بيان فتح الشام.. تبرير للعدوان وتأصيل لمبدأ الاستقواء


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه..

فهذا تعليق على بيان جبهة فتح الشام الذي أخرجوه ليبرروا به عدوانهم على إخواننا من جيش المجاهدين والجبهة الشامية وصقور الشام وجيش الإسلام 

نقتبس بعض عبارات البيان ونعلق عليها اختصارًا، وبيانًا لما فيه من مجازفات، وتحذيرًا لهم عن سلوك طريق مَن سبقوهم من الغلاة..لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرًا.

- ابتدأ البيان بالقول بأنه:  قد باتت مشاريع المصالحة والهدن جلية، والمؤتمرات والمفاوضات تحاول صرف مسار الثورة نحو المصالحة مع النظام المجرم وتسليمه البلادَ..

أقول: هذا توصيف لا يلزم من ذهب إليه، لا سيما أنهم أعلنوا عن ثوابتهم في استمرار الثورة حتى استئصال النظام المجرم، وفتوى المجلس الإسلامي السوري قد نصت على ذلك، وقد انطلق مَن انطلق استنادًا إليها، إلى غيرها..

ثم قالوا: إن بعض الفصائل سحب الدعم باسم حلب لسنوات ثم كانت مشاركته ضعيفة لا تتناسب مع حجم تلك الفصائل وأعدادها على الورق..

أقول: ومَن أعطاكم الحق لتقييم جهاد غيركم، وتخوينهم ووصفهم بالمتاجرة، وسحب الدعم لسنوات وهم على نقاط التماس مع العدو النصيري، وهل يتسع صدركم لمثل تهمة كهذه؟ وهل نسيتم أن جيش المجاهدين كان عنصرًا أساسيًّا خلال معارك فك الحصار الأولى والثانية إلى جانب فصائل جيش الفتح التي يعتبر صقور الشام أحد مكوناتها؟

وإذا لمتم الفصائل الخائنة بالمشاركة الضعيفة فأين كنتم من حلب خلال حصارها آخر مرة وسقوطها؟ فجميع الفصائل دون استثناء بعد فشل المحاولة الثانية لفك الحصار لم تتحرك من خارجها لإيقاف سقوطها وكان القتال محصورًا بالفصائل الموجودة داخل حلب مثل تجمع فاستقم كما أمرت وأحرار الشام وجبهة فتح الشام أقل الموجودين داخل حلب من حيث العدد.

أين هجومكم ودفاعكم وقوتكم التي تمثل ثلثي الطاقة العسكرية على حد قولكم؟

لماذا سقطت حلب؟

- يقولون: وسعيًا منا لتلافي ما حدث في حلب.. خطونا خطوة فتح الشام !!

أي فتح شام هذه؟

الولد الصغير الغرّ يعلم أن هذا انفصال على الورق لا أثر له في الواقع، وما زال الفكر هو الفكر، والنهج هو النهج والعزلة هي العزلة!!

-  فقبل الانفصال اعتديتم على ثوار سوريا وحزم وجبهة حق المقاتلة، وبعدهم جيش المجاهدين والجبهة الشامية وصقور الشام وأحرار الشام ..- وإن تفهَّم البعض وجه استهدافكم لبعض هذه الفصائل فغالب الشعب السوري لا يظهر له ذلك، ولا يرون إلا فصائل يقتل بعضها بعضًا!

- وقبل الانفصال عُزلة وتعالٍ على الفصائل، ورفض الاندماج لعدم نقاء المنهج، وبعد الانفصال نفس العزلة التي كانت من قبل، ورفض الاندماج أو عرقلته بوضع الشروط المعجزة أمام كل محاولة للتوحد.

- وقبل الانفصال استخفاف بكل توجُّه سياسي، وكل جهد في هذا المنحى تقوم به الفصائل للتخفيف من حمأة النار المتساقطة على رؤوس أهلنا بالشام، أو جلب الدعم لاستكمال المسيرة ضد العدو النصيري، أو جلب الدواء والغذاء للشعب المنكوب، وبعد الانفصال ها هو بيانكم ينسف كل توجُّه سياسي ويتهمه بأنه دسائس ومؤامرات، فمن جعل منكم وصيًّا على هذه الفصائل والشعب السوري؟ ليس إلا منهج الاستقواء والتعالي الذي يرفضكم من يرفضكم لأجله.

فهذا الخطوة لا أثر لها في الواقع، لا على الشعب السوري ولا على المجتمع الدولي، الذي لا زال يتحدث عنكم باسمكم الأول النصرة، فماذا أفدتم الشعب والثورة  بهذا الانفصال؟!

- أما فتاوى تحريم الاندماج معكم فهي فتاوى واجتهادات يرى أصحابها أن بارتباطكم بالقاعدة كنتم وبالًا على الثورة السورية، وأن الغرب اتخذكم ذريعة - وما يزال - لوأد الثورة، وأن كل من يتحالف معكم سيواجه نفس مصيركم من الاستهداف والاستئصال،  فبماذا يفتون؟

وعلى كل فهو اجتهادهم وهم معذورون في ذلك، وأنتم المسؤولون عن هذا المصير؛ إذ لم تحسنوا سياسة تواجدكم والصورة التي ينبغي أن تكونوا عليها، وقد كان انفصالكم عن القاعدة فرصة للذوبان في مكونات الثورة، لولا حرصكم على كيانكم ونفوذكم.

- يقولون: إن الجبهة تمثل ثلثي الطاقة العسكرية دفاعًا وهجومًا وخدمةً ..

ونقول: ما أثر ذلك على الثوار والثورة والشعب السوري، وأنتم في طريقكم أن تكونوا داعش الثانية!

لقد اعتدت داعش على الفصائل بالأتارب أول ما بدؤوا البغي، فقامت عليهم الفصائل في مناطق تواجدهم الضعيفة واستولوا على مقراتهم وقتلوا من فيها كردة فعل على عدوانهم، حينئذً جاء الشيشاني متوعدًا الفصائل وهو يلهث، متناسيًا ما فعله فصيله، وهكذا تفعل فتح الشام اليوم، وسترد الفصائل، وننسى من الذي بدأ ..

كانوا يتخذون الذرائع الضعيفة، ويقتلون بأدنى الشبه، ويكفرون بالظنة واللوازم، وكانوا ينفون التكفير ثم أظهروه ليبرروا عدوانهم المتكرر على إخوانهم ويقنعوا جنودهم باستحلال هذه الدماء المعصومة، فلم يجدوا غير تهمة الردة والعمالة لتبرير جرائمهم، وهذا ما تسلكه فتح الشام اليوم، فالآن تزهق النفوس وتسفك الدماء وتستحل الأموال، وعندما يرد الناس عن أنفسهم يتباكون، ويقولون انظروا ماذا يفعلون بنا؛ وينسون أنهم أول من أحيا الفتنة، وأول من أوقد نارها، ثم يمعنون في العدوان ويتفاقم الوضع إلى أن يُظهروا التكفيرَ.. وهكذا تظهر داعش مرة ثانية، كما ظهرت من قبل .. وهل كان الدواعش دواعش أيام الزرقاوي ومن قبله وحتى في قيادة أبي عمر بداية دولة العراق؟ لم يكونوا كذلك ثم أصبحوا كذلك بهذا التسلسل ...

- يقولون تم استهداف الجبهة في أكثر من مكان .. في الوقت التي تقيم فيه الفصائل علاقات وطيدة مع أمريكا راعية العدوان...

أقول وهل ضل الدواعش إلا بهذا؟!

لقد قالوا أول ما قالوا إن أمريكا امتدحت لواء التوحيد بوصفه بالاعتدال، وأنه يمكن التعاون معه ودعمه،  فسموه "لواء الشرك"، وكفروه، وأطلعوا أسرى اللواء على الفيديوهات ليبرروا تكفيرهم وصحة استهدافهم واستحلالهم لدمائهم.. إن التاريخ قريب لا يسعف جبهة فتح الشام التملص منه، وكان عليهم أن يتعلموا الدرس جيدًا، وأن يَدَعُوا عنهم هذه الذرائع، وأن يفطنوا لمكر المجرمين وحيلهم في ضرب المجاهدين بعضهم ببعض، وأن يخفضوا الجناح لإخوانهم ويحتووهم قبل أن يحتويهم غيرُهم، لكنهم أبوا إلا أن يسيروا حذوهم ويسلكوا طريقهم!

- يقولون: اتفاق الأستانة الذي نص على إقامة دولة ديمقراطية واتفاق مشترك لقتال جبهة فتح الشام وعزلها..

أولًا: الذهاب إلى مؤتمر الأستانة أو غيره اجتهاد يقوم به من يشاء، ولا حجة شرعية تمنع من الحضور أو توجبه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- جلس مع قريش وتفاوض معهم وقت ضعفه، وتنازل لهم عن بعض حقوقه التي يتساوى معهم فيها، واعترض من اعترض حينئذ، ثم تبيَّن له الحق بعد ذلك وندم، وهمَّ -صلى الله عليه وسلم- أن يعطي غطفان ثلث تمر المدينة ليحيدهم، وتصالح مع اليهود والمشركين، وقبائل الساحل، وتحالف مع بعضهم، وذلك باب واسع في السياسة الشرعية، كل يدلي فيه بدلوه اجتهادًا مع حسن قصد وصلاح نية، وهو باب مصفد في وجوههم ومفتوح لغيركم فلماذا تغلقونه، وتمنعون غيركم أن يرده؟!

ثانيًا: لستم أوصياء على الفصائل، من يذهب ومن لا يذهب، ولا سلطان لكم على أحد، ففيهم العلماء والشرعيون والفطناء، وهذا من استخفافكم بغيركم واعتبار الحق المطلق لكم، والآخرون إما جهلة أغبياء أو خونة عملاء، ثم تريدون أن يتوحدوا معكم؟!

ثالثًا: قولكم: نص على إقامة دولة ديمقراطية، إشارة إلى تبرير عدوانكم على إخوانكم، وأنهم بتوقيعهم على الاتفاق قد كفروا، وإن نفيتم تكفيرهم الآن فاستحلالكم لدمائهم وأموالهم دل على هذا التكفير المبطن، ومَن حولكم يفهمون ذلك، فتذكروا كيف بدأ الدواعش تكفيرهم لأمراء الجبهة الإسلامية لنفس الشبهة، وبيانهم موجود!!

رابعًا: لقد نفى من حضر من الفصائل التوقيعَ على قتالكم، وليس لديكم بيّنة على دعواكم، وكان الواجب عليكم التثبت، وإقامة البيّنة الظاهرة على دعواكم، ثم الدعوة إلى التحاكم، والرضوخ لحكم الله في المعتدي أيًّا كان، ولكنكم تعاليتم واستقويتم، وجعلتم من أنفسكم الخصمَ والحَكَم، فحكمتم ونفذتم، دون بينة، فأي حجة تدلون بها أمام ربكم يوم تلقونه؟

خامسًا: لو فرضنا أن الفصائل قد وقَّعت على قتالكم، فأي حجة شرعية تبيح لكم قتالهم لمجرد التوقيع دون استبيان أو بوادر اقتتال؟

لماذا لا تدعون للتحاكم لتعذروا أنفسكم أمام الله وأمام الشعب والثوار والفصائل؟ لماذا لا تعطون النموذج الأمثل في تطبيق شرع الله والاستسلام لحكمه، والخضوع لأمره؟

وأخيرًا:

إن إنهاء الفصيل شرعًا مؤذن بانتهائه واقعًا، وأنتم جاوزتم حدودَ الشرع، تعديًا واجتراءً وغلوًّا، ومهما كانت قوتكم فإن الذي أقدركم على إخوانكم لقادر عليكم، وقد كانت داعش أقوى منكم وأكثر عددًا، وسنن الله لا تحابي أحدًا، وقد كنا لآخِر لحظة نأمل فيكم الخيرَ والحكمةَ، ولكنكم قضيتم على هذا الأمل بتهوُّركم وغروركم واستقوائكم على إخوانكم، والله حسيبكم، وليس أمامكم إلا التوقف عن هذا البغي، ورد المظالم إلى أهلها، والإسراع بالخضوع لحكم الله فيكم، فهذا أقل ما تُعذَرون به أمام الله، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون ..

والله الموفق.