ردًا على (حوار ديمقراطي مع داعية إسلامي) للكاتب سعيد إبراهيم
30 كانون الثاني (يناير - جانفي)، 2017
موفق بن مصطفى السباعي
أخي الأستاذ إبراهيم. شكرًا -أولًا- لاهتمامك بالمقال عن التوحيد؛ وعرض آرائك بجرأة وشجاعة.
ثانيًا؛ لقد عرضت عدة قضايا متداخل بعضها بعضًا، وتشكل نظام الحكم في الإسلام، وللرد عليها جميعها، يحتاج إلى مقالات عديدة، بل وكتب عديدة.
لكن، سأعرض الجواب، بشكل نقاط، وأسئلة بسيطة وسريعة، وبحيث يكون الجواب عليها في أغلبها.. نعم أو لا، والغاية من ذلك هي الوصول إلى القناعة والإيمان بأن الخالق، هل هو الأحق بإدارة شؤون عباده، من خلال الدستور القرآني النبوي… أم العبيد هم الأحق بذلك؟
أما التفاصيل.. فتترك لما بعد الفصل.. في قضية الإيمان الأساسية..
1 – هل تؤمن أن الله يتصف بالعلم الكامل.. اليقيني.. القاطع.. من قبل أن يخلق البشرية كاملة، وإلى أن تقوم الساعة؟ حسبما قال تعالى: {وَإِن تَجۡهَر بِٱلۡقَوۡلِ فَإِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ وَأَخۡفَى} طه 7، و{قُلۡ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعۡلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ} الفرقان 6
وهل تعلم بأن الله يعلم ماذا سيقوم به الإنسان، وماذا سيحدث له، من يوم ولادته إلى يوم موته.. ثانية وراء ثانية؟ إذا كنت تؤمن بهذا العلم اللامحدود لله تعالى، وإحاطته الشاملة للكون وما وراءه، وتؤمن بمحدودية علم الإنسان، بحسب قوله تعالى: {وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلا} الإسراء 85. فستُحلّ معظم، أو كل التساؤلات التي عرضتها، أما إذا كنت لا تؤمن، فلا فائدة من متابعة النقاش نهائيًا.
فلنفترض أنك تؤمن بالله العليم.. الخبير.. البصير.. السميع…، وهذا ما يؤمن به كل عاقل، مسلم أو غير مسلم، والمسلم من باب أولى، بدليل قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُۚ} لقمان 25.
وبناء عليه: فهو عَلِمَ، ويعلم، ماذا ستحصل من تطورات، وتغييرات، وأحداث من أول خلق آدم عليه السلام من تراب، وإلى يوم القيامة. بل أصلًا لا تحدث هذه التغييرات إلا بأمر الله وبموافقته، وإرادته، ومشيئته.
فحينما أنزل الله القرآن، ووضع فيه منهج ونظام حياة البشرية جميعها، وضعه بما يتوافق مع كل هذه التغييرات والتطورات، وطالب المؤمنين والمسلمين التحاكم إلى القرآن بقوله تعالى: (فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡء فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ} النساء 59. كان يعلم ماذا سيحصل من تطورات بشرية. هل يليق برب عظيم.. عليم.. بصير.. رحيم.. لطيف.. خبير.. عادل.. أن يأمرهم بشيء وهو يجهله؟!
2 – من هو أقدر وأكفأ على وضع نظام للبشرية، هل الخالق.. العليم.. الذي أنشأ وخلق الإنسان من نطفة، ووضع فيه المشاعر والعواطف والغرائز والشهوات. ومن ثَمّ هو أعلم بما يصلح له، وما يد تكونيه، وهو الذي يقول: {وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكۡما لِّقَوۡم يُوقِنُونَ} المائدة 50. {أَلَيۡسَ ٱللَّهُ بِأَحۡكَمِ ٱلۡحَٰكِمِينَ} التين 8.
أم المخلوق.. الجاهل.. المحدود العلم والمعرفة.. القاصر.. الناقص الذي يتبع الهوى والشهوات؟!
3 – هل يليق بالرب العظيم، مالك السماوات والأرض، أن تكون وظيفته فقط الخلق والرزق والحياة والموت، وأن ينعم على البشر بالنعم الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى! بينما غيره من العبيد هم الذين يسودون على بقية العبيد، ويديرون شؤون حياتهم، بأهوائهم ونقصهم وقصورهم!
هل يرضى ملك بشري له قوة وعظمة وهيبة، أن يتخلى عن سيادته وهيمنته على شؤون الرعية إلى شخص آخر؟ بالتأكيد لا.. فإذا كان ملك بشري ليس له أي فضل على رعيته، لا يرضى إعطاء إدارة شؤونها لغيره، فكيف بملك الملوك!
4 – هل المصنع الذي صمم السيارة وصنعها، أقدر على معرفة أسرارها وإصلاحها، إذا طرأ عطل فيها، أم ميكانيكي السيارات؟ فكيف بالذي صنع الإنسان في أعقد صنعة وأحسن تقويم!
5 – الله تعالى قرر وحكم، ولا معقب لحكمه، أن حكم البشرية له من خلال دستوره القرآني.. النبوي.. ولا يحق للعبيد أن يحكموا العبيد أمثالهم. {أَلَا لَهُ ٱلۡحُكۡمُ وَهُوَ أَسۡرَعُ ٱلۡحَٰسِبِينَ} الأنعام 62. {وَمَا خَلَقۡتُ ٱلۡجِنَّ وَٱلۡإِنسَ إِلَّا لِيَعۡبُدُونِ} الذاريات 56. الأمر جد وليس مزح ولا هزل، ولا مجال للمفاوضات ولا البازار.
هل تؤمن أنك عبد، أم أنت رب؟ إذا كنت تؤمن أنك عبد لله تعالى، فوظيفتك في هذه الحياة قد تم تحديدها من قبل خلقك، من وقت كنت في ظهر أبيك آدم، حينما قال الله تعالى: {وَإِذۡ أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِيٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدۡنَآۚ أَن تَقُولُواْ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ إِنَّا كُنَّا عَنۡ هَٰذَا غَٰفِلِينَ} الأعراف 172
وظيفتك هي عبادة الله تعالى وحده، بالطريقة والكيفية التي أمر بها، والعبادة ليست هي الطقوس والشعائر التعبدية، فهذه لا تُمثّل إلا جزءًا يسيرًا من العبادة، العبادة هي الخضوع لنظام الله في الحياة، فحتى لو صعدت إلى المريخ فأنت تصعد خضوعًا وانقيادًا وعبادة لأمر الله، وليس لأمر العبيد. تُمارس الرياضة والفروسية والعسكرية انقيادًا لأمر الله، وعبادة له وليس طاعة للعبيد، تستمتع في الحياة الدنيا بالنساء والولدان والمال، انقيادًا لأمر الله، وحسب نظامه، وعبادة له، وليس للهو والعبث والمجون. ولا فصل بين الدين والوطن، فكلاهما لله، وليس للعبيد أي شيء على الإطلاق، ولا حتى التراب، فهم خرجوا من رحم المرأة، لا يملكون شيئًا، ويدفنون في رحم الأرض، لا يملكون شيئًا. فلماذا يا أخي العزيز تُعطي هؤلاء العبيد الفقراء هذه العظمة والسيادة على الأرض والبشر، وتريدهم أن يتحكموا في الرقاب؟ ولا تعطيها لرب العبيد، الملك الغني الباقي الحي الذي لا يموت؟ أليس من المذلة والإهانة أن يجعل العبد عبدًا مثله يسيطر عليه ويتحكم برقبته، بقوانينه المتغيرة المتبدلة، ويترك نظام رب العبيد، الذي يعلم ما يضره وما ينفعه؟ والذي فيه العزة والكرامة له، حينما يعلن دينونته وعبوديته لله وحده.
{إِنَّ ٱلَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ عِبَادٌ أَمۡثَالُكُم فَٱدۡعُوهُمۡ فَلۡيَسۡتَجِيبُواْ لَكُمۡ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ} الأعراف 194.
(*) موضوع (حوار ديمقراطي مع داعية إسلامي) منشور في صحيفة (جيرون) على الرابط التالي: http://www.geroun.net/archives/72937
[sociallocker] [/sociallocker]