القدس في باكورة المسرح الكُردي


مسرحية “مم آلان Memê Alan” أول مسرحية كُردية، كتبها عبد الرحيم رحمي هكاري عام 1919 ونشرها في العددين الخامس عشر والسادس عشر من صحيفة “Jîn/جين”. مع بدء فترة الإصلاح العثماني والمعروفة بـ التنظيمات العثمانية في عام 1839، عرفت اسطنبول المسارح، حيث قدّم خلالها إبراهيم شيناسي ما اعتبر أول مسرحية في التاريخ العثماني (زواج الشاعر/Şair Evlenmesi, 1860)، ثم تلته تجارب مسرحية أخرى، عُرض معظمها في مسارح اسطنبول.
تحت تأثير هذه التجربة التركية المُستقاة من الفرنسية، كتب عبدالرحيم رحمي هكاري (1890-1958) أول مسرحية باللغة الكُردية. (جديرٌ بالذكر أنّ تاريخ الكتابة المسرحية العثمانية لم يبدأ مع “التنظيمات العثمانية”، فحتى قبل القرن التاسع عشر، كان المسرح معروفاً ومنتشرا ولا سيما بين غير المسلمين، “غير المسلم/Gayrimüslim” كما كان يسميهم التركُ العثمانيون).
في هذه المسرحية المكوّنة من فصلين، يقدّم الكاتب قصة من الأدب الشفاهي الكردي على شكل مسرحية. عنوان المسرحية يحمل اسم “مم آلان”، لكن لا علاقة تربطها بالملحمة الشعبية الكردية “مم آلان” والتي تشكّل جوهر ديوان “مم وزين” للشاعر الكلاسيكي أحمد خاني.

استخدام اسم هذه الملحمة الشعبية يثير فضولا لتبنّيها من قبل عبد الرحيم رحمي هكاري، ويدفعنا ربما لترجيح حبّه لها وشهرتها هي وديوان “مم وزين” بين الكتّاب والمثقفين الكُرد حينها. في الفصل الأول من المسرحية، يهبّ بطل المسرحية/ ممو، بناء على طلب أمير منطقة هكاري ليحارب ضدّ الصليبيين الغازين للقدس. يتمحور هذا الفصل بمجمله حول مغادرته لمنزله والحوارات التي تدور بينه وبين “جاف رش” وزوجته غزال.
في الفصل الثاني، نعلم من خلال المونولوج المسرحي للزوجة غزال، أنّ عاما قد مضى على غياب ممو. تخرج أمّه “جاف رش” تاركة الزوجة غزال لوحدها في المنزل، وهنا يعود ممو مكتسيا لباسَ غريبٍ ويبدو وقد تغيّر قليلا خلال العام الذي أمضاه في الحرب، يطرق الباب ويدخل.
ممو لا يعرّف غزال بنفسه وخلال الحوار يظهر اهتمامه بتفاصيل حياة غزال. فضوله حول حياة غزال ينتهي بصدام بين الرجل “ممو” وزوجته “غزال” – التي تجهل شخصيته حتى تلك اللحظة، ذلك أنّ العرف الاجتماعي لا يسمح لرجل غريب بطرح أسئلة شخصية على امرأة.
حين يستوعب ممو أنّ زوجته لا تعرفه، يكشف لها عن شخصيته فترتمي الزوجة في حضنه. بعد وقت وجيز تعود الأم “جاف رش” إلى المنزل وتعتقد أنّ النائم في فراش زوجة ابنها رجلٌ غريب، فتتناول الرمح وتغرسه في جسد ابنها الذي لا تعرفه. حين تصحو على صرخات زوجة ابنها غزال وتدرك فعلتها، تنوح الزوجة والأم على ممو المغدور، وتسرد الأم مأساتها من خلال أغنية ما تزال متداولة بين الكُرد كأغنية شعبية.
في الأصل، القصة كما أسلفنا مستمدّة من الأدب الشفاهي الكردي والتي تسرد بأشكال مختلفة أشهرها سَوق ممو إلى الخدمة العسكرية، لا إلى حرب الدفاع عن القدس كما في المسرحية، حيث يبدو أنّ الرواة الشعبيين قد كيّفوا القصة أو طبّقوا عليها ما يمكن تسميته بالتناصّ الأدبي الشعبي.
على ذات المنوال، يبدو أنّ عبد الرحيم رحمي هكاري قد واءم القصة الشعبية بما يناسب المناخ العام في زمانه. جوهر هذه المسرحية يكمن في استخدام الكردية في كتابتها، لا في القصة ذاتها، ذلك أنّه ماعدا مسألة استخدام الكردية كلغة لها، تبدو المسرحية أقرب إلى تجريب أدبي.



صدى الشام