الغارديان: “فجأةً، أصبح المسلمون منبوذي أميركا”


أحمد عيشة

الموظفون: “نحن ننفذ الأوامر فحسب”، أطفال مرتبكون، وآباء خائفون: نتيجة الحظر الخسيس لترامب، فقد فاض أخيرًا الرهاب من الإسلام

رسم جاسبرز ريتمان

في غضون دقائق من توقيع دونالد ترامب قراره التنفيذي القاضي بمنع دخول المواطنين من سبع دولٍ ذات أغلبية مسلمة، بدأت قصص الرعب بالانتشار. أصدقاء وأقارب سودانيون، وبعضهم عاشوا حياتهم كلّها في الولايات المتحدة، وبعضهم كانوا في الجو عندما وُقّعَ على القرار، كلهم وجدوا أنفسهم ممنوعين من دخول البلاد.

عاد بعضهم من حيث أتت رحلاتهم، وبعضهم اُحتجزوا في المطارات، وفُتشوا، وحُقق معهم حول معتقداتهم السياسية. عرفت الأمهات والآباء والأطفال والطلاب، والموظفون فجأة أنَّه قد وقع ما لا يمكن تصوره، فقد مُنعوا من العودة إلى وظائفهم ودراستهم، إلى أسرهم ومنازلهم، لأنهم مسلمون.

كانت الفكرة خبيثةً جدًا إلى حد كبير، وبشعةً جدا، بحيث يصعب تأييدها. بدّت الساعات بعد المنع، وكأنّنا نعيش فصلًا من التاريخ المهجور، حيث كشفت الأحداث عن التشابهات التي رأيناها فقط في الأفلام الوثائقية، وفي أجزاءٍ من أرشيف نشرات الأخبار. بدأ المسافرون في البكاء، الضباط بلهجة شديدة: “نحن ننفذ الأوامر فحسب”، اللاجئون فاقدو الأمل ويائسون من مصيرٍ مجهول يتوجب عليهم العودة إليه، احتشد الأطفال الخائفون وراء آبائهم وهم يناشدون السلطات، وجوههم تكشف عن الخوف، الارتباك والشعور بأنَّ شيئًا ما على وشكّ أن يتغيّر إلى الأبد.

شيءٌ ما قد وقع. الخوف من الإسلام الذي شهدناه يتصاعد على مدى العقد الماضي، انفجر أخيرا بلا حدود. كانت الفكرة الأولى أنَّ إحساسًا مشتركا بالتأكيد يسود، وبالتأكيد ستكون هناك فترة سماح إلى حد ما، وبالتأكيد سيكون هناك في نهاية المطاف تحديًّا من بعض أجهزة السلطة المعتبرة التي من شأنها أن توقف هذا الجنون، لكن لم يحدث أيّ من هذه الأمور.

وبعد ذلك كان هناك الصدمة الشخصية، أنا الآن لا أستطيع السفر إلى الولايات المتحدة، البلد الذي أزوره في كثيرٍ من الأحيان، ولديّ فيه مصالح وأعمال، وأسرة وأصدقاء مقربون أعزاء. إنَّه شعورٌ غريب، وجديد. شعور يحطّم الزمان والمكان ويوصلك مع جميع الذين من قبلك الذين وجدوا أنفسهم في نهايةٍ بشعة لجنون جماعي. إنَّه شعورٌ يهز الأرض ذاتها التي كنت تعتقدُ أننا جميعا نقف عليها.

فجأةً، كل اليقينيات تبدو مهزوزةً، الإقامات وجوازات السفر والبطاقات الخضراء، وفرص العمل، والعقارات، والأصدقاء، والزواج -جميعُ الأشياء التي ترى أنَّها تحصنك ضد تعبئة أجهزة الدولة– تتلاشى. لأنك مسلم فحسب. وماذا يعني ذلك؟ إنّها علامةٌ تتحدى التعريف، لتصبح أكثر مراوغةً كلَّما حاولت أن تحددها. تذكرت مشهدًا من مسلسل الجذور عن حياة المؤلف أليكس هيلي، عندما يرتدي بفخرٍ زي خفر السواحل الأمريكي ويتقلد ميدالياته الرياضية، يطلب بثقةٍ غرفةً في فندقٍ ليلةً واحدة، له ولزوجته، حيث يُرفض طلبه لكونه أسود، فيعود إلى سيارته غاضبًا، ليس من الذين كذبوا عليه ولكن من نفسه لأنه كان يعتقد أنَّه مُعفى. “كل ما شاهدوه كان عبثًا”.

دونالد ترامب يوقع على أمر تنفيذي لفرض تحرٍّ أكثر صرامة على المسافرين الذين يدخلون إلى الولايات المتحدة الأمريكية تصوير: كارلوس باريا/ رويترز

كان التعسف في الحظر مخزٍ، فلم يرتكب أيّ مواطنٍ سوداني أيّ هجومٍ فيما مضى في الولايات المتحدة، لكنَّ السودان فقيرةٌ، وليس لها أهميةً استراتيجية عند ترامب، وهو بلدٌ ذو أغلبية سكانية مسلمة -بلدٌ عانى لسنواتٍ من حكم نظامٍ دكتاتوري أوصل البلاد بتهوره لأن تكون على قائمة الإرهاب قبل نحو 20 عامًا، وفي المناسبة، فالسودان هو أيضًا البلد الذي رفعَ عنه باراك أوباما العقوبات قبل أن يترك منصبه. وهذا لم يكن حتى حظرًا مناسبا للمسلمين. إنَّهم المسلمون الذين ارتأينا أن يشملهم المنع. إنَّ هناك منعًا يرمي المسلمين في اتجاه الغوغاء الذين صوتوا لترامب- ولكن هؤلاء فحسب هم الأكثر ضعفًا.

المضمون الكامل للأمر التنفيذي -أنه من شأنه أن يسهل التحريات الشاملة أكثر على الذين يدخلون الولايات المتحدة- هو محضُ كذب. إنَّ التقدَّم للحصول على تأشيرة دخولٍ للولايات المتحدة من أيّ من الدول السبع هي بالفعل نوعٌ من التدقيق الشديد، فبعد مقابلةٍ إلزامية، تستمر الطلبات في بعض الأحيان لأشهرٍ عدّة في “إجراءات إدارية”، كنايةً عن تحقيقٍ شامل عن المعلومات التي تمتد إلى سجلك الأكاديمي والمهني بأكمله، وكثيرا ما يعقب هذا بـ “معالجة ثانوية” في الموانئ الأمريكية حيث تطابقٌ مؤسفٌ مع الاسم، أو خطأٌ مطبعي في الطلب يمكن أن يحجز شخصًا لساعاتٍ في غرفة، ويبدو لي أنّ جميع الغرف مملوءةً بالمسلمين.

إلا أن ذلك لم يبدأ مع ترامب، إنَّه شيءٌ وصل تمامًا إلى ذروته. لسنوات، في الوقت الذي حذّر الناس من تعميم ظاهرة الخوف من الإسلام، قابلوهم بمواربة. “الإسلام ليس عرقًا”، و   “نحن ننتقد الإسلام وليس المسلمين”، و”ندين كلَّ دينٍ، وليس الإسلام وحده”.

هوجمت المساجد، وبُصق على النساء، واُنتزع الحجاب من رؤوسهنّ. وأسست وسائل الإعلام الغربية، تقودها الصحافة الشعبية البريطانية، صناعةَ الهستيريا ضد المسلمين بأخبارٍ وهمية. وقد استغرق موضوع النقاب وحظره ساعاتٍ من النقاش في البرلمانات الأوروبية. في حين أنَّ جميع المسلمين دقوا جرس الخوف مرارًا، قيل إنّهم في حاجة إلى التوقف عن المبالغة في ردّة الفعل، وأنّهم أعزاء جدًا. استغل اليمينيون الرهاب من الإسلام لتوجيه الكراهية المعادية للهجرة، والتجأت الليبرالية إلى إقحام وتباهٍ فكريين بسبب الرسوم المسيئة للنبي، وبسبب حرية التعبير وحقوق المرأة، غير قادرةٍ على أن تتجمع مع ما نُظر إليه على أنه تقليد إسلامي متخلف، وفشلت في فهم أنَّ الخطر على كلّ شيءٍ يدافع عنه الغرب: ليس من التطرف الإسلامي، ولكن من ردّة الفعل تجاهه.

“نحن الليبراليون!” تفاخر بيل ماهر، في البرنامج الحواري المرموق الأمريكي بنفسه وشريكه القوي في الإلحاد، الفيلسوف العلماني سام هاريس. “نحن نحاول أن ندافع عن مبادئ الليبرالية! وهكذا، أنت تعرف، أعتقد أنَّ محض القول إننا في حاجة إلى تعريف الليبرالية أينما وجدناها في العالم، ولا نتسامح معها لأنها تأتي من [مجموعة من] الناس الذين يُنظر إليهم كأقلية”. لكنه كان يؤسس جيدًا لتفنيدها. لم يكن أحد يسأل المغفرة، ففهم أنَّ الإدانة الجماعية للشعب عن طريق مهاجمة دينهم، يعني العقاب الجماعي.

وها قد وصلنا. تكشفت أمام أعيننا ولكن لا يزال كثير من الحقيقة مقبلًا ولا يمكن رؤيته. أصبح من الواضح أنَّ الناس ستولي اهتمامًا فيما إذا حدث شيء رهيب، وبحلول ذلك الوقت نكون قد تأخرنا كثيرًا. الآن حدث شيء رهيب، ولكنه سيزداد سوءًا، ويمكنه ذلك. إنْ علمتنا الأيام السبع الماضية شيئًا، فهو أنَّ الأحداث التي يبدو أنها ستحدث بين عشية وضحاها، هي في الواقع ذروة سنواتٍ من الرضا عن النفس.

حتى الآن لا نزال نرى أن التهاون مثل تيريزا ماي -التي يقال إننا أخبرنا أنه يمكن أن يكون لها نفوذ تقييدي- حرفيًا جنبًا إلى جنب مع ترامب فقط، قبل أن يوقّع أمرًا يدين الملايين بتحويلهم إلى منبوذين من أجلِ لا شيء سوى منشئهم الولادي، حتى عندما اتضح أنَّ حاملي جوازات السفر البريطانية كانوا خاضعين للحظر، لم يكن لدى تيريزا ماي أيّ شيء تقوله غير أنّها مسألةٌ تخص الولايات المتحدة بالتحديد. فقط عندما تعرضت للضغط عقب مواجهة الغضب المتصاعد، أعلنت أنها “لا توافق” على الحظر، كما لو أنها كانت مسألةَ رأيٍ. هذا المنطق المهادن والفارغ والمفلس أخلاقيًّا للبراغماتية ما يزال يستمر في تصوير الممكن غير القابل للتخيل.

وما يثلج الصدر أنْ نرى المحامين والمحتجين والقضاة الفدراليين يتحركون لدعم المنع ووقفه، ولكن دعونا لا نتدافع في الوقت الضائع فحسب لمحاربة نتائج التعصب، دعونا نحارب الأسباب الجذرية. ونحن نرى الآن، في الطرق الأكثر تفصيلًا، تقود لا محالةَ إلى الفشل عند القيام بذلك.

اسم المقالة الأصليSuddenly, Muslims are America’s pariahs
الكاتبنسرين مالك، Nesrine Malik
مكان النشر وتاريخهالغارديان، The guardian، 29/1
رابط المقالةhttps://www.theguardian.com/commentisfree/2017/jan/29/muslims-america-untouchables-donald-trump-ban-islamophobia
ترجمةأحمد عيشة




المصدر