هل سبنجح ترحيلهم تحت الضغط.. 160 ألف سوري مهددون بفقد أراضيهم في الحسكة

20 شباط (فبراير - فيفري)، 2017

11 minutes

يفكر أحمد العلي (أحد أبناء قبيلة الولّدة العربية الزبيدية) والمتحدر من قرية تل الأرقم في رأس العين بمحافظة الحسكة السورية، في مكان مناسب يلجأ إليه بعد أن صادرت الميليشيات الكردية منزله الذي تبلغ مساحته مع الأراضي المحيطة به (2.5) دونم، وقد حولته الميليشيات إلى مركز تدريب عسكري لقواتها، ولم تكتف بذلك إنما صادرت أرضه التي تبلغ مساحتها (80) دونماً.

ذنب أحمد، بحسب صحيفة “الحياة” اللندنية أن ابنه منتسب إلى تنظيم “الدولة الإسلامية”، وفق زعم قادة الميليشيات عندما أخرجوه مع بقية أفراد عائلته من بيته وأرضه.

ويؤكد أحمد أنه: “مطلوب للأمن العسكري السوري بموجب مذكرة بحث، ولا يستطيع مغادرة الحسكة باتجاه المحافظات السورية الأخرى”. ويقول: “لست أدري أين أذهب ومعي زوجتي وأطفالي”.

وعندما انسحبت قوات النظام من الحسكة تركت العشائر العربية وحيدة في مواجهة ممارسات انتقامية كردية تضمنت اعتقالات وترحيلاَ وتجنيداً، وكان الهدف الأول للميليشيات الكردية تهجير أبناء قبيلة الولّدة العربية الزبيدية الذين يُعرفون محلياً بـ”المغمورين”، لأن الأكراد يعتبرونهم دُخلاء على الحسكة، رغم أن وجودهم فيها تجاوز العقود الأربعة.

ويبلغ عددهم في الحسكة حوالى (160) ألف نسمة، يقطنون في 48 قرية، تتوزع على مسافة بطول 260 إلى 300 كلم من ناحية المالكية شرقاً إلى مدينة رأس العين غرباً، وعرض ما بين 10 إلى 15 كلم.

 خلفية تاريخية

أصدرت الحكومة السورية قراراً بترحيل أبناء قبيلة الولّدة الشعبانية الزبيدية (أكبر قبائل الرقة) عام 1974، إلا أن الشيخ شواخ البورسان (1900 – 1982) شيخ القبيلة في الجزيرة (الضفة اليسرى لنهر الفرات)، رفض الرحيل من الرقة إلى الحسكة، إلا أنه عاد وقبل تحت ضغط الحكومة.

سكنت القبيلة في مساحات شاسعة من أملاك الدولة الخالية إلى أن قامت الحكومة السورية ببناء مساكن ومزارع بدائية في محافظة الحسكة لهذا الغرض، ويبلغ عددها نحو 48 قرية، تمتد على طول الشريط الحدودي من المالكية إلى رأس العين في ما يُعرف محلياً بمنطقة “الخط العاشر”.

وغاب اسم القبيلة في المنطقة الجديدة ليحل مكانه اسم آخر هو “المغمورون”، ويشمل ذلك كل من غمرت مياه بحيرة الأسد أرضه وبيته بعد إنشاء سد الفرات وتشكّل البحيرة خلفه، والتي غمرت ما يزيد عن (85)  قرية يسكنها أبناء قبيلة الولّدة الزبيدية.

واعتبر الأكراد منذ البداية أن ترحيل عائلات من قبيلة الولّدة إلى الحسكة يستهدفهم، مع العلم أن المناطق التي سكنتها عشائر قبيلة الولّدة هي “أملاك دولة” وكانت خالية تماماً من السكان، حتى أن قوانين الإصلاح الزراعي المتعاقبة وزعت الأراضي على جميع الفلاحين من دون استثناء حتى الأكراد “مكتومي القيد” ممن جاؤوا هاربين من تركيا ضمن موجات الهجرة التي بدأت في أوائل القرن الماضي.

ساهم نزوح “المغمورين” رغم قسوته عليهم بإحياء مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت مهجورة، وأقلق هذا النزوح القسري الأكراد، وكانت الثورة السورية فرصة لتظهير قلقهم وتحويله خطوات.

وتشكل قبيلة الولّدة ثقلاً عشائرياً لناحية العدد ومساحة الأراضي ومناطق الانتشار، وتتوزع عشائر القبيلة في ريف الرقة الغربي على امتداد ضفتي نهر الفرات (اليمنى شامية واليسرى جزيرة)، وصولاً إلى بلدة مسكنة وقرى ريف حلب الشرقي.

وأحد أفراد قبيلة الولّدة من آل البورسان قال: “حاولت الحكومة السورية مع بدء الأزمة في البلاد استمالة أفراد القبيلة وتسليحهم ليكونوا رأس حربة في الصراع الدائر، وصد أي تحرك في شمال شرقي، البلاد إلا أن تلك المساعي فشلت، لأن سلطة حزب البعث كانت أهملت المغمورين طيلة عقود، بخاصة بعد أن ضرب الجفاف مناطق الجزيرة، وأبناء القبيلة كانوا منقسمين بين مؤيد ومعارض”

وساهم فساد ضباط الأمن في المنطقة، وسعي حزب البعث الحثيث لتهميش دور العشائر ـ بغية إضعاف العصبية القبلية وإحلال العصبية القومية محلها ـ في إضعاف القبائل العربية على حساب تنامي دور الأحزاب الكردية التي تملك المال والسلاح، وعندما شعرت حكومة النظام بخطورة تنامي الدور الكردي حاولت إعادة تفعيل دور العشائر إلا أن تلك المساعي باءت بالفشل.

ويروي أحد وجهاء العشيرة من آل البورسان: “كلفت الجهات الحكومية قريبنا خلف المفتاح (عضو القيادة القطرية لحزب البعث حالياً) التفاوض معنا، وتعهد أن يزودنا بالمال والسلاح اللازم، وأن تدفع القيادة القطرية رواتب للشباب، لكننا رفضنا الانخراط بمثل هذا المشروع”.

لم ينجح المفتاح في مهتمه لأن أفراد القبيلة كانوا قد انقسموا، وبعضهم كان قد شكل كتائب مسلحة (أويس القرني، أحرار الدبسي، أحرار الطبقة وغيرها) فيما عُرف آنذاك بـ”الجيش الحر”، حتى أن من حصلوا على أسلحة من فرع الحزب بالحسكة للانخراط في “الدفاع الوطني” قاموا ببيعها إلى أقاربهم في تلك الكتائب.

وساهموا في إسقاط الكثير من المدن والبلدات والقرى في الرقة وريفها، إضافة إلى دورهم الفاعل في حصار مطار الطبقة العسكري والفرقة 17، ولم يكن المفتاح يتمتع بحظوة اجتماعية عند أقاربه قبل الثورة أو بعدها لأسباب عشائرية كثيرة.

وتعرض “المغمورون” في الحسكة إلى كثير من المضايقات من جانب القوات الكردية التي سيطرت على ريف المحافظة، على اعتبار أنهم وافدون إلى المحافظة، وما عادت قوتهم كما كانت في زمن مضى، بخاصة مع انقسامهم أمام الثورة السورية.

ويقول عبدالرحمن وهو من أبناء “المغمورين”: “فرضت القوات الكردية التجنيد الإجباري مقابل 100 دولار شهرياً، وكانت الغاية الأساسية لتلك السياسة هي دفع الشباب العرب إلى الهروب خارج حدود المحافظة”.

كما تم ترحيل الكثير من أبناء “المغمورين” في قرى القيروان وتل حلف والراوية والعزيزية والدهماء وتل الأرقم وتلال العلو التي تم إحراقها بالكامل وتهجير أهلها.

وأصدرت اللجنة الزراعية في عام 2014 قراراً صادرت بموجبه آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية بذريعة أن أصحابها يقطنون الرقة، ومنها 1500 هكتار في قرية توكل الغمر، و650 هكتاراً في قرية الحرمون الغمر، و300 هكتار في قرية القحطانية الغمر، و250 هكتاراً في قرية المناذرة الغمر، و50 هكتاراً في قرية معشوق الغمر، و40 هكتاراً في قرية الحمرا الغمر.

إدارة الرقة

ويروي أحد وجهاء “المغمورين”: «مع بدء التقدم الكردي نحو الرقة، بدأ القيادي البارز في التجمع الديموقراطي الكردي عمر علوش يزور وجهاء المغمورين في مضافاتهم يرافقه المحامي عبدالله العريان رجل الأمريكيين شمال الرقة، وحمل علوش معه عرضاً سياسياً لم نتوقعه يوماً وهو مبالغ مالية كبيرة (50 ألف دولار) وسيارات حديثة لاند كروز لكل شخص، على أن يقبلوا بتسميتهم أعضاء في المجلس السياسي لمدينة الرقة عند تحريرها”.

ليس هذا الطرح عادياً، فما يريده الأكراد من هذه الحركة شراء بعض وجهاء العشيرة من “المغمورين” وفي حال موافقتهم على الطرح الكردي يكونون قد أقروا بتخليهم عن أراضيهم وممتلكاتهم وقراهم التي قطنوها منذ عام 1974.

لاقى هذا العرض رفضاً من جانب معظم الوجهاء، إلا أن علوش بعد أن يئس من المواطنين توجه إلى آل البورسان شيوخ العشيرة. ويقول أحد أفراد عشيرة البورسان: “حسب المعلومات التي وصلتنا من علوش نفسه إن موقف الشيخ البورسان كان إيجابياً، وقد تعهد تنفيذ بنود الاتفاق وأن يكون اسمه ضمن المجلس السياسي لإدارة مدينة الرقة ممثلاً عن المغمورين وبذلك يكون البورسان قد أقر رسمياً بعودة العشيرة إلى الرقة”.

أثار هذا الموقف من الشيخ محمود الشواخ البورسان صدمة كبيرة بين أفراد القبيلة، ورغم أن هذا العرض رفضته غالبية الوجهاء، إلا أن الشيخ قبل به حسب أقاربه.

ضغوط أمريكية

عمر علوش المنسق الكردي لملف “المغمورين” نفى علمه بكل هذا الأمر وقال: “من قال إنني حاورت البورسان أو سواهم، المغمورون مستقرون في قراهم ولا أحد يطلب منهم المشاورة، أهل الرقة يتشاورن بين بعضهم بعضاً وفي حال انتهاء مشاوراتهم لابدَّ أنهم سيعلنون نتائج عملهم”.

بينما قال الشيخ محمود البورسان: “نحن نرفض هذا الطرح تماماً، وندرك أن الأكراد يريدون ترحيلنا في شكل مُسيس وبضغط أمريكي مباشر، قدموا لي سيارة خلال أحد الاجتماعات التي عقدت في القاعدة الأمريكية الواقعة بين تل تمر والدرباسية، ورفضت أخذها، لكنهم أصروا وأحرجوني فقبلت بها، لكن لم أقبض منهم أي مبلغ، لكن الضغوط الأميركية كبيرة علينا للقبول بإدارة الرقة بعد تحريرها”.

وأضاف البورسان: “إن نية ترحيلنا مُبيتة، وهذا ما يريده الأمريكيون بالدرجة الأولى عبر تحميلنا مسؤولية إدارة شؤون الرقة، لكن هذا المشروع لن يكون إلا على جثثنا، نحن من الحسكة وسنبقى هنا، وفي الرقة عشائر كبيرة قادرة على إدارة شؤونها في حال تحريرها”.

وأصدر الشيخ محمود البورسان بياناً منذ أيام اعتذر فيه لعدم: “حضور اجتماع لعشائر الرقة متذرعاً بعارض صحي ومتمنياً للمجتمعين النجاح في مساعيهم”.

وهذا هو الاجتماع الثالث إلا أن الشيخ رفض حضوره، بعد أن بدأ خبر النوايا الكردية بترحيل “المغمورين” يطفو على السطح، ويصل إلى الإعلام.

ورغم أن المنظمات الدولية والمحلية قد أصدرت مئات التقارير التي وثقت ارتكاب مجازر وحرق قرى وتجريفها، وتهجير مدنيين ونفي أشخاص واحتلال منازل وقرى ونهب ممتلكات، إضافة إلى قمع تظاهرات، وتجنيد أطفال قامت بها القوات الكردية ضد العرب في المنطقة، إلا أن كل ذلك ذهب أدراج الرياح.

الأكراد يدركون جيداً أنهم أقلية في الحسكة حتى إذا ما تم استثناء أبناء قبيلة الولّدة الذين يقطنون في 48 قرية من أصل 1717 بريف محافظة الحسكة، بينها 1161 قرية عربية ونحو 453  قرية كردية و48 قرية مختلطة عربية وكردية.

ويرى إبراهيم عبدالخالق من قرية القيروان: “أن الصمت على مثل هذا المشروع هو خيانة، لأن الجزيرة سورية وسكانها سوريون من كل القوميات والإثنيات، ولم يكن للمواطنين العرب دور في اضطهاد الأكراد حين كانت السلطة بيد حزب البعث في الحسكة، لذا لا مبرر لما تقوم به الميليشيات الكردية من مشاريع تهدف إلى ترحيل أكبر مقدار ممكن من أبناء العشائر العربية وإرضاء الجزء الآخر بفتات من مناصب شكلية وسيارات وبعض الرواتب والأموال”.

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]