لاجئ سوداني يُصاب بأزمة قلبية أودت بحياته بعدما فقد الأمل في الوصول إلى إنكلترا


أحنى الفتية رؤوسهم، بينما يحملون نعش صديقهم الطيّب سمير على أكتافهم في مدخل مقبرة نورد بمدينة كريسي الفرنسية.

أضاءت السماء اللامعة الباردة خشب النعش الباهت بينما يسير المشيّعون إلى الركن المخصص للمسلمين من المدفن.

كانت درجة الحرارة أربع درجات مئوية تحت الصفر، لكن لم يُبد أن أحداً من الصبية قد لاحظ البرد في صلاتِهم إلى جانب القبر، وبكائهم الصامت، ومساعدتهم في إنزال النعش برفق إلى الأرض المتجمدة، بحسب ما ذكرت صحيفة الغارديان البريطانية.

صدمة

كان الجميع ثابتين، مصدومين من موته المفاجئ. كان سمير، ابن السابعة عشرة، قد تبِع طريق هروب من السودان عن طريق ليبيا وإيطاليا قبل الوصول إلى معسكر كاليه، حيث قضى ثمانية أشهر قبل إغلاق فرنسا للمعسكر. بقيت عائلته في السودان وطلبت والدته ألّا يستخدم اسمه الكامل خوفاً من وضع عائلته هناك في مزيدٍ من الخطر من قِبل السلطات السودانية.

كان سمير واحداً من 1900 طالبٍ للجوء في المملكة المتّجدة، مسجّلين من قِبل مكتب وزارة الداخلية البريطانية لشؤون الهجرة والأمن. مثل مئات الشباب الذين ما زالوا في فرنسا، ظنّ سمير أن صراعه من أجل الوصول إلى المملكة المتّحدة قد شارف على الانتهاء في اليوم الذي سجّل فيه طلب التقديم في مكتب الهجرة.

وعندما أُغلق معسكر كاليه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أُرسل إلى مركز استقبال للقُصّر غير المُرافَقين في تيزيه بإقليم سونيلوار الفرنسي. يُدير المركز جماعة تيزيه الدينية، والتي لها تاريخٌ طويل في الترحيب باللاجئين.

مثل بقية الفتيان في المركز والذين قد فرّوا من النزاع في السودان وإريتريا، اعتقد سمير أن الأمر لن يستغرق سوى أيام معدودة قبل أن ينظّم مكتب وزارة الداخلية وسيلة نقلٍ تجلبهم إلى المملكة المتّحدة.

 

إضراب

صُعق سمير عندما وصل خبر رفض المكتب لطلبه، إلى جانب طلبات جميع الفتية الآخرين في المركز فيما عدا أربعة منهم. احتج الفتية ضد المكتب بالإضراب عن الطعام لأسبوع. وأضرب المتطوعون بالمركز تضامناً معهم.

كان لسمير أخ في المملكة المتّحدة وكان يتحدّث إليه كل يومٍ تقريباً. لم يفهم هو والفتية الآخرون ممن ظنّوا أنّ شروط المكتب تنطبق عليهم لماذا رفضت الحكومة البريطانية مطالباتهم.

قبل بضعة أيّام من موته، سافر سمير إلى باريس ليلتقي بأصدقائه. يُعتقد أنّه ناقش معهم احتمالية الوصول إلى إنكلترا من خلال دانكريك. واستنتج أن الأمر لن ينجح، وفقد أمله في الوصول إلى “أرض الميعاد”. وبعد بضعة أيام، انهار سمير فجأة في مركز تيزيه ومات. كشف التشريح أنّه عانى من أزمة قلبية، وأنّه قد مرّ بعدّة أزماتٍ قلبية صُغرى قبلها.

لم يحطّم موت سمير أصدقاءه فقط، وإنما المجتمعات المتقاربة الداعمة في تيزيه وقرية أموني المجاورة، التي تلقفت الفتية من كاليه في قلوبها، وعاملتهم معاملة أفراد العائلة. وقف العديد من السكّان المحليين إلى جانب القبر مشاركين الفتية حزنهم.

تأتي وفاة سمير تزامناً مع أخبارٍ تُفيد بإغلاق مراكز استقبال القصّر غير المُرافَقين في أنحاء فرنسا يوم العاشر من فبراير/شباط. سيحاول البعض إيجاد طرقٍ للوصول إلى المملكة المتّحدة، بينما سيُطالب آخرون بحق اللجوء في فرنسا.

لم تسِر الجنازة على الوجه الذي كانت لتسير عليه لو كانت قد أُقيمت في السودان. لم تُقتل أي خراف كعلامةٍ على رحيل سمير، ولم يُدفن الجثمان فوراً، وهو ما سبب أزمة كبيرة لعائلته. أخّرت بيروقراطية الموت بين السودان وفرنسا دفن الجثمان حوالي أسبوعين – عُثر على سمير ميتاً في التاسعة وأربعين دقيقة من مساء الخامس من يناير/كانون الثاني.

أورسي هاردي، واحدة من المتطوعين في تيزيه، قالت إن سمير كان مفعماً بالبهجة على الدوام. وحتى بعد تلقيه الرفض من مكتب الداخلية البريطانية، فقد طمأن المتطوعين المستائين من تحطيم أحلامهم في المجيء إلى المملكة المتّحدة.

تقول أورسي: “اعتدنا أن ننهي الوجبات بغناء الأغاني – الإنكليزية والفرنسية والسودانية. كان سمير دائماً ما يقود الغناء. وعندما ذهب إلى باريس قبل وفاته مباشرة، لم يغنّ أحد واضطرّ إلى أن يقود الغناء عبر الهاتف”.

 

انتقادات لمكتب الهجرة

وبينما امتدحت أورسي تضامن مجتمعات تيزيه وأموني، فقد انتقدت تعامل مكتب الهجرة البريطانية مع من غادروا معسكر كاليه، ورفض دخولهم إلى المملكة المتّحدة.

تقول: “قيل للفتية إنّهم سيبقون في المراكز ليومين أو ثلاثة. هذا هو الجزء المخزي، والمقزز. عندما رأوا موظفي المكتب في الحافلات ظنّوا أنها ستتجه مباشرة إلى المملكة المتّحدة”.

وأضافت: “نحن نعمل بكدٍّ في محاولة لئلا يشعروا بفقدان الأمل أكثر من اللازم حيال ما فعلته المملكة المتّحدة”.

وقد أقيمت دعوى قانونية أمام المحكمة العليا يوم الخميس نيابة عن 39 طفلاً من طالبي اللجوء من كاليه بعد فشل وزارة الداخلية في تقديم تفسيرٍ كامل لقراراتها المتعلقة بالأطفال.

المدعي الرئيسي هو فتى أفغاني في الرابعة عشرة من عمره، يوصف بأنّه هش للغاية وانتحاري.

وقد قوبلت طلبات الأطفال بالذهاب إلى المملكة المتّحدة بالرفض أو عدم الإعلام بأي قرارٍ بشأن حالاتهم.

طلب المحامون أسباباً مكتوبة من مكتب وزارة الداخلية ودليلاً على أن المسؤولين وضعوا تقديراتهم بناءً على مصلحة الأطفال أولاً، ونظروا في الأدلة الطبية المتعلّقة بالأطفال عدة مرات، لكن هذه المعلومات لم تُقدّم.

وقد دخل الفتى الأفغاني البالغ من العمر 14 عاماً إلى المستشفى في عدّة مناسبات، آخرها في العاشر من يناير/كانون الثاني بسبب نوبات القلق والذعر. وقال فريقه القانوني إن حالته العقلية قد تدهورت.

ووفقاً للمستندات الموضوعة أمام المحكمة العليا من قبل الفريق القانوني الممثل للفتية، الذي يقود توفيق حسين بمكتب دنكان لويس، “يبدو أنه لا توجد قرارات مكتوبة، أو سجلات أو ملاحظاتٍ عن اتخاذ القرار”، فيما يتعلّق برفض مطالب الفتية.

يقول حسين: “يستمرّ المكتب في المماطلة في توفير القرارات المناسبة فيما يتعلق بموكلينا. وقد فشلوا أيضاً في إعادة النظر في أوراق الفتى الأفغاني، ومن ضمنها الأدلة النفسية التي تفصّل هشاشة الطفل الشديدة. لم يكن أمامنا خيارٌ إلا التقدم إلى المحكمة بطلب إعانة إضافية اليوم. ما يكسر القلب أن تعرف أن هؤلاء الفتية الذين أرادوا الهرب من الصدمة والاضطهاد؛ الذين قد احتملوا رعب معسكر كاليه، قد خذلتهم حكومة المملكة البريطانية خُذلاناً سيئاً إلى هذه الدرجة”.

مات سمير، ولم يحقق حلمه في الوصول إلى المملكة المتّحدة. ويبقى في علم الغيب ما إذا كان أي فتى من المئات الذين ما زالوا في فرنسا ويراودهم الأمل نفسه سينجحون فيما فشل فيه.

 

رابط المادة الاصلي: هنا.



صدى الشام