولا سيما تلك المتعلقة بلقاء أستانا المزمع عقده نهاية الشهر الجاري.

قال الأسد إن وفد حكومته أصبح جاهزًا ومستعدًّا للذهاب إلى أستانا، لحضور المؤتمر الذي تقف وراءه كل من تركيا وروسيا بهدف “إيجاد حل شامل” للقضية السورية، وأكد أن حكومته مستعدة “للتفاوض حول كل شيء”.

تابع الأسد، في محاولة لإقناع الناس أنه يسعى نحو إنهاء المأساة في سورية، وقال: “عندما تتحدث عن التفاوض حول إنهاء الصراع في سورية، أو حول مستقبل سورية، فكل شيء متاح وليست هناك حدود لتلك المفاوضات”، وحول إمكانية نقاش مستقبل منصب الرئيس في سورية أكد الأسد أن ذلك ممكن، وقال “منصبي يتعلق بالدستور.. والدستور واضح جدًا حول الآلية التي يجري بموجبها وصول الرئيس إلى السلطة أو ذهابه، وبالتالي؛ إذا أرادوا مناقشة هذه النقطة فعليهم مناقشة الدستور، والدستور ليس ملكًا للحكومة أو الرئيس أو المعارضة.. ينبغي أن يكون ملكًا للشعب السوري، ولذلك؛ ينبغي أن يكون هناك استفتاء على كل دستور. هذه إحدى النقاط التي تمكن مناقشتها في ذلك الاجتماع بالطبع”.

هذه التصريحات تحمل في طياتها تأويلين متناقضين: أحدهما يفضي إلى القول إن الأسد بات على المحك أمام السعي الروسي لوضع بداية جديدة أمام الشرق الأوسط، لذلك كانت تصريحاته تقول إنه مستعد للتفاوض حول كل شيء من أجل “إنهاء الصراع في سورية أو حول مستقبل سورية”. في حين أن الأسد يمكن أن يهدف من خلال تصريحاته أيضًا إلى وضع عصي جديدة داخل عجلات مفاوضات جنيف المدعومة والمَقُادة من قبل مجلس الأمن، وتحويل الطريق نحو مفاوضات أستانا بإدارة تركيا وروسيا التي لم تحظَ -حتى اللحظة- بدعم كبير من كل الأطراف الفاعلة في الملف السوري.

يرى الكاتب خطيب بدلة، وعضو الهيئة السياسية في الائتلاف سابقًا، أن “تصريحات الأسد تنسجم مع طبيعته الشخصية التي فيها نوع من السفسطة، أي: إنه يقول جملة ما، ويحاول مناقشتها فورًا، مثلًا قال: إنه مستعد لمناقشة كل شيء، ثم عندما سئل عن موضوع الرئاسة، قال إنه متعلق بالدستور، ودخل في شروحات حول الدستور”.

وأضاف بدلة، في حديث لـ (جيرون)، أن الشيء الخفي في تصريحات الأسد أنه “راضخ” أمام الإرادة الروسية، وأنه “سيسير وراء تلك الإرادة دون خيار آخر بين يديه”، موضحًا أن الأسد حاول من خلال تصريحاته “إيجاد خط عودة في حال تمت إزالته عن الحكم عبر تلك المحادثات، فيكون قد تحدث في الموضوع سابقًا بأنه إرادة شعب، أي أنه وضع مقدمات كي لا يتفاجأ الناس بأنه تم إنهاء حكمه”.

وحول تأويل تصريحات الأسد على أنها التفاف على شرعية جنيف، قال بدلة “إن الروس أنفسهم عندما تحدثوا عن أستانا قالوا إنها تحضير لجنيف، ولم يعدّوها بديلًا عنها، وبالتالي؛ فإن الأسد غير قادر على إنهاء موضوع جنيف. الأسد يحاول أن يقول إنه مستعد لفعل أي شيء من أجل إنهاء الحرب في سورية، حتى لو كان الثمن في النهاية أن يتخلى عن الحكم”.

من جانبه، عدّ عضو “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” وأمينه العام سابقًا، يحيى مكتبي، أن هناك “محاولة لإيجاد زخم معين لمؤتمر أستانا، لكن تبقى كل الاحتمالات مفتوحة، في ظل الضبابية التي تكتنف أجندة هذا اللقاء، إن كان من جهة المدعوين للحضور، أو من جهة المخرجات المتوقعة منه”.

ورأى مكتبي، في تصريح لـ (جيرون)، أن الأسد فعلًا “يريد تحويل الأنظار إلى أستانا وسحب شرعية جنيف، الذي يستند إلى القرارات الدولية -خاصة بيان جنيف 1 والقرارين 2118 و2254- ليتحول مسار العملية إلى (حكومة شرعية)، هي بشار الأسد تفاوض متمردين هم الفصائل العسكرية، لذلك من مصلحة بشار الأسد، وربما استجابة للتعليمات الروسية أن يفتح كل الموضوعات”، وأكد أن “الوقائع هي التي تفصل بين كل هذه المسائل، ونحن متمسكون بالشرعية الدولية والقرارات ذات الشأن”.

وأشار إلى أنه “إذا كان الهدف من مؤتمر أستانا، إيجاد مقاربة مستندة إلى الشرعية والقرارات الدولية، وتهيئة الأجواء لتثبيت وقف إطلاق نار شامل في سورية، مبني على آليات واضحة في المراقبة، وأيضًا آليات للمعاقبة في حال حصلت خروقات، كتلك التي تجري على يد نظام الأسد والميليشيات الإيرانية، ويمهد الطريق تجاه مفاوضات جدية وذات صدقية في جنيف يوم 8 شباط/ فبراير المقبل، عندها سيكون هذا الأمر جيد. لكن إذا كان هذا المؤتمر هو إعادة لتفصيل شكل جديد من الجبهة الوطنية التقدمية، وما يسميه النظام حكومة وطنية موسعة، وإبقاء بشار الأسد على رأس السلطة، فأعتقد أنه سيكون مرفوضًا لدى الغالبية العظمى من قوى الثورة والمعارضة”.

لم تُعلن المعارضة السورية حتى اللحظة -على عكس النظام- موافقتها على حضور مؤتمر أستانا، الذي يفترض عقده نهاية الشهر الجاري بدعم تركي روسي، ولم تحدد وفدها بعد، ما يشير إلى وجود شكوك لديها حول المؤتمر ومخرجاته الممكنة.




المصدر