المونيتور: لماذا تعمل الأردن على تغيير استراتيجيتها في سوريا؟


بات من الواضح أن الأردن تعمل على اتباع استراتيجية جديدة في في ظل التطورات السياسية والعسكرية الأخيرة هناك. وفي قلب هذه التحولات، يكمن استعداد الأردن لرسم مسار أكثر استقلالية في التعامل مع نظام بشار الأسد، وذلك عبر استغلال العلاقة الجيدة بين الملك عبدالله الثاني والرئيس الروسي فلاديمير لتأمين وقف إطلاق النار في مناطق جنوب سوريا بالإضافة إلى الشروع في جهود المصالحة بين النظام وجماعات المعارضة المعتدلة وزعماء القبائل في الجنوب وأخيراً تركيز الجهود العسكرية على محاربة وجبهة فتح الشام في مناطق البادية السورية.

وقبل توجهه إلى واشنطن في 2 فبراير لزيارة عمل بلغت ذروتها إثر لقائه مع الرئيس الأمريكي دونالد ، توقف في موسكو قبل ذلك وتحديداً في 25 يناير الماضي لمناقشة الوضع السوري مع بوتين ودور الأردن في محاربة الإرهاب والعملية السياسية في سوريا التي سبق وأن انطلقت في العاصمة الكازاخستانية استانا في 15 يناير الماضي. وتحدث الملك أيضاً عن الوضع في جنوب سوريا والذي يرتبط مباشرة باستقرار الأردن وأمنها القومي.

وفي زيارته السابقة إلى موسكو والتي تبعت التدخل العسكري الروسي في سوريا في سبتمبر 2015، توصل الملك عبدالله إلى اتفاق مع بوتين وصفه المراقبون على انه “اتفاق رجال محترمين” على عدم استهداف الجنوب الروسي بالضربات العسكرية الروسية والسماح للأردن باستخدام نفوذها مع فصائل والقبائل المحلية لمنع زحف المقاتلين الجهاديين وتسهيل تسليم المعابر للجيش النظامي السوري.

وبعد سقوط الجزء الشرقي مند مدينة في ديسمبر الماضي وتقدم الجيش العراقي البطيء لتحرير الموصول من سيطرة داعش، يسعى الأردن إلى التأكد من عدم توجه المتشددين إلى البادية السورية بالقرب من حدوده الشمالية. ويرى الأردن في هذا الصدد أن مخيمات اللاجئين على الجانب السوري من الحدود الأردنية تمثل تهديداً مستمراً للمملكة، حيث ووفق اعتقاد الأردن فإن عملية اختراق هذه المخيمات ستسهل شن هجمات ضده انطلاقاً منها. وفي أكتوبر الماضي، أعلنت داعش مسؤوليتها عن هجوم انتحاري بسيارة مفخخة استهدف عدداً من افراد الأمن الذين كانوا يحرسون نقطة دخول إنسانية إلى مخيم الركبان الحدودي.

وخلال لقائه مع ترامب، اطلع الملك على إمكانية إنشاء مناطق آمنة في سوريا، وأكد الرئيس الأمريكية مساهمات الأردن الحاسمة في هزيمة داعش وفقاً لبيان البيت الأبيض حينها. في حين لم يصدر الأردن أي رد فعل رسمي على اقتراح ترامب الغامض هذا، فعمان تملك مصلحة حقيقية في رؤية مثل هذه المنطقة الآمنة تنشؤ في مناطق جنوب سوريا. ويستضيف الأردن حالياً أكثر من 600 ألف لاجئ سوري بتكلفة مالية ضخمة عليه، ويرى أن إنشاء مناطق آمنة داخل سوريا سيشجع عودة بعضهم بشكل طوعي إلى سوريا.

والأكثر أهمية هنا هي الرسائل الإيجابية التي أرسلتها للنظام السوري. ففي 30 ديسمبر الماضي، قال الجنرال محمود فريحات، رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأردنية في تصريح لقناة بي بي سي العربية أن هناك اتصالات بين ضباط الجيش الأردني والجيش السوري بشكل متواصل، وأشار إلى أن تدريب مقاتلي المعارضة في الأردن يهدف إلى توجيههم لقتال الإرهابيين وليس النظام في دمشق. وحذر أيضاً في حديثه من ممر بري إيراني يمتد من إلى لبنان مروراً بالعراق وسوريا. وفي يوم 9 فبراير الجاري، أشار بسام البدارين مراسل القدس العربي في عمان أن على مملوك أكبر المسؤول الأمني السوري زار عمان سراً أكثر من أربع مرات خلال الأشهر القليلة الماضية.

وإبان اندلاع الانتفاضة السورية في مارس 2011 قدم الأردن دعمه للمتمردين لكنه أصر في المقابل على التوصل إلى حل سياسي. وانضمت الأردن لاحقاً إلى مجموعة أصدقاء سوريا التي طالبت برحيل الأسد. وأتاح الأردن أيضاً إنشاء مركزاً للعمليات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة قرب عمان حيث كان يشرف هذا المركز على تنسيق عمليات المتمردين في الجنوب السوري. وظهرت بعض التقارير مؤخراً لتؤكد أن الأردن قلص أنشطة المركز خلال الأسابيع الأخيرة بغية فتح قنوات اتصال مع دمشق.

وفي 4 فبراير، أعلنت القوات المسلحة الأردنية أن طائرات مقاتلة بدون طيران تابعة لها استهدفت بعض المواقع في جنوب سوريا بما فيها أحد المواقع الذي تمكن الجهاديون من السيطرة عليه بعد طرد قوات النظام منه. دمشق من جهتها –والتي انتقدت الأردن كثيراً في السابق لدعمها الجماعات المتمردة في سوريا- لم تبد أي تعليق على العملية هذه.

وفي علامة قوية أخرى على دعم عمان لمسار أستانا، انضم مسؤولون اردنيون إلى اجتماع تقني معني بوقف إطلاق النار في سوريا في العاصمة الكازاخستانية يوم 6 فبراير. وكانت الأردن هي الدولة العربية الوحيدة التي دعتها موسكو إلى هذا الاجتماع.

ونقلت صحيفة الدستور الموالية للحكومة في الأردن عن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يوم 13 فبراير قوله أن الأردن يساعد في جلب أطراف إضافية لحضور اجتماعات استانا. وبعدها بيوم ذكرت الصحيفة نفسها أن لا فروف أكد مرة أخرى على دور الأردن في التأثير على عدد من المجموعات المقاتلة في الجبهة الجنوبية في سوريا. وقد أكد الأردن مشاركته في الجولة الثانية من محادثات أستانا.

وفي لقاء مع الصحفيين الأردنيين شدد الملك عبدالله على أهمية الوصول إلى وجود وقف لإطلاق النار في جنوب سوريا وفقاً لصحيفة جوردان تايمز. ومع ذلك، لم تعلق الحكومة على الانفجار المفاجئ للقتال يوم 13 فبراير في مدينة المقسمة بين قوات الجيش النظامي وعدد من الجماعات المتمردة التي تقودها جبهة فتح الشام.

وكان المعلق السياسي في صحيفة الدستور قد كتب في 6 فبراير أن هناك تطورين مباشرين أجبرا الأردن على اعتماد نهج عسكري استراتيجي جديد في سوريا. الأول هو وجود مجموعة جيش خالد بن الوليد، إحدى الفصائل المبايعة لداعش في حوض نهر اليرموك في منطقة غير بعيدة عن الحدود الأردنية. والثاني مرتبط بسلسلة الهجمات الإرهابية التي استهدفت الأردن العام الأردن وقامت داعش بتبنيها. وقال أبو رمان:” أن داعش لم تستهدف الأردن بشكل مباشر في الماضي، لكن ومع هذا التحول تجد الأردن نفسها في حرب مفتوحة مع هذه العصابة”.

ومن خلال المشاركة في عملية أستانا، تشير الأردن إلى تغير في موقفها تجاه دمشق حيث بدأت في البحث عن مصالحها الخاصة في خضم المحادثات السياسية التي ترعاها روسيا التي تسعى إلى تثبيت وتوسيع وقف إطلاق النار بما يمهد الطريق أمام جولة جديدة من محادثات جنيف.

وفيما يتعلق بأهم أولويات عمان فهي تتمثل بالحفاظ على السلام والاستقرار في جنوب سوريا وحماية الحدود الشمالية للأردن كما أعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في 9 فبراير حيث نفى حينها وجود اتصالات مع إيران بشأن حماية الحدود الشمالية للأردن، لكن كل من واشنطن وموسكو تبديان دعمهما للموازنة التي تسعى الأردن للقيام بها في سوريا في الوقت الراهن.

هذه المادة مترجمة من موقع للاطلاع على المادة الأصلية اضغط هنا




المصدر