سجن صيدنايا ليس المسلخ الوحيد للمعتقلين بسوريا.. خفايا مرعبة في زنازين "تنظيم الدولة"


فيما يسلط العالم الضوء على مجازر نظام بشار الأسد التي ارتكبت في سجن صيدنايا، أحد أكثر السجون إجراماً في سوريا، والذي اعتبر بمثابة "مسلخ بشري" يدخله المعتقلون أحياءً فيخرجون أموات، تتكرر مأساة هذا المسلخ في مناطق تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا، باستخدام أساليب متشابهة مع تلك المتبعة في سجون النظام.

ذلك أن التجاوزات الحاصلة في سجون "تنظيم الدولة" من تعذيب وانتهاكات تجاري ما يحدث في معتقلات النظام، بل وتتشابه معه في كثير من التفاصيل، لتؤكد أن ما جرى هنا، ويجري هناك تم بذات اليد، ونفس الأسلوب والمنهج، وإن اختلفت التسميات ورايات منفذيها.

وما حدث مع الشاب مروان مثال على أن الجلاد في سجون التنظيم، تتلمذ على يد معلميه في سجون الأسد، ويلخص الشاب مروان فحوى محادثة، لعله عثر الآن على إجابات تساؤلاته راودته خلال حديثه مع أحد عناصر التنظيم في وقت سابق.

"أظن أننا قد التقينا من قبل يا شيخي". يأتي الجواب: "لا أعلم، أنا كنت أخدم لدى فرع الأمن السياسي برتبة مساعد أول قبل أن يهديني الله لترك النظام، والالتحاق بركب الدولة الإسلامية"، حسب قوله.

هكذا أجاب "أبو معاذ الأمني"، على سؤال الشاب مروان، وهو يهم بسحب هوية الأخير، قبل أن يسمح له بالمرور من "الحاجز الطيار" الذي يترأسه في ريف دير الزور الشرقي (بالقرب من مدينة العشارة).

و"الحاجز الطيار" هو مصطلح متداول للحواجز المؤقتة التي يقيمها التنظيم على الطرق لفترة وجيزة، قبل أن يغادرها خشية تعرضه لغارة جوية من طائرات التحالف، ليختار نقطة تمركز مؤقتة جديدة.

الشاب مروان، تمكن من الخروج من المناطق الخاضعة لسيطرة "تنظيم الدولة" في سوريا، والوصول إلى الأراضي التركية منذ نحو 3 أشهر، وذلك عقب محاولات استمرت أيام، وبذل فيها الكثير من المال للمهربين داخل مناطق التنظيم، أو على الحدود السورية التركية.

يقول مروان لـ"السورية نت"، إن شقيقه الذي أعدمه التنظيم منذ نحو عام بتهمة "الردة"، تعرض لشتى أنواع التعذيب في السجن قبيل 5 أشهر من إعدامه، مشيراً إلى أنه علم بذلك من خلال أحد معارفه الذي يقاتل إلى جانب التنظيم، والذي نقل لهم نبأ صدور أمر إعدام شقيقهم من القضاة الثلاثة الذي عرض عليهم، ليكون لـ"الشرطة الإسلامية" التنفيذ فقط.

"السورية نت" حاولت الحصول على بعض المعلومات حول طبيعة الجهاز الأمني لـ"تنظيم الدولة"، عبر مجموعة من المصادر إضافة إلى شهادات سكان محليين، وأشخاص خاضوا تجربة السجن لدى التنظيم.

يقول الناشط الإعلامي "بلال الحسن" من شبكة "الناطق" المعارضة، إن أنواع التعذيب المتبعة لدى "تنظيم الدولة"، تكاد تكون ذات الأساليب التي اتبعها ويتبعها نظام الأسد في سجونه، مشيراً في هذا المجال إلى توثيق عشرات الحالات والتي تؤكد حصول أنواع التعذيب المختلفة للمعتقلين، من "تشبيح"، و"إبقاء السجين عارياُ تماماُ لساعات طويلة" و"ًضرب" و"تكسير أعضاء".

وحول وجود حالات موت معتقلين تحت التعذيب، أكد الحسن وجود عدد كبير من هؤلاء، لكن لا يمكن توثيقهم بالشكل المطلوب بسبب رفض التنظيم عادة تسليم جثث من يقوم بقتلهم، وتكفله هو بدفنهم في مقابر مجهولة، و"تم الاعتماد في ذلك على شهادات عدد من الذين كتب لهم الخروج من سجون التنظيم".

وأخيراً نوه بلال، إلى أن "تنظيم الدولة" يقوم بتصوير وتوثيق كافة القتلى لديهم سواء من مات لديه تحت التعذيب أو من خلال الإعدام، و"بالتالي نأمل أن يكون لدينا قيصر جديد يوماً ما، يسرب لنا صور وفظائع سجون تنظيم الدولة". بحسب تعبيره.

ناشط إعلامي (طلب عدم الكشف عن اسمه) اعتزل العمل الإعلامي في مدينته دير الزور منذ دخول التنظيم إليها، إلا أن ذلك لم يعفيه من مساءلات "تنظيم الدولة" مرات عديدة، وتعرضه للتعذيب في كل مرة.

وأكد الناشط لـ"السورية نت"، أنه في كل مرة تنشر صورة أو خبر يتعلق بدير الزور على إحدى الوسائل الإعلامية أو الشبكات المعارضة، يقوم التنظيم باعتقاله هو والأشخاص الآخرين الذين عملوا سابقاً في الإعلام الثوري، الأمر الذي أجبره على ترك دير الزور والإقامة في إدلب، للتخلص من هذا الأمر.

وشدد الناشط على أن هذا الأمر لا يحدث في مجاله فقط، وإنما في المجالات الأخرى، والتي يتعرض فيها الشخص للسجن والتعذيب رغم عدم وجود أية شبهة.

وقال فيما يتعلق بمسألة التعذيب، إن "المعلومات المؤكدة التي لم تخرج للإعلام، هو موت العديد من المعتقلين داخل المستشفيات، أو في كلية الطب المتواجدة في مدينة  الرقة"، متهماً "تنظيم الدولة" بسرقة الأعضاء البشرية.

من المعلومات التي أفادت بها إحدى العائلات في الرقة من جانب آخر، ومؤكدة أن ما حصل معها حصل مع عائلات أخرى، هو إتباع "تنظيم الدولة" أسلوب "التبليغ الكاذب"، وهو عبارة عن إبلاغ ذوي المعتقل لديه بأنه قد تم إعدامه رغم أنه ما زال حياً، لعل أحد من أقاربه أو أصدقائه يقوم بنشر معلومات محددة حوله نفاها المعتقل، رغم كل تعرضه لكافة أشكال التعذيب، ويجري هذا الأسلوب خاصة مع الشباب الذين يتهمون بأنه من عناصر "الجيش السوري الحر" سابقاً.

وتبين المعلومات في هذا الإطار، أن التنظيم نجح فعلاً في الحصول على مراده بهذا المجال، وذلك من خلال قيام أقارب أو أصدقاء المعتقل بنشر صوره وهو في صفوف المعارضة في بداية الحراك المسلح، ورغم أن ذلك يكون قبيل سيطرة التنظيم على دير الزور، والقتال كان ضد قوات النظام حصراً، إلا أن ذلك لا يمنع من عرض هذه "القرائن والأدلة" على القضاة الذين يصدرون أحكام الإعدام عادة بشكل فوري، وهو ما حصل مع العديد من العائلات بحسب ما بينته مصادرنا.

ويذكر في هذا الإطار، أن هذا الأسلوب اتبعه النظام بشكل كبير خلال سنوات الثورة الأولى، ليقوم التنظيم بإتباع الطريقة ذاتها فيما بعد.

المعلومات المتقاطعة التي توصلت إليها "السورية نت"، تؤكد اعتماد التنظيم في جهازه الأمني على أسلوب النظام الاستخباري، والأهم من ذلك، أن تقليد الأسلوب ليس الطريق الوحيد الذي سلكه "تنظيم الدولة"، وإنما عبر تسليم مفاصل هذه الأجهزة للأشخاص ذاتهم، والذين عملوا لسنوات في أجهزة النظام الأمنية، قبل أن يعلنوا انشقاقهم، والتحاقهم بـ"دولة الخلافة" حسب تعبيرهم، وهم بأعداد كبيرة. فكيف كان ذلك؟.

مصدر مقرب من "تنظيم الدولة"، لم ينفي هذه التهمة، بل اعتبرها "وجه حق" وخطوة صحيحة اتبعها التنظيم للاستفادة من خبرات هؤلاء في التحقيق والحصول على المعلومات، و"حفظ ومنع زعزعة الدولة الإسلامية". منوهاً إلى أن القاعدة الأساسية المتبعة - لدى التنظيم - في هذا الأساس، أن "الإسلام يجُبُّ ما قبله".

وأكد المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لـ"السورية نت"، أن "تنظيم الدولة" يعتمد في تطبيق "الأحكام وحفظ الأمن" على 3 أجهزة، هما "الحسبة التي تقوم بتطبيق الشرع فيما يتعلق بالقضايا الشرعية والاقتصادية اليومية، والعلاقات بين الناس وإزالة المخالفات في هذا المجال".

أما الجهاز الثاني، فهو "الشرطة الإسلامية"، الذي يختص بتنفيذ أحكام القضاء سواء قصاص أو تعزير أو غيرها من الأحكام. وهناك "الجهاز الأمني" الذي يهتم عادة بالقضايا الكبيرة التي تمس "أمن الدولة الإسلامية، ولها صلاحيات على العوام وعلى جنود الخلافة" حسب تعبيره.

وأخيراً قال المصدر، إن "الجهاز الأمني" ليس معنياً بإصدار أو تنفيذ الأحكام، لأن مهمته اعتقال المتهمين في قضايا محددة والتحقيق معهم، ومن ثم عرض كل متهم على 3 قضاة يصدر كل منهم حكمة، ليتم اختيار "الحكم الأخف من بين الأحكام الثلاثة، ويتم الإشراف على تنفيذه من قبل الشرطة الإسلامية".

لعل تصريحات المصدر المقرب من "تنظيم الدولة"، حملت الإجابة للشاب مروان الذي خانته ذاكرته للحظات حول مكان رؤية "أبو معاذ الأمني" كما يلقب الآن، ليؤكد أنه تذكر فوراً وأثناء تواجده على الحاجز أين التقى به في سنوات سابقة.

وقال في هذا المجال، إن "أبو معاذ الأمني" حالياً، والمساعد "أبو يعرب" سابقاً، استجوبه في سنوات خلت عندما تقدم للعمل في إحدى الوظائف الحكومية بداية العام 2009، بهدف الحصول على "مسح سياسي" يجريه النظام عادة للأشخاص الذين يتم قبولهم في الوظائف الحكومية.. لكنه خشي من مواجهته بهذه الحقيقة عند الحاجز، كما خشيه سابقاً..!!




المصدر