وثائقي عن سرقة الأعضاء البشرية في مجتمعات اللاجئين


لم تعد قسوة الحرب والدمار أو أوضاع مخيمات اللجوء هي المآسي الوحيدة التي يسعى اللاجئون أو المهجرون للفرار منها، كما لم تعد الأوضاع المعيشية الصعبة من فقر وقلة هي ما يؤرق الطبقات الكادحة، بل ثمة مأساة أفجع لربما تنتظرهم عند كل مخرج ولحظة أمان وهمية، إذ يتربص بهم شبح الاستغلال والموت على أيدي سماسرة امتهنوا التجارة بالإنسان واستغلال حاجاته وغياب الوعي عند معظم الشرائح الفقيرة.

هم تجار الدم، تجار الأعضاء البشرية الذين تسلط الضوء عليهم «سكاي نيوز عربية» في أحدث أفلام سلسلتها الوثائقية الاستقصائية بعنوان «تجارة الموت… سرقة الأعضاء البشرية»، والذي يعرض الجمعة المقبل في الساعة 16:10 بتوقيت غرينتش. ويتناول الفيلم خبايا تجارة تعصف بالإنسانية، المأساة التي تتعرض لها مجتمعات اللاجئين والمهجرين والفقراء.

وتأمل «سكاي نيوز عربية» من خلال هذا الوثائقي بنشر الوعي المجتمعي وتسليط الضوء على أدق التفاصيل المتعلقة بهذه القضية، وفي شكل خاص في مخيمات اللجوء والتهجير حول العالم، والتي تُعد أحد أبرز الأماكن التي تتم ممارسة هذه التجارة المشينة في حق الإنسان بها. وقد سُجلت العديد من حالات سرقة الأعضاء تمثلت في بعض الحالات في استغلال الظروف الاقتصادية القاهرة في مخيمات اللجوء السوري المنتشرة في دول الجوار ومختلف الدول الأوروبية وغيرها من المخيمات، لينتهي الأمر بهؤلاء الأشخاص إما بالإعاقة الدائمة وإما بالوفاة.

وتشير التقارير الدولية إلى تزايد الطلب على تجارة الأعضاء البشرية على مستوى العالم وفي شكل ضخم، اذ يوجد في أوروبا وحدها، نحو 65 ألف مريض على قوائمِ الانتظار لزرع كلية بديلة، ونسبة لا تتجاوز الثلث منهم فقط يجدون من يتبرع لهم بهذه الكلية. وفي الولايات المتحدة، يقدر عدد المسجلين على قوائم الانتظار بنحو 120 ألفاً. ووفق تقرير الأمم المتحدة، فإن دولاً في أفريقيا وفي آسيا تعتبر من الأعلى نسبة كدول إمداد للأعضاء، بينما معظم المرضى من أميركا الشمالية وأوروبا. وتعتبر إيران الدولة الوحيدة في العالم التي تسمح ببيع الأعضاء البشرية قانونياً. ويؤكد تقرير الأمم المتحدة، أن السلطات لا تنجح بالكشف سوى عن أقل من واحد في المئة من حالات بيع الأعضاء غير الشرعية.

وللتعمق أكثر في تفاصيل هذه القضية، تستقصي «سكاي نيوز عربية» وتتحرى في مجريات ما يحدث في العديد من مخيمات اللاجئين والقرى، ليتبين أن معظم الضحايا يقومون ببيع أعضائهم من طريق الإكراه وليس رغبة منهم، حيث تتعرض الضحية للإغواء للحصول على الموارد الأساسية للبقاء على قيد الحياة، فتتم عملية البيع، وفي حال عدم الانصياع، يستخدم المجرمون أساليب القوة والبطش والسرقة وفي بعض الأحيان القتل، لإرغام الضحايا وإشعارهم بعدم توافر أي خيارات أخرى سوى الانصياع.

بدأت «سكاي نيوز عربية» عملياتها البحثية عن ضحايا سرقة الأعضاء في العديد من البلدان، ومنها سورية، حيث بدأت القصة المأسوية في آذار (مارس) 2011، مع بداية الحراك الشعبي الذي تحول لاحقاً إلى حرب أهلية طاحنة دمرت سورية، فهرب الملايين للنجاة بحياتهم ولجأوا للعديد من البلدان، وعلى رأسها تركيا، حيث يكشف الوثائقي عن العديد من حالات اختطاف أطفال أو أخذهم بحجة توفير أماكن آمنة لهم. ومنهم من يذهب لتلقي العلاج من مرض ما، فيخرج ليكتشف بأنه قد تم إجراء عملية استئصال لأحد أعضائه للمتاجرة بها. وفي حالة أخرى باع أحد السوريين كليته مقابل الهجرة وتأمين إقامة له في بلغاريا، هرباً من الأوضاع المأسوية التي يواجهها كل يوم في مدينته.

وينتقل الوثائقي إلى باكستان-إسلام آباد ليكشف أنه قبل سنوات قليلة فقط كانت المستشفيات تجري هذه العمليات في شكل علني، ولم تكن هناك قيود قانونية، وكان أفراد الشرطة يأخذون المال لغض النظر. وفي قرى إقليم البنجاب، اكتشف فريق عمل «سكاي نيوز» أن معظم سكان هذه القرية يعيشون بكلية واحدة، حيث إنهم لجأوا إلى بيع كلاهم بسعر زهيد لا يصل إلى ألف دولار، ولا يعرفون حتى أين ذهبت الكلى. ولكن بعد إقرار قانون المحكمة العليا وبعد كثير من العمل الشاق في العام 2010، صدر قانون نافذ لمنع هذه التجارة، لكن ما ينص عليه القانون يختلف عما يتم تطبيقه، وبات العديد من الأطباء يجرون هذه العمليات دون التأكد من مصادر الأعضاء، وبعضهم اتخذها مهنة تدرّ عليه بالمال، متناسياً قسمه السامي كطبيب، وبعضهم الآخر لا يدرك حقيقة أنه مساهم في جريمة منظمة، بل يعتقد بأنه يجري عمليات استئصال اعتيادية كجزء من عمله.

على صعيد آخر، سُجلت العديد من الحالات التي ارتكبت فيها هذه الجرائم في مصر والسودان والهند والعديد من الدول الأخرى، وهناك تقارير كثيرة تفيد بتورط إسرائيليين بالإتجار في الأعضاء البشرية أيضاً، ووفق إفادات اختصاصيين ونشطاء حقوقيين وخبراء قانونيين، ستستمر هذه الجرائم بالنمو ولا يمكن القضاء على هذه الظاهرة في الوقت الراهن، اذ يساهم عدم توثيق ونشر عمليات التبرع وزرع الأعضاء وغيرها من العوامل في صعوبة احتواء هذه القضية، وستستمر هذه العصابات بعملها ما لم تتعاون الدول لوضع أنظمة وقوانين وتشريعات خاصة بالتبرع وتشديد العقوبات في حال عدم الامتثال.



صدى الشام