on
ملف صور القيصر… الأهمية والإهمال
عاصم الزعبي
تشير الصحافية الفرنسية غارانس لوكاين، في كتابها “عملية قيصر” الذي صدر في 2015، ووثقت فيه جرائم النظام السوري، بناء على الصور التي جرى تسريبها من الشرطة العسكرية، إلى أنه “نادرًا ما تم خلال التاريخ، توثيق أعمال الحرمان الممنهج من الطعام والتعذيب الوحشي داخل مراكز الاعتقال التابعة للنظام السوري بهذا الشكل، من الموت مباشرة بعد الاعتقال، إلى التصفية الجسدية للمعتقلين، داخل السجون أو المستشفيات العسكرية، قام النظام بأرشفة حالات الموت بالصور عن طريق القسم الجنائي للشرطة العسكرية، التقارير الطبية تقول أنهم ماتوا بأزمة قلبية، بينما تحمل الأجساد آثار التعذيب والتجويع”.
كان “قيصر” مكلفًا بتصوير جثث المعتقلين في مستشفيي تشرين والمزة العسكريين، ما بين آذار/ مارس 2011 وحتى مغادرته في العام 2013، حيث يعيش اليوم متخفيًا في باريس، تحت حماية مشددة من السلطات الفرنسية.
حوالي 55 ألف صورة فوتوغرافية، لنحو 11 ألف معتقل قضوا نتيجة التعذيب، والجوع، والمرض في مراكز الاحتجاز التابعة لنظام الأسد، فقد كان يجري تصوير ما بين 50 – 60 جثة يوميًا، تلك الصور التي أثبتت شركة المحاماة البريطانية الشهيرة (كارتر روك)، أنها لم تخضع لأي عمليات تعديل أو فبركة، ما يمنحها حصانة ضد كل من يشكك بها.
أعتمد نظام الأسد الأمني، هذه الطريقة في التصوير عن قصد وذلك لسببين:
الأول: من أجل إصدار وثائق وفاة للمعتقلين، دون الحاجة للرجوع إلى عائلاتهم، وبالتالي؛ يتجنب إعطاء الأهل أي معلومات دقيقة عن أسباب الوفاة ما عدا الأزمات القلبية.
الثاني: يحصل النظام من خلال التصوير على دليل مادي، على تنفيذ الأوامر التي أعطيت للفروع الأمنية بتصفية المعتقلين، خوفًا من هروب أحدهم عن طريق الرشوة، بحسب ما ذكر “قيصر” للجنة التحقيق الخاصة التي تولت البحث في ملف الصور.
كان تسريب تلك الصور هي الفضيحة الكبرى للانتهاكات التي تمارسها أجهزة النظام الأمنية، حيث تمت تغطيتها إعلاميًا بشكل لافت، وعرضت الصور في مبنى (كابيتول هيل)، كما عرضت في الصالة المذهبة في وزارة الخارجية الفرنسية، وولّدت حركة حقوقية في مختلف الدول وعند الهيئات والمنظمات الحقوقية آنذاك، ولكن فجأة سكت العالم أجمع عن هذا الملف، دون أن تسويغ ذلك السكوت عن جريمة ضد الإنسانية، مثبتة بالأدلة المادية، ومتكاملة الأركان، بحسب المادة السابعة من ميثاق روما الناظم لعمل “محكمة الجنايات الدولية”.
وذلك ما شجع النظام السوري، على الاستمرار في هذه الجريمة الممنهجة بحق المعتقلين في مراكز الاحتجاز التابعة له، فقد تم توثيق ما لا يقل عن 476 حالة لمعتقلين قضوا في مراكز احتجاز النظام، خلال عام 2016، بحسب إحصائية “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”.
وقال شيار خليل، عضو “مجموعة العمل لأجل المعتقلين السوريين”، لـ(جيرون) إن ملف (قيصر) مُغيب حاليًا “بسبب عدم فعالية المنظمات، والهيئات الحقوقية السورية في عملها، فالعمل القانون الدولي يحتاج متابعة حقيقية، وليس مجرد ندوات آنية ومعارض للصور، كما ينبغي تفعيل القرارات التي صدرت بهذا الشأن، ومثالها قانون (سيزر) الذي أقره مجلس النواب الأميركي نهاية العام الماضي 2016، ولم يُتابع من المنظمات والهيئات الحقوقية”.
ينص القانون على الأمور التالية:
1- فرض عقوبات على كل من يدعم النظام السوري، ومن خلال العنوان الواسع لهذا البند، فإنه يمكن أن تطال هذه العقوبات لبنان، بسبب دعم (حزب الله) للنظام السوري، إضافة إلى روسيا وإيران.
2- الدفع لإجراء تحقيقات تهدف إلى تنشيط المحاكمات ضد جرائم الحرب في سورية.
3- فرض عقوبات على النظام، وأجهزته الأمنية، وأشخاص في النظام.
وفيما لو تمت متابعة هذا القانون حتى يصبح نافذًا، فإن ذلك يتيح للولايات المتحدة التحرك بشكل منفرد، وتستطيع فرض عقوبات على النظام السوري وحلفائه والجهات التي تدعمه وتقوم بتمويله، ويمكن للمحاكم الأميركية تلقي دعاوى من ضحايا سوريين تعرضوا لانتهاكات من قبل النظام.
كان التقصير في التعاطي مع ملف الصور المسربة، عامًا، من جميع المنظمات والهيئات الحقوقية، وفي كل الأماكن التي عُرضت فيها.
لم يكن هناك سوى بعض الحملات التي دعا إليها ناشطون بين فينة وأخرى، وتستهدف التذكير بأن هناك ما لا يقل عن ربع مليون معتقل يعانون أشد أنواع العذاب في سجون النظام السوري، دون أن ترقى هذه الحملات إلى مستوى حملات المناصرة، التي تقوم بها بعض المنظمات المعروفة عالميًا، كحملات (أفاز)، وغيرها، حيث عجزت المنظمات والهيئات الحقوقية السورية والدولية التي تتعاون معها، على القيام بحملات متابعة جدية، للضغط على حكومات الدول الكبرى للعمل جديًا في هذا الملف.
لا أحد يعلم اليوم ما الذي آلت إليه التحقيقات في الصور، كما لا يعلم أحد شيئًا عن “قيصر” الذي سربها، سوى أنه مصور في الشرطة العسكرية السورية، كانت وظيفته التقاط صور المعتقلين الذين يموتون بأنواع شتى من التعذيب والقتل والتجويع، في سجون ومراكز الاحتجاز التابعة لنظام الأسد.
المصدر