اعتذار من المستر ترامب

31 كانون الثاني (يناير - جانفي)، 2017

5 minutes

فوزات رزق

“المجد لله في العُلا، وعلى الأرض السلام، وفي الناس المسرّة”

هكذا بدأت مراسم احتفال تسلّم السلطة للرئيس الأميركي دولاند ترامب

عزيزي دولاند ترامب

نرجو أن تقبل اعتذارنا نحن -السوريين- عن أننا لم نقم بالواجب، فنشاركك والشعب الأميركي فرحتكم بمناسبة نقل السلطة إلى سيادتكم، وتسلّمكم مقاليد الأمور في أكبر دولة في العالم. وفي الوقت الذي نبارك لكم دخولكم البيت الأبيض، فإننا نأسف أشد الأسف لعدم تمكننا من الحضور؛ لأننا نحن -السوريين- لم يبق لدينا وقت للفرح، فنحن مشغولون حتى رقابنا بمحاولة تضميد جراحنا؛ كلّما ضمّدنا جرحًا انفتح جرح آخر أكثر اتساعًا في مكان ما من جسدنا. نحن لا نريد أن نحمّلكم مسؤولية جراحنا، فـ “يدانا أوكتا وفونا نفخ”.

عذرًا مستر ترامب؛ فنحن حتى لو حضرنا فإنك ما كنت لتلتفت إلينا، لا لشيء إلاّ لأنك كنت بصدد وضع سياسة جديدة للولايات المتحدة، إذ عزمت على أن تعيد فتح مئات المصانع التي أقفلت في عهد سلفك باراك أوباما. وكل ما نرجوه ألا يكون بين هذه المصانع مصانع أسلحة، فنحن متخمون بالأسلحة الفتاكة التي تفضّل السيد فلاديمير بوتين ومنحنا إياها -لله ولوجه الله- كي نقتل بعضنا وندمر معظم البنية التحتية في بلادنا.

لقد أبهجنا تصريحك أنك ستطرد ملايين العمال الذين تراكموا في المصانع الأميركية، بسبب السياسات الاقتصادية المغلوطة، فليذهب هؤلاء العمال وعائلاتهم إلى الجحيم، ونعدك بأننا لن نستقبلهم في بلادنا حينما تتكرمون بإعادة إعمار بلدنا، وكل خوفنا أن تُسدّ الطرق في وجه هؤلاء العمال فيلجئون إلى التطوع في المنظمات الإرهابية التي عقدتم العزم على محاربتها.

عزيزي مستر ترامب:

لقد أعلنتَ أميركا أولًا، دون أن تحسب حسابًا لغضب صديقك الحميم، فلاديمير بوتين، قيصر روسيا الجديد؛ إذ ماذا سيقول عندما يسمع تصريحك، وهو الذي يطمح لإعادة مجد القيصرية الروسية، كي تكون القوة الأعظم في العالم. نحن -السوريين- نخاف أن تشتد وتيرة الخلاف بينكما وتعلنوها حربًا شعواء على أرضنا، وقد مللنا الحروب، وتقطعت قلوبنا منها. ثم إن صديقك بوتين قام بفعل جبّار من أجل أن تفوز -أنت- على هيلاري كلينتون، فليس من اللائق أن تقلب له ظهر المجنّ؛ إذ ربما ألصق بك تهمة نكران الجميل، وهذا لا يليق برئيس أكبر وأقوى دولة في العالم.

ولكم أفرحنا حدّ الجذل عزمك على اقتلاع الإسلام المتطرّف من جذوره. ويبدو أنه غاب عن ذهنك أن من سبقك من الساسة الأميركيين هم الذين صنعوا الإسلام المتطرّف، وربما أنك لم تذكر كيف صنعتم منظمة القاعدة في أفغانستان لمواجهة “الوجود” السوفياتي هناك، وأصابكم قول الشاعر العربي:

ندمت ندامة الكسعي لمّا     رأت عيناه ما فعلت يداه

غير أن لعبتكم باتت مكشوفة.

أصدقنا القول بالله عليك. هل أنت جاد في اقتلاع الإسلام المتطرّف؟ غدًا المياه تكذّب الغطّاس. فهذه “داعش” التي تعيث فسادًا في بلادنا، وتشرق وتغرّب، وتغزو مدينة تدمر للمرة الثانية، بأكثر من مئة دبابة على طريق صحراوي مكشوف، من دون أن تلقى أيّ رد فعل من تحالفكم المظفّر الذي تتزعمونه.

لا تقل لنا -يا سيادة الرئيس- لم يكن لك يد في المسألة، ولم تكن لك سلطة، فما زالت “داعش” في قبضة أيديكم أنتم الأميركيين، ولو أردتم القضاء عليها لقطعتم عنها الإمداد بالأسلحة والذخائر والآليات، ولحجبتم عنها الاتصالات التي تتحكّم بها أقماركم الصناعية، عندئذ ستعود “داعش” إلى وكرها، كما يعود أبو الفار إلى فاره.

لا تضحك علينا يا سيادة الرئيس، فلسنا أغبياء للحدّ الذي نصدّق أنك ستكون خيرًا من سلفك، فشهاب الدين أخو أبي العباس. من حقك أن تعمل لإعلاء كلمة أميركا، ولكن ليس على حساب شعوب الأرض قاطبة.

والمجد لله في العلا، وعلى الأرض السلام، وفي الناس المسرّة…

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]