صحيفة سويدية باللغة العربية بجهود صحفي سوري


منذ وصوله إلى السويد لاجئاً، آثر الصحفي السوري “محمد البلوط” أن لا يستكين لحياة اللجوء التقليدية كما يفعل كثير من أقرانه، وفي سبيل تحقيق ذلك لم يكتفِ بتعلم اللغة السويدية من المدارس، وهو الذي سعى -متحدياً- أن يكمل عمله الصحفي بلغة غير لغته الأم التي اعتاد على نقل الأخبار بها، بل إنه اختار منافسة الصحافة السويدية في عقر دارها من خلال التدرّب في المؤسسات السويدية الإعلامية، وعبر الكثير من الجهد والمثابرة الشخصية.

وكان من المفترض أن لا يكون “البلوط” قد اجتاز مرحلة إتقان اللغة، فلم يمضِ على وصوله إلى هنا ثلاث سنوات، لكنه اليوم وبالإضافة إلى كتابته المقالات والتقاير الإخبارية في الصحافة السويدية صار يترجم باحترافية المقالات التي تكتبها الصحافة السويدية إلى العربية والعكس، وينشرها في صحيفة محلية ناطقة بثلاث لغات (السويدية، الإنكليزية، العربية) يتولى هو إدارة القسم العربي فيها.
موزاييك

حملت الصحيفة الناشئة اسم “موزاييك” في إشارة إلى التنوع والاختلاف، وعن ذلك يقول البلوط: “ما حدث هو التقاء أفكار بيني وبين إدارة صحيفة يومية تصدر في مدينة “كريستيانستاد” لتأسيس صحيفة تابعة للمشروع الأم  لتكون بمثابة صلة وصل بين المجتمع السويدي وبين المجتمع الوافد الجديد”.
ويضيف في حديثه لـ”صدى الشام”: “بدأ العمل على تنفيذ المشروع بعد أن أُوكلت إلي إدارة القسم العربي فيها، وهنا بدأت المهمة الأصعب، أي كيفية اختيار المواد الصحفية وتوجهها وما إلى ذلك”.
وتصدر الصحيفة الشهرية بعدد نسخ إجمالي يبلغ 7 آلاف، وتوزع بشكل مجاني على سكان المدينة السويدية على اختلاف لغاتهم، وتتوجه بشكل رئيسي إلى أوساط المهاجرين لشرح القوانين السويدية وتقديم بعض النصائح، فضلاً عن التركيز على قصص النجاح اللاجئين الذين تغلبوا على الكثير من العوائق التي يفرضها الاندماج المجتمعي.

وبالإضافة لذلك، أكد البلوط أنه “عدا عن وظائفها التقليدية، فإن موزاييك باتت وسيلة  لدى بعض اللاجئين لتعلم اللغة السويدية”، مشيراً إلى أن الصحيفة تُدرس في بعض المدارس السويدية في المدينة، ويدقق محتواها في بعض مراكز الأبحاث.
التنوع وحرية التعبير

يَصِف البلوط  “موزاييك” بـ”المرآة” التي تعكس التنوع والتعدد الثقافي في السويد، ولذلك تتناول الصحيفة في عدد واحد مواضيع إشكالية متناقضة، مثل المثلية الجنسية والحجاب الإسلامي.
وعن كيفية تحقيق ذلك يعلق قائلاً: “لأننا في مجتمع متعدد الأعراق والثقافات فيجب على الصحيفة أن لا تنحاز إلى طرف، بل إلى الحقيقة فقط رغم صعوبة الأمر”.
ويتابع: “أنا كصحفي منحاز إلى الجميع، لكنني كسوري أنا منحاز للثورة وهذا وسام أعلقه على صدري”.
وبالعودة لمسيرة “البلوط” فقد عملَ – قبل أن يكون لاجئاً- في قناة فضائية ليبية اسمها (النبأ) وفي صحف عربية، لكنه بعد أن مارس المهنة في الصحافة الغربية يجزم بأن “حرية التعبير هي جوهر هذه الصحافة”، ويضيف “لست مقيداً لا بتوجه ولا بإيديولوجيا، أنت حر في انتقاد من تشاء، لكن لست حراً في أن ترفع صوتك دون أن تمتلك الدليل، فبالنهاية أنت المسؤول الوحيد عن مصداقية ما تكتب”.
ويمضي البلوط موضحاً: “تمتاز الصحافة الغربية عن قرينتها العربية بالتعددية، وإتاحة طرق عدة للصحفي للبحث عن المصادر للتحقق من المعلومة”، مضيفاً أنه “لا يسمح بنشر فيديو أو صورة دون البحث عن ملكيتها، ودون أخذ الإذن بنشرها أو استخدامها”.

 

 

جانب مظلم

من جانب آخر لم ينكر البلوط أن لكل وسيلة إعلامية غربية كانت أم عربية توجهات خاصة بها، ويعقب بالقول:”على سبيل المثال نشاهد صحف غربية مملوكة لأحزاب معينة، ونقرأ فيها انتقاداً للحزب نفسه، أي أن الحزب لا يسيطر إلا على  نسبة محددة من الحيز الإجمالي فيها، ولا علاقة له بما يكتب في المساحات المتبقية”.
وفي حين لا يقلل البلوط من شأن حضور التيارات اليمينية المعادية للهجرة في كل البلدان الأوروبية، فإنه يعقّب بالقول “لكن للحرية الصوت الأقوى”، لافتاً إلى أن الصحيفة واجهت بعض الانتقادات التي كان مَرّدها إلى استخدام اللغة العربية للنشر في بلد يتحدث باللغة السويدية، ويشير في هذا السياق إلى تذرّع شخصيات منتمية لتلك التيارات بأن هذه الخطوة قد تعرقل الاندماج الذي يسعى المجتمع إلى تحقيقه، مستدركاً بالقول “لكن هذا واجَهنا مع بداية صدور الجريدة، وبعد أن اتضح لهم الهدف انتهى كل ذلك”.

 

 

“البلوط” بسطور

يعرف البلوط عن نفسه أنه “ابن الحضارة السورية”، فهو الذي ترعرع في مدينة “الحراك” بمحافظة درعا، والطالب الجامعي في مدينتَي حمص ودمشق والثائر إلى جانب الثوار في كل المحافظات السورية.
شارك البلوط في بداية المظاهرات التي اندلعت في مدينة درعا “مهد الثورة”، وعمل ناشطاً إعلامياً وصحفياً في الداخل السوري ومراسلاً لجريدة “القدس العربي” وما زال، قبل أن ينتقل مع بداية العام 2012 إلى ليبيا للعمل إعلامياً مع قناة “النبأ” حتى منتصف العام 2013، حين وصل إلى السويد لاجئاً.



صدى الشام