صمودٌ رغم الآلام… ثوار الزبداني شوكةٌ في حلق (حزب الله)


محمد كساح: المصدر في تموز 2015 تابع السوريون وغيرهم من المهتمين بالقضية السورية واحدةً من أشرس المعارك في القلمون، حيث صد مئات من الثوار أعنف حملة قادها جيش النظام مدعوماً بميليشيا حزب الله اللبناني للسيطرة على الزبداني، والتي تعتبر آخر مدينة حدودية مع لبنان في منطقة ريف دمشق لا تزال بيد المعارضة. لكن، وبعد الوصول إلى تهدئة بعد ثلاثة أشهر من المعارك الدامية، اختفت الزبداني عن شاشات الإعلام، لدرجة أن هناك أموراً مغيبةً تماماً اليوم لا يعلمها إلا القليل من المهتمين. وقال “عامر برهان” مدير الهيئة الطبية في الزبداني، في تصريح خص به “المصدر”: “في الزبداني اليوم لا يوجد مدنيون إطلاقا، الجميع مقاتلون، عدا بعض الأشخاص الذين يشكلون المجلس المحلي والهيئة الطبية التي أديرها”. وتشرف الزبداني على الطريق العام بين دمشق وبيروت. ويعتبرها حزب الله اللبناني منطقة مهمة جداً لأنها تقع على طريق إمداداته بين سوريا ولبنان.

تموز الدامي

بعد سيطرة جيش الفتح على مدينة إدلب وجسر الشغور وتمددهم لمساحات واسعة في الساحل السوري، عمل النظام على رفع معنويات جيشه المنهارة عن طريق إشعال معركة الزبداني. وفي شهر تموز 2015 بدأت أرتال من جيش النظام وحزب الله هجومها على المدينة، حيث جرت معارك طاحنة ومقاومة عنيفة جداً من قبل الثوار، أدت لاستمرار الحملة مدة ثلاثة أشهر. وأكدت تقارير صحفية نشرت في حينها استخدام النظام في المعركة لأكثر من ألف برميل متفجر، إضافة لآلاف الصواريخ والقذائف، كما وثق نشطاء استعماله لقنابل النابالم المحرمة دوليا. انتهت المعركة في أيلول من نفس العام، حيث توصل الثوار والنظام لما عرف بالاتفاقية الرباعية التي تقرن الزبداني ومضايا بقريتي كفريا والفوعة، حيث أعلن عن وقف إطلاق النار في الزبداني في 20 أيلول لتنتهي المعركة التي أسفرت عن 200 قتيل في صفوف النظام و150 لدى حزب الله، وفقاً لإحصائيات صحفية، وسيطرت قوات النظام على معظم المدينة حيث حوصر الثوار في جيب صغير في مركز المدينة.

منطقة عسكرية

ظروف المعركة أدت بثوار الزبداني إلى إرسال عائلاتهم للإقامة في بلدة مضايا، حيث اكتسبت المدينة تدريجياً طابعاً عسكرياً صرفا. وقال “عامر برهان” خلال تصريحه، إن المتواجدين حالياً في الزبداني هم من فئة الشباب فقط. مضيفا “لا يوجد معنا نساء أو أطفال أو كبار في السن”.
وأوضح برهان أن الثوار يسيطرون على “مركز المدينة ضمن مساحة تقدر بـ 1 كم مربع”. مضيفاً “نحن محاصرون من أكثر من ألف عسكري يتمركزون في 200 نقطة عسكرية على محيط الزبداني”. وتابع قائلا: “ظروفنا من الناحية العسكرية صعبة للغاية بسبب ارتباطنا بالاتفاقية الرباعية التي تربط بيننا وبين كفريا والفوعة في الشمال السوري، لذلك لا نستطيع أن نأتي بأي حركة على الصعيد العسكري”. وعقب توقيع اتفاق التهدئة، انتهت الأعمال العدائية من الطرفين. لكن منذ 7 أشهر وحتى اللحظة يتلقى المحاصرون في المنطقة القذائف يومياً تحت ذريعة حدوث خروقات في الشمال على قريتي كفريا والفوعة، ما أدى لسقوط قتلى وجرحى بسبب القنص والقصف.

مصدر وحيد للطعام

وقال “برهان”: “نحن نعيش فقط على المساعدات الأممية التي تدخل بشكل دوري كل شهرين أو ثلاثة أشهر. نحن منذ 2015 نقتات على هذه المساعدات، وليس لدينا أي مصدر آخر”. ويتابع “مررنا بمراحل جوع في نفس التوقيت مع مضايا، أدت لحدوث وفيات، وإضافة للأمراض ونقص التغذية، مشكلتنا الصحية في تناولنا لنوع واحد من الغذاء، وهو الحبوب الذي يدخل ضمن قوافل المساعدات الأممية، والذي يقتصر على البرغل والعدس والحمص والطحين، لذلك نعاني من مضاعفات هذا الأمر، ما يسبب أمراضا مثل القصور الكلوي ونقص التروية ونقص التغذية، وكل ذلك نتيجة عدم التنوع الغذائي”. وبالنسبة للوضع الطبي قال “برهان”: “لا يوجد لدينا أي طبيب. في بداية الهدنة كان لدينا طبيب أخصائي جراحة، حيث كان الطبيب الوحيد، لكنه تعرض للإصابة بطلقة أحد قناصي حزب الله ما أدى لوفاته، واليوم لا يوجد لدينا طبيب جراح، لذلك نحن في غاية الحرج في حال أتتنا إصابة في حاجة لعملية جراحية”، وأضاف “منذ حوالي شهر وعشرة أيام أجرى صيدلاني عملية فتح بطن لأحد المرضى”. وفي المقابل أدت الحملة الشرسة على المدينة إلى تدمير جميع المؤسسات القائمة في الزبداني، ومنها المستشفى الوحيد في المدينة. وأشار “برهان” إلى “أنهم في الوقت الراهن يتلقون بعض الأدوية من الأمم المتحدة. مضيفا أن “كل الأدوية المزمنة مفقودة منذ سنة تقريباً كأدوية الضغط والقلب والسكري”، وختم قائلا “بصراحة… وضعنا الصحي والمعيشي والنفسي في غاية السوء”. 
 




المصدر