لماذا لا تستطيع محكمة الجنايات الدولية النظر في قضايا الجرائم المرتكبة في سوريا؟


خلال الاجتماع المستعجل الذي عقده مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن المعارك المتأججة في سوريا، قام السفير البريطاني ماثيو رايكروفت بتجديد دعوته متوجهاً إلى محكمة الجنايات الدولية (CPI) من أجل النظر في قضايا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في البلاد. ومن غير المرجح تحقيق هذا الطلب. ففي المبادرة الأخيرة لمجلس الأمن في سنة 2014، كانت قد استخدمت مجدداً كل من روسيا والصين حق النقض الفيتو. هل من الممكن التغلب على هذا وتجاوزه؟
كارين بونو مسؤولة مكتب الفيديرالية الدولية لحقوق الإنسان (FIDH) تراجع الشروط المسبقة اللازمة من أجل الدخول والإحالة إلى محكمة الجنايات الدولية.

كيف يمكن الدخول إلى محكمة الجنايات الدولية؟
يوجد هناك ثلاث طرق للدخول إليها. تختص المحكمة بمحاكمة الجرائم المرتكبة على الأرض أو بواسطة أحد رعايا أو مواطني دولة موقعة على معاهدة روما للمحكمة الجنائية الدولية المعتمدة سنة 1998. وينطبق ذلك أيضاً على دولة لم توقع على المعاهدة ولكنها اعترفت بصلاحية المحكمة وباختصاصها. وهذا ما حدث بالنسبة لساحل العاج التي كانت قد وافقت في سنة 2003 على صلاحيات المحكمة الجنائية الدولية (1). ويمكن أيضاً لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الدخول إلى المحكمة الجنائية الدولية. وقد جرى بالفعل عدة مناقشات سابقاً بشأن هذه القضية. ولكن في كل مرة، تقوم روسيا والصين دائمتا العضوية في مجلس الأمن باستخدام الفيتو حق الرفض. ومن المهم إعادة وضع هذه القضية بصورة منتظمة في جدول الأعمال السياسي لمنظمة الأمم المتحدة. ولكن طالما أن سوريا لم توقع على المعاهدة و طالما أن روسيا والصين ستستخدمان حق الرفض، لن تستطيع المحكمة الجنائية الدولية التدخل.

لماذا تقوم الصين وروسيا بالاعتراض على إحالة القضية إلى محكمة الجنايات الدولية؟
قامت وزارة الخارجية الروسية في سنة 2013 بالتصريح بأن الإحالة لقضية جرائم الحرب المرتكبة في سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية سوف تكون «غير مؤاتية ولها نتائج عكسية». وروسيا بشكل خاص لديها حرج كبير فيما لو افتتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً [في السابع والعشرين من كانون الأول 2016] بشأن النزاع الذي حصل في سنة 2008 بين جورجيا وروسيا في أوسيتيا الجنوبية. إذاً ولهذا السبب لا تميل روسيا إلى دعم المحكمة الجنائية الدولية لأنها تعلم أنه من الممكن أيضاً أن ينوبها شيء من الملاحقة بسبب بعض الجرائم التي قامت بارتكابها على الأراضي الجورجية.
لماذا لا يوجد لدى المحكمة الجنائية الدولية صلاحيات أكثر شموليةً وذات نطاق أوسع للتدخل في أية دولة؟
تم التفاوض بشأن المعاهدة بين الدول التي تولت تشكيل هيئة الاتفاقية، والتي لا تنطبق إذاً إلا على الدول التي وقعت عليها. نحن نتحدث هنا عن سلطة قضائية عالمية. فمحكمة الجنايات الدولية لديها صلاحيات أوسع من المحكمة الجنائية السابقة ليوغوسلافيا والمحكمة الجنائية لرواندا. لذلك، الشرط هو أن تقوم الدول بالموافقة عليها. وقد فعلت ذلك 124 دولة. ولكن بلدان آخرين كالولايات المتحدة الأمريكية والصين والسودان وكذلك بعض دول آسيا والشرق الأوسط قاموا برفضها.
ما الذي سيحدث فيما إذا تمكن مجلس الأمن من الاتفاق على إدخال المحكمة الجنائية الدولية في القضية السورية؟
سيتعين على مجلس الأمن الإحالة إلى مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية الذي يقرر بدء التحقيق. والمدعي العام هو من سيقرر من هم الأشخاص الذين سوف تتم مطاردتهم ومحاسبتهم. ولن يكون لدى المحققين بالتأكيد إمكانية للوصول إلى الأراضي السورية. ولكنهم يستطيعون جمع شهادات الضحايا والاستناد على عدد من الوثائق الخارجية المنتجة من قبل عدة منظمات دولية. ويمكن للتحقيقات أن تدوم لمدة من الزمن، وأحياناً لعدة سنوات قبل أن تنتهي بمذكرات اعتقال. ولا يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تقوم بنفسها بإيقاف هؤلاء الأشخاص لأنه لا يوجد لديها قوى أمنية. فالأشخاص الذين يتوجب اعتقالهم من خلال عدة دول يتم ترحيلهم وإرسالهم إلى مقر محكمة الجنايات الدولية. وقد أحال مجلس الأمن إلى المحكمة الجنائية الدولية مرتين، في دارفور [سنة 2005] وفي ليبيا [سنة 2011].

ما هي نتائج اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية؟
إنه لمن الصعب تقييم التأثير الذي تستطيع أن توجده. عند الإعلان عن إصدار قرار كمحاكمة الجهادي أحمد الفقيه مهدي المالي المتهم في جرائم حرب لقيامه بتدمير عدة أضرحة مقدسة في تمبكتو، شدد القضاة في محكمة الجنايات الدولية على أن الحقيقة في هذا الحكم يجب أن تكون لمنع حدوث جرائم كهذه في أماكن أخرى. فاليوم، ملاحقة الجناة يسمح على الأقل بالتصدي في وجه الإفلات من العقاب على أشد الجرائم خطورةً و اكتشاف الحقيقية. فهذا أمر مهم من أجل إعادة بناء الضحايا الذين يستطيعون أن يشاركوا في المحاكمات وأن يشاركوا في الإدلاء بشهاداتهم أيضاً.

– (1) كانت المحكمة قد قامت بفتح تحقيق بشأن الجرائم ضد الإنسانية المرتكبة خلال أعمال العنف في مرحلة ما بعد الانتخابات سنة 2010 و 2011.
– لوران غباغبو، الرئيس السابق لساحل العاج الذي تم اعتقاله ونقله إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي.

رابط المادة الرئيسية : هنا.



صدى الشام