لماذا يُقبِلُ سوريّون على التداوي بالأعشاب في تركيا؟


ربما لم يكن عدد كبير من اللاجئين السوريين في تركيا يعتمد على التداوي بالأعشاب أو ما يسمى بـ”الطب البديل” عندما كانوا في بلادهم، لكنهم وبعد أن خرجوا منها غيّروا عاداتهم في هذا المجال، فمع أن هذا النوع من العلاج الشعبي كان متداولاً في سوريا إلا أنه لم يكن يشكل مصدراً ثابتاً يمكن الاعتماد عليه وجعله بديلاً عن الطب الحديث خصوصاً بعد أن شهد هذا القطاع تقدماً ملحوظاً إلى جانب تطور الصناعة الدوائية السورية ورخص أسعارها فيما سبق، فكيف حدثت النقلة هنا في تركيا بالنسبة لتداول الأعشاب؟ وإلى أية درجة يمكن النظر إلى الأمر على أنه تحول؟

 
عوامل طارئة

يرى الأكاديمي السوري المختص بالطب التكميلي “جهاد إبراهيم شحرور” أن “الشريحة الأكبر من المجتمع السوري لم تغير نظرتها إلى الطب البديل”، لكنه أكد  بالمقابل أنه “بفعل بعض المستجدات الجديدة التي يواجهها اللاجئ السوري في تركيا فقد تغيرت النظرة نوعاً ما إلى الطب البديل”.
ووفقاً لشحرور فإن “حاجز اللغة التركية المستخدمة في المشافي هنا والازدحام فيها، وارتفاع أجور المشافي الخاصة وأسعار الأدوية التركية، والواقع الاقتصادي المتردي لغالبية السوريين كلها عوامل دفعت بالسوريين إلى الإقبال على الطب البديل”.
وأوضح “شحرور” لـ صدى الشام أن للموروث الثقافي العثماني دوراً كبيراً في زيادة إقبال السوريون على طب الأعشاب، مبيناً “أن المجتمع التركي يعتبر نفسه وريث الخلافة الإسلامية وتراثها بكل إنجازاتها بما في ذلك الطب العربي والإسلامي، ولذلك نرى هذا الطب شائعاً ومتداولاً بكثرة لدى الأتراك والسوريين”.
وأضاف :”في كل المدن التركية الصغيرة منها والكبيرة، هنالك أسواق خاصة بهذا الطب، وهي مرخصة رسمياً، وتلقى تشجيعاً رسمياً من السلطة، وذلك نظراً للدور الكبير الذي تقدمه بتحفيز السياحة العلاجية في تركيا”.
لكن إلى أي مدى نجد تقارباً بين الثقافتين؟، يجيب شحرور: “نظراً للتقارب الجغرافي فإن الأعشاب الطبية التي كانت معروفة بسوريا موجودة في الأسواق التركية بكثرة”، وأورد مثالاً على ذلك: “في الثقافة الشعبية السورية يستخدم  البابونج وإكليل الجبل، وكذلك الحال بالنسبة للأتراك”.

 

 

دور وسائل التواصل الاجتماعي

تواظب ربة المنزل “وفاء” المقيمة وعائلتها في مدينة كيلس التركية، على تتبّع صفحات التواصل الاجتماعي المهتمة بالطب البديل، وتحرص على متابعة كل تفصيل يصدر عن هذه الصفحات، لمتابعة شؤون أسرتها الصحية.
وعن مدى نجاعة هذا الطب تؤكد وفاء لـ صدى الشام أنها نادراً ما تأخذ أطفالها إلى المشافي التركية، وتوضح أنها تهتمّ بمتابعة الصفحات الموثوقة، وتطبّق الوصفات التي تلزمها منها.
وتشير وفاء إلى توفر كل الأعشاب الطبية في الأسواق التركية، لكنها “مرتفعة الأسعار نسبياً”.
إقبال رغم الغلاء

من جانبه أوضح تاجر الأعشاب السوري “بسام الأحمد” أن أسعار الأعشاب الطبية في تركيا مرتفعة عما هي عليه في سوريا بنسبة تصل إلى نحو 3 أضعاف في أسواق مدن الجنوب التركي، وبنحو 10 أضعاف في أسواق المدن التركية الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة.
وتابع الأحمد الذي يعمل في مجال بيع الأعشاب بمدينة غازي عنتاب التركية :”أن سعر الكيلو الواحد من أوراق الزيتون المجففة يصل إلى حوالي 30 ليرة تركية في أسواق مدينة إسطنبول، بينما كانت متوفرة بالمجان للسوريين وخصوصاً في الأرياف”.
وأضاف :”لكن مع ذلك نرى إقبالاً من جانب السوريين على شراء الأعشاب الطبية نظراً لأن أكبر وصفة منها لا يصل سعرها إلى مبلغ 15 ليرة تركية، وهو رقم زهيد مقارنة بأسعار الأدوية التركية”.
وشرح الأحمد كيفية تحضير الوصفات قائلاً: ” نعتمد على معلوماتنا المتوارثة في تشخيص الأمراض وتحديد الوصفات الطبية لها، وفي كثير من الأحيان يأتينا الزبون بطلب محدد، ويكون دورنا في هذه الحالة مقتصراً على بيعه إياها”.

 

 

دفاع وانتقاد

من جانبه رأى الطبيب السوري “محمد نديم الحاج” في الأعشاب “بديلاً عن الدواء الكيمائي لبعض الأمراض”، وقال: “لم تعرف البشرية المستحضرات الدوائية المتوفرة بين أيدينا بشكلها الحالي منذ مدة طويلة وإنما منذ حوالي 80 سنة فقط، وقبلها كانت الأدوية مقتصرة على الأعشاب الطبية فقط”.
وأضاف الحاج وهو طبيب أطفال مقيم في مدينة كلس الحدودية “الكثير من المواد المكوِّنة للأدوية الطبية مستخرجة من الأعشاب، وأبعد من ذلك تُعتبر الأعشاب أساس الصناعات الصيدلية”.
وتابع، “على سبيل المثال يصل سعر عقار السعال المستخلص من الأعشاب في تركيا إلى 25 ليرة تركية، بينما نستطيع استبداله بعشبة البابونج رخيصة الثمن”.
لكن وبالمقابل تساءل الحاج ” مع وجود أدوية معقمة ومحضرة تحت إشراف طبي عالٍ ماهي الحاجة للأعشاب الطبية”؟، واستدرك بالقول” لكن هناك استثناءً لأصناف معينة قليلة، منها على سبيل المثال البابونج والكمون والزعتر الأخضر”.
وتجنباً لحالات الغبن والغش التي تحصل دعا “الحاج” السوريين إلى التحري والبحث عن أشخاص ممارسين لمهنة طب الأعشاب، محذراً في هذا الخصوص من أن تعاطي الأعشاب الطبية بطريقة خاطئة، شأنه شأن تعاطي الأدوية بشكل اعتباطي الذي يؤدي إلى تأثيرات جانبية قد لا يحمد عقباها.
وفي السياق ذاته لم ينكر الأكاديمي المختص بالطب التكميلي جهاد إبراهيم شحرور “وجود متطفلين على مهنة طب الأعشاب”، مبيناً “أن هذه المهنة شأنها شأن بقية المهن الأخرى”.

 

علم قائم بحد ذاته
من جانب آخر دافع شحرور عن الطب التقليدي واصفاً إياه بـ”العلم القائم بحد ذاته”، وتحدث عن وجود اهتمام عالمي به من قبل دول متقدمة مثل الصين وفرنسا وغيرها من الدول الأخرى.
كما أشار شحرور إلى اهتمام مصر وبلدان المغرب العربي بالطب البديل، موضحاً أن: “هذا العلم أصبح مؤطراً بقواعد، ويعتبر في كثير من الأحيان حلاً لكثير من الأمراض المستعصية على الطب مثل الفشل الكلوي، والتهاب الكبد”.



صدى الشام