“داعش” يتقدم في ديرالزور: شبهات تسليم وتضارب داخل النظام


يجدد تنظيم “الدولة الاسلامية”(داعش)، هجومه على مطار دير الزور العسكري والأحياء السكنية الخاضعة لسيطرة النظام، وهي كل ما تبقى له من محافظة دير الزور، مسيطراً على العديد من مواقع قوات النظام وفارضاً حصاراً خانقاً على المطار، الأمر الذي قد يؤدي إلى سقوطه إلى جانب الأحياء، إذا لم ينسحب التنظيم منها كحالات سابقة. وستكون دير الزور، إذا سقطت، المحافظة الثانية التي يحكم التنظيم سيطرته عليها بالكامل بعد الرقة. ويتخوف ناشطون من وقوع مجازر بحق المدنيين في تلك الأحياء بتهم “العمالة مع النظام” أو “العيش في أرض الكفر”، وغيرها من التهم التي اعتاد التنظيم على قطع رؤوس الناس على أساسها.

وقال الناشط الإعلامي، عامر هويدي، في حديث لـ “العربي الجديد”، “لقد أطبق داعش حصاره على مطار دير الزور العسكري، بعدما سيطر على مكابس القرميد وكتيبة الدبابات شرق معامل البلوك غربي المطار، وعلى كتيبة الإشارة وسرية الدفاع الجوي في محيط حي هرابش، وسرية جنيد 113 جنوب غرب المطار. واستولى عناصر التنظيم على دبابتين، وعلى كامل جبل حي العمال المطل على دير الزور، وعلى منطقة المقبرة وكراجات البولمان جنوب غربي المدينة”.

وأعلنت وكالة “أعماق”، التابعة للتنظيم، عن “تدمير دبابة وعربة شيلكا ومدفع عيار 57 للقوات النظامية، وذلك أثناء الاشتباكات على جبل هرابش”، بينما قصفت أسراب من الطائرات الروسية الحربية وطائرات تابعة للقوات النظامية مواقع الاشتباكات ومنازل المدنيين داخل الأحياء التي يسيطر “داعش” عليها في دير الزور، ما تسبب بسقوط قتيل وعدد من الجرحى. وقال هويدي “فجر الثلاثاء (أمس) استهدف الطيران الحربي الروسي المدينة بالقنابل الفسفورية والعنقودية المحرمة دولياً، بينما استهدف تنظيم داعش الأحياء الخاضعة لسيطرة القوات النظامية ومليشياته في مدينة دير الزور بقذائف الهاون والمدفعية، ما تسبب في سقوط خمسة قتلى، بينهم نساء، وعشرات الجرحى”. وأشار إلى أن “القوات النظامية والمليشيات الموالية لها اقتحمت منازل المدنيين في كافة الأحياء الخاضعة لسيطرتها، واعتقلت اليافعين والشبان والرجال، من أعمار مختلفة، وأجبرتهم على القتال في الجبهات، إلى جانب القوات النظامية والمليشيات الموالية، في حين أن هناك أنباء عن استعانة القوات النظامية بقوات، وصفت بالنوعية، يقودها قائد القوات السابق في دير الزور، اللواء محمد خضور، الذي كان يقود قوات الفرقة 17 في مطار الطبقة عند سقوطه بيد تنظيم داعش”.

من جانبه، قال الضابط المنشق حسام عسكر، الذي كان ضمن فصائل “الجيش الحر” التي قاتلت على جبهة مطار دير الزور قبل سيطرة التنظيم على المنطقة، في حديث لـ “العربي الجديد”، “بحسب ما وصل من معلومات حول النقاط التي سيطر عليها التنظيم، بالإضافة إلى السيطرة على مساكن المطار، فإن المطار أصبح محاصراً، للمرة الأولى من الجهات الأربع”، إلا أنه بين أن “سقوط المطار مرتبط باستئناف الهجوم الشديد، فالنقاط التي سقطت كثيرة وتغطيتها أمر صعب، في حال لم يستكمل الهجوم للسيطرة على المطار، إذ سيعود التنظيم لينسحب منها ويعيد النظام سيطرته عليها”. وقال إن “استمرار محاصرة المطار على هذا النحو لا يعني سقوطه، على الرغم من أن الحركة الجوية فيه مشلولة. نحن بحاجة لرؤية رد فعل النظام، خلال الأيام القليلة المقبلة، خصوصاً أنه يعاني من صعوبة في استقدام تعزيزات”. ولفت إلى أن “التنظيم يعتمد على مبدأ المعارك الخاطفة، معتمداً على عنصر المفاجأة، ما يتسبب بحدوث انهيارات متسلسلة في دفاعات الجبهة التي يهاجمها، لكن بمجرد تعرضهم إلى هجوم مضاد يخسرون النقاط التي سيطروا عليها، خصوصاً في دير الزور، بسبب المساحات الشاسعة والمكشوفة”، معتبراً أنه “إذا كان التنظيم جاداً في السيطرة على المطار فعلى الأقل أمامه معركة ستمتد لـ10 أيام، ويمكن أن يحققوا إنجازاً ما، أما إذا كانت أقل من ذلك فسنشهد انسحابات قريبة من المواقع التي سيطروا عليها”.

وقدر عسكر “عدد المقاتلين الذين قد يزج بهم التنظيم في هذه العملية بنحو 300 مقاتل، إذ إن اعتماده الرئيسي على الانتحاريين والانغماسيين، خصوصاً أنهم هذه المرة قاموا بتحريك جميع الجبهات، وأدخلوا انغماسيين إلى حيي الجورة والقصور لإثارة البلبلة والرعب على جبهة الجفرة، لكن النظام استعاد النقاط في اليوم الثاني”. ورأى أن الوقت يكون قد حان “لتسليم دير الزور”، وهذا إن تم، فسينتج عنه وضع “مرعب” بالنسبة للأهالي في الأحياء التي يسيطر عليها النظام، لخضوعها للحصار حالياً، إذ كان المطار يعتبر شريانها الوحيد، أو في حال سقطت، وهذا مرجح، إن استمر التنظيم في هجومه لفترة ليست قصيرة، بسبب وجود جبهات معقدة في المدينة، وسيرتكب بعدها مجازر بحق المدنيين، جراء اتهامهم بالتعامل مع النظام أو الكفر أو غيرها من التهم، خصوصاً أنه لم يكن أمام الأهالي، طوال الفترة الماضية، من خيار سوى النظام، فهو أجبر أبناءهم على القتال معه أو العمل لديه مقابل الحصول على رغيف الخبز.

وفي محاولة لرفع المعنويات بعد خسائر النظام في دير الزور، تناقل ناشطون موالون للنظام تسجيلاً صوتياً نسب إلى قائد حامية المطار، العميد عصام زهر الدين، قال فيه “بهمة الجيش الجبار والشعب الصامد فإن الانتصار قاب قوسين أو أدنى… ودائماً أقول النصر صبر ساعة”. وأضاف “سنرفع رايات النصر في كل مكان كما رفعناها سابقاً في حمص، والقصير، والخالدية. في كل بقعة من هذا الوطن الغالي سنرفع رايات النصر، ونطمح لأكثر من ذلك برفع رايات النصر في الجولان المحتل”، متابعاً “بنهاية كل يوم نترحم على الشهداء ونعاهدهم أن دماءهم لن تذهب هدراً”. وختم حديثه: “الشهادة أو النصر، لكن الشهادة أولاً لأنها طريق النصر”. وكانت مصادر من دير الزور ذكرت أنّ مشادات كلامية وقعت بين رئيس فرع الأمن العسكري وقائد قوات النظام في دير الزور، جمال رزوق، وقائد الحرس الجمهوري وحامية مطار دير الزور، العميد عصام زهر الدين، تبادلا خلالها اتهامات بالخيانة والانسحاب وتسليم مناطق للتنظيم. وترى مصادر معارضة في دمشق، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “دير الزور أصبحت حملاً ثقيلاً على النظام، في حين خسر أخيراً، مدينة تدمر والعديد من آبار النفط والغاز في محيطها لصالح التنظيم ما تسبب بتدهور وضع النظام الاقتصادي، والذي لمسه الناس في مناطق سيطرته، جراء زيادة ساعات تقنين الكهرباء ونقص الغاز المنزلي”. وحول ما يتم الحديث عنه عن التخلي عن دير الزور مقابل استرجاع تدمر، قالت “كل شيء جائز، وسبق لرأس النظام إن قال، إنه يمكن الانسحاب من منطقة للحفاظ على منطقة أخرى. وهناك معلومات يتم تداولها، منذ أكثر من عام، تفيد أن هناك مساعيَّ لتجميع مقاتلي داعش في سورية والعراق ضمن دير الزور، لتأتي المرحلة الثانية عبر شن عمليات عسكرية تؤدي للقضاء على التنظيم”.

يشار إلى أنه يوجد في دير الزور مئات آلاف المدنيين محرومين من أبسط حقوق الإنسان، خصوصاً التعليم، بالإضافة إلى تجنيد الأطفال ضمن صفوف التنظيم، وارتكاب أبشع جرائم القتل، بحجة تطبيق الشريعة الإسلامية، الأمر الذي يهدد مستقبل جزء مهم من المجتمع السوري، المتروك ليعصف به العنف والفكر الإرهابي. ودفعت المعارك الأمم المتحدة إلى تعليق إلقاء مساعدات جواً إلى السكان المحاصرين داخل المدينة. وقالت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي، بتينا لوشر، في جنيف أمس الثلاثاء، “علقنا عملية إلقاء المساعدات جواً في دير الزور لأسباب أمنية”، مشيرة إلى “معارك عنيفة مستمرة في منطقة إلقاء المساعدات ومحيطها”. وأضافت “من الخطر جداً أن نفعل ذلك”، موضحة أن آخر مرة ألقيت فيها المساعدات كانت السبت الماضي. ويقوم برنامج الأغذية العالمي، منذ أبريل/نيسان 2016، بإلقاء مساعدات جواً إلى السكان المحاصرين في مناطق تحت سيطرة النظام فقط في دير الزور.



صدى الشام