صانعو السياسات المالية العربية يسعون إلى ضبط المالية العامة
13 شباط (فبراير - فيفري)، 2017
اجتمع في دبي أمس وزراء المال العرب ومحافظو المصارف المركزية ومؤسسات النقد الإقليمية، لبحث «آفاق وتحديات تنويع الإيرادات في الدول العربية» من خلال فرض ضريبة القيمة المضافة المقرر تطبيقها في منطقة الخليج مطلع عام 2018، وغيرها من الإجراءات التي يمكنها رفد المنطقة بموارد، تخفف من آثار تراجع معدلات الدخل جراء انخفاض أسعار النفط وتباطؤ الاقتصاد العالمي، إلى جانب التطورات الداخلية والإقليمية، التي زادت من تحديات المنطقة حالياً.
وأكد أقطاب السياسة المالية العرب خلال الاجتماع الذي نظمه «صندوق النقد العربي» بالتعاون مع «صندوق النقد الدولي»، أهمية المنتدى كملتقى لتعزيز فرص تبادل التجارب والخبرات بين الدول العربية، ومناقشة تحديات السياسات المالية في إطار التطورات الراهنة سواءً على صعيد استراتيجيات تقوية الإيرادات والإصلاح الضريبي أو من جانب تعزيز التنويع الاقتصادي للدول العربية.
وقال المدير العام رئيس مجلس إدارة «صندوق النقد العربي» عبدالرحمن الحميدي إن «المنطقة تحتاج إلى رفع معدلات النمو إلى ما بين 5 و6 في المئة سنوياً، لتتمكن من تحقيق خفض ملموس في معدلات البطالة، خصوصاً لدى الشباب، التي ترتفع في الدول العربية إلى ما نحو ضعفي المعدل العالمي، أي نحو 30.6 في المئة في مقابل 13.1 في المئة».
وأثنى الحميد في كلمته على «جهود السلطات في الدول العربية لتطوير السياسات وتنفيذ الإصلاحات الرامية إلى تعزيز استدامة الإيرادات العامة، بما يخدم الاستقرار الاقتصادي ودعم فرص النمو الشامل»، مؤكداً في الوقت ذاته «أهمية المضي قدماً في تنفيذ مزيد من الإصلاحات في السياسات المالية، وتشجيع القطاع الخاص ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة». ودعا إلى «بذل مزيد من الجهود للارتقاء بالمنظومة الضريبية، حيث تمثل الإيرادات الضريبية ما نسبته في المتوسط نحو 18 في المئة فقط من إجمالي الإيرادات العامة في الدول العربية».
وأشارت إحصاءات «صندوق النقد العربي» إلى أن الاقتصادات العربية حققت في المتوسط معدل نمو بلغ نحو 3.3 في المئة خلال السنوات الخمس الماضية (2016-2012)، بينما تشير التقديرات إلى معدل نسبته 3 في المئة خلال العام الحالي.
وقال الحميدي إن «وتيرة النمو الحالية، لا تزال دون المستوى المرجو الذي يمكن دولنا العربية من تحقيق تقدم على صعيد خفض ملموس لمعدلات الفقر والبطالة، في الوقت الذي تواجه السياسات المالية تحديات كبيرة لضبط أوضاع المالية العامة، حيث يتجاوز حالياً عجز الموازنات العامة للدول العربية كمتوسط نسبة 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ولا شك في أن ذلك، يبرز أهمية السياسات المالية في المساهمة في استدامة الأوضاع المالية، بما يخدم أغراض تعزيز الاستقرار الاقتصادي ودعم فرص النمو الشامل».
ولم ينكر الحميدي أن السلطات في الدول العربية «حرصت على اتخاذ الخطوات والإجراءات اللازمة للتعامل مع هذه التطورات والتحديات. فمن جهة، واصلت الدول العربية المصدرة للنفط استراتيجياتها في دعم نمو القطاعات غير النفطية والتنويع الاقتصادي وإصلاح نظم الدعم، وإصلاح النظم الضريبية وتفعيل الضرائب غير مباشرة لتعزيز إيراداتها العامة. ومن جهة أخرى، ساهم الانخفاض في الأسعار العالمية للنفط للدول العربية المستوردة له في تخفيف حدة الاختلالات المالية، إلا أن فرص تعزيز آفاق النمو لدى هذه الدول يرتبط بقدرتها، في ضوء التطورات الداخلية، على مواصلة الإصلاحات الهيكلية لضبط أوضاع المالية العامة ولتحسين بيئة الأعمال بما يشجع على جذب مزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية. بالتالي أصبح تعزيز جهود التنويع الاقتصادي أمر بالغ الأهمية لكل الدول العربية، بغض النظر عن اختلاف أوضاعها الاقتصادية والمالية، حيث لا تزال أغلب الاقتصادات العربية تعتمد بصورة رئيسة على عدد محدود من صادرات السلع الأولية».
وقال: «لم تكن أبداً فكرة التنويع الاقتصادي بالجديدة على دولنا العربية، حيث بذلت هذه الدول جهوداً لتنويع اقتصاداتها منذ ستينات القرن الماضي لتخفيف أخطار تقلب أسعار النفط والمواد الأولية وتعبئة إيراداتها من مصادر مختلفة، من خلال تحسين وتنمية البنية التحتية وتنفيذ مشاريع في قطاعات اقتصادية مختلفة، تبع ذلك في العقدين الماضيين إيلاء مزيد من الاهتمام لدعم دور القطاع الخاص في تحقيق التنمية مع الاهتمام بتحسين مناخ الاستثمار والارتقاء بمستويات الخدمات العامة».
وأكد صانعو السياسات المالية في المنطقة أن «الصناعات الاستخراجية لا تزال تشكل الجانب الأكبر من اقتصادات الدول العربية على مدار السنوات العديدة الماضية، حيث تمثل نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي لمجموع الدول العربية، مقارنة بأقل من 5 في المئة في الدول المتقدمة. في المقابل تستحوذ الأنشطة الخدمية على نحو 50 في المئة في الدول العربية، مقارنة بنحو ثلاثة أرباع إجمالي الناتج بالنسبة الى الدول المتقدمة، الأمر الذي يبرز الأهمية المتزايدة للاقتصاد الخدمي في الاقتصاد العالمي».
وفي مقابل ذلك، لا تتعدى مساهمة الصناعات الاستخراجية ما نسبته 5 في المئة فقط من إجمالي القوى العاملة بالدول العربية، في الوقت الذي يستأثر القطاع العام بفرص أكثر للتوظيف. وشدد أقطاب السياسات المالية في المنطقة على أهمية دعم قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة لخلق مزيد من فرص العمل، حيث لا تتعدى حصة هذا القطاع 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، و50 في المئة بالنسبة الى التوظيف في الدول العربية، في مقابل 80 في المئة للمؤشرين على الصعيد العالمي.
وأشار المشاركون في الاجتماع إلى أن التحدي يرتكز على الحد من الفجوة الكبيرة نسبياً في الدول العربية بين التحصيل الفعلي والمُمكن للإيرادات الضريبية مع تحقيق توزيع أكثر عدالة للإيرادات الضريبية. ولعل التفاوت في التجارب بين الدول العربية، يمثل فرصة للاطلاع على الدروس المتعلقة بإصلاح الأنظمة الضريبية بما يتناسب وأوضاع وهيكلية الاقتصادات في هذه الدول.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]