ماء أم سراب؟

5 شباط (فبراير - فيفري)، 2017

5 minutes

إبراهيم صموئيل

من حقّ المُستعجِل أن يستعجل، وحقّ المتلهّف أن يتلهَّف. لا خلاف حول هذا. بيد أنه من حقّ صاحب رأي مختلف أن يُبدي ما يراه. وانطلاقًا من هذا الأخير أقول: إنّ من المُبكِر جدًا وضع أعمال أدبيّة -رواية وقصص وشعر ومسرح- تستمدُّ موضوعاتها من الثورة السوريّة. وذلك لمعطيات عدّة، منها:

أن الثورة لمّا تُنجِز ما قامت لأجله. وما من أحدٍ -فردًا كان أو مؤسّسة أو هيئة أو مركز أبحاث- يمكنه أن يعرف -الآن- أو يتنبَّأ بمسار الثورة، ومستقبلها، ومآل أهدافها. فكلّ ما يتعلّق بالثورة، وينبع منها، ويصبُّ فيها، ويدور حولها؛ ما زال في غرفة الولادة، والولادة ليست عسيرة فحسب، بل هي في بؤرة مخاطر متنوّعة عديدة، وهو ما يدخلها في نفق المجهول تمامًا.

الأمر الآخر، أن مشاعر الكاتب، مواقفه، ورؤاه.. مُشتَقّة بالضرورة من أحوال الثورة وأوضاعها، وأحوال الأخيرة -كما هو واضح غاية الوضوح- متقلقلة، بين أقواس من الاحتمالات، لم ترسُ على برّ، ولا تبدَّى لها أفقٌ، وهذا ما لا بدّ أن يمدَّ ظلّه، وينعكس اضطرابًا على العمل الأدبي، وعلى صاحبه قبلًا.

أمّا إنْ كان في التعبير عن الآمال والأحلام، فيمكننا أن نتحدّث بلا أي حرج عن رجائنا، وما نطمح إلى تحقّقه، وما نصبوا إليه، ونتوق -نحن الذين أضنانا الاستبداد منذ خمسين عامًا- إلى رفع كابوسه المروّع عن حيواتنا. لكنَّ المسألة، في سياق الإبداع الأدبي، ليست مسألة مواعظ تبشّر بالأمل أو أخرى تُعلن اليأس، ولا هي -من جهة أخرى- نصوص إعلامية بمسمّى جنس أدبيّ من الأجناس..

أمرٌ أخير، لو كنّا على عجلة من أمرنا لوضع سيناريو مسلسل تلفزيوني عن سيرة عَلَمٍ رحل، رسّامًا كان أو موسيقيًا، أو مخترعًا…إلخ، لربما فُهم التسرّع. أمّا أننا إزاء مقتلة كارثيّة مروّعة غير مسبوقة في العصر الحديث. إزاء مطحنة هائلة لمّا تزل تدور وتهرس منذ سنوات ستّ، وإلى أجلٍ غير معلوم؛ فإن التعامل بهذه الخفَّة أمر عجيب أو مريب!

والسؤال الكبير: أليست المسارعة إلى إصدار الأعمال تلو الأعمال -في حال حسُنت النيات- ما يجعل منها أشبه بالتقارير الصحافيّة التي تُبث من أرض الوقائع، وقلب الأحداث، مع فارق فنّي لصالح الأخيرة، وهو تفوّقها في التأثير والإقناع، لأن الكلمة فيها تترافق مع الصور والمشاهد الواقعيّة الحيَّة، بل والمباشرة أحيانًا؟ أم أن الموضوع برمّته في مطرح آخر، ومقلبٍ مختلف عن كلّ ما سبق، أسّه وجوهره أن ثمّة دُور نشر شرهة، تقف مترصّدة متربّصة بأيّ حدث أو ظاهرة، لتكون السبَّاقة بالنشر عنه والكسب منه، وأن ثمة مسابقات وجوائز، وثمّة -في الجهة المقابلة- الذين تستهويهم العروض، وتغريهم الجوائز، ممّن ليس آخر همّهم القيمة والعمق والشغل الرفيع والإبداع، بل ليس في واردهم أساسًا؟

أيًا يكن، فما سبق لا يعدو سوى رأي، تقابله آراء في اتجاهات أخرى مختلفة، ومناقضة أحيانًا. ولا بأس؛ فثمّة الكثير مما ظهر بعد الثورة السوريّة، الكثير مما تعارض، وتباين، وذهب مذاهب واتجاهات شتى. وربما كان أمر موضوعنا كذلك، إذ من المبكِر -أيضًا وأيضًا- عدّ هذا الرأي أو الاتّجاه، هو الأصحّ دون ذاك. لا بدَّ من زمنٍ. زمن يمرُّ، وقيامة تقعد وتهدأ، لكي يُتاح لنا، إنْ كان يمكن أن يُتاح، تبيَّن الماء من السراب.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]