بعد المسلخ البشري… الأسدية بديلًا عن الهتلرية

9 شباط (فبراير - فيفري)، 2017

نزار السهلي

صرخ السوريون كثيرًا، قبل عصر الصورة المسربة عن إعدام الآلاف وتجويعهم في مسالخ الأسد البشرية، لم تكن الأجساد سوى ظلالٍ بشرية لهياكل عظمية، دمغت كل منها بطريقة مرعبة، إنكار ثم إنكار لوجود عمليات الإعدام المنظم في الأقبية والسراديب السرية. حدثتني تلك السيدة الفرنسية عن نواب من برلمان بلادها زاروا الأسد أخيرًا، وعادوا برواية تصميم الأسد على محاربة الإرهاب، وأن لا شيء في دمشق، قُلت سورية ليست قصر الأسد الذي يحط فيه زوار القصر، خلفه وفي محيطه تقام مستعمرات الرعب البشري، هل تمكن أحد من الوصول إليها؟

ليست الدهشة في الأرقام التي تبنتها منظمة العفو الدولية، بل في الفاجعة المستمرة خمسة عقود، إذا ما قُدّر للسوريين الكشف عن جميع المسالخ البشرية التي أشرفت عليها عائلة الأسد، كل المقرات الأمنية -قبل صيدنايا- مسالخ مصغرة ومكبرة، من تدمر إلى سجن المزة العسكري، إلى الفروع الأمنية متعددة الأسماء والأرقام، هيكلية مافيوية تقود عمليات التصفية، دون رادع، وتنشر الرعب مرتكزًا أساسًا لاستمرار حكم العائلة، وترسيخه في قلوب السوريين، أما وقد هدم السوريون جدار الخوف أمام “العراب” المافيوي، فإنه لن يكفي لإزاحة  ثقل الرعب، استمرار الفاجعة على مدار الأعوام السبعة المضافة، أو تراكم الجثث في الأقبية، ولا يراكم العدالة التي ينتظرها السوريون للقصاص من الجزار، الذي ما زال يطل على إعلام غربي برواية سمجة لن تخفي مقابر عشرات الآلاف .

لطالما كان المسلخ البشري لنظام الأسد مفتوحًا لخدمة “المؤامرة” الكونية، ترسل أميركا وبعض الدول الغربية موقوفيها من الرعايا العرب، ليمارس جزارو الممانعة على أجساد الموقوفين هوايتهم لنزع الاعترافات، وتقديم ملفاتهم لكل من يطلب من وكالة المسلخ البشري خدمات مشابهة، لأجل كل الخدمات الوظيفية التي افتتح بها الأسد الأب مسلخه البشري؛ ليقدم الخدمات التي تؤهله لاستمرار حكم العائلة. لأجل كل ذلك يصمت العالم عن هذا العار المدوي لفضائح المسالخ البشرية، نعم هولوكوست سوري، جرفت فيه دبابات الأسد جثث السوريين وحرقتها ودفنتها جماعيًا، فيما الأقمار الصناعية لمشغلي سفاح الشام ترصد كل حركة قبل تهريب “سيزر” لملف رعب الجثث الثقيل والمؤلم.

ما الذي يعنيه تبني منظمة العفو الدولية تقريرَ المسلخ البشري الذي يديره طاغية الشام؟ عشرات آلاف الضحايا ليست أرقامًا تطرح في بيانات دولية، إذا ما أخذنا معتقلًا كصيدنايا دون سواه، فماذا عن البقية التي مارست وتمارس إلى اليوم سادية السلخ للجثث في باقي المعتقلات، فيما جلاوزة السفاح منتشرون في كل المدن والأرياف بمعية تلاميذ نجباء للجريمة، يفتتحون معتقلات خاصة بهم. في كل حي يسيطر عليه تلاميذ السفاح هناك فروع للمسالخ البشرية، تخفي روايات لا تقل بشاعة عن هولوكوست النازية التي لا تختلف الأسدية بشيء عنها سوى بالتسمية، لكن الممارسات والنتائج ربما تكون متفوقة في عصر اليوم، قبل سبعين عامًا استطاع العالم التقاط الصور المرعبة من معتقلات النازية في معسكر اوشفيتز وغيره، وقدم للعالم الهياكل البشرية التي كانت تجوع وتدمغ أجسادها بأختام للتمييز، بينما تكشف صور وأفلام مسربة عن ممارسات الفكر “الأسدي” المافيوي ما يفوق رعب أربعينيات القرن الماضي بنشر الحقد المشع على أجساد الضحايا.

لن يُكمل السوريون قصصهم عن المسالخ البشرية، ولا عن ذعرهم، قصصهم ورواياتهم طويلة، منعها ومحاربتها وإنكارها جريمة لا تقل عن الفعل المستمر لحكم الطاغية، إبادة الجنس والذاكرة هي الهدف الأساس لجريمة المسالخ البشرية التي شكلت أعمدة الحكم الأساس لنظام العائلة على نطاق واسع للسيطرة على المجتمع السوري، وإدامة إخضاعه بالتواطؤ مع المشغلين الدوليين.

التقرير الدولي، وإن جاء متأخرًا، لكنه يعدّ تتويجًا لنضال وأمل في أن جزار سورية وجلاوزته لن يفلتوا من العقاب، ولو أن المهمة المقبلة المترتب عليها البناء على ما ورد في التقرير، مع شهادات ملايين السوريين، فهي تكفي للإيمان بأن مصير العرّاب هو خلف قضبان المحاكم الدولية، ولا يمكن لأي عقل بشري تصور تسويق السفاح مهما حاولت لوبيات حمايته الاستمرار في الإنكار المستمر للجرائم المتواصلة.

بات من الضروري أن يكون ملف المعتقلات المتحولة لمسالخ بشرية أمام المحاكم الدولية، ونزع أي شرعية تفاوضية عن النظام بوصفه مجرم حرب، يجب تقديمه للعدالة الدولية، ومطالبته بالكشف عن مصير المفقودين، وإخضاع ملف المعتقلين لإشراف المنظمات الدولية كبند أولي يطرح عند أي تواصل مع أي جهة اقليمية أو دولية، وإعداد ملف كامل يشمل باقي مراكز الاعتقال، مضافًا إليه كل الجرائم التي تندرج تحت بند جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وتبني مصطلح الأسدية مرادفًا للفظاعة والرعب التي تركت آثارها النازية.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]