الغرب في رسالة إلى روسيا: أنتم من أفسد الوضع، وأنتم من عليه إصلاحه الآن


“نحن أفسدنا الأمر، وأنتم ستقومون بإصلاحه”

هذا هو الموقف الروسي الجديد تجاه سوريا، بعد أكثر من عام على انضمام الطائرات الروسية إلى نظام الرئيس بشار الأسد وحليفته إيران في سحق ثوار المعارضة، تقول موسكو إنها لن تقدم شيئاً لإعادة إعمار البلاد. حان دوركم، تقول الحكومة للقوى الأوروبية، أولئك الداعمين الخاسرين و”غير الجادين” للثوار السوريين منذ بدء الصراع منذ 6 أعوام.

إن قيام موسكو بزيادة الطين بلة ليس بالأمر المفاجئ، فقد كتب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيناريو خاصاً به عن التدخل العسكري في الشرق الأوسط، وعلى عكس جميع الأدلة، فقد صاغ القصف من قبل الطائرات الروسية على أنه حملة ضد الإرهاب وصوّر نفسه بالمنقذ لسوريا.

وحسب “هيومن رايتس ووتش”، أودى القصف الروسي السوري لمدينة حلب في سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول بحياة ما يربو على 440 مدنياً، بالإضافة إلى ارتكابهم جرائم حرب. لكن عندما يتعلق الأمر بالحرب السورية، فلم يكن هناك أية مساءلة، كما أن الطرفين متهمان بارتكاب الأعمال الوحشية، وقد تمتعت روسيا وحلفاؤها بالإفلات التام من العقاب؛ إذ أظهروا تفوقاً على خصومهم، وبهذا يستطيع السيد بوتين الترويج لروايته.

 

وبعد سقوط شرق حلب التي يسيطر عليها الثوار نهاية العام المنصرم، استعاد النظام السوري السلطة على أربعة مراكز ريفية كبرى، ليمنحه ذلك السيطرة على ما يسميه البعض سوريا “المفيدة”.

لم تنتهِ الحرب بعد: فوقف إطلاق النار الذي وافق الثوار عليه ما يزال محفوفاً بالمخاطر، والمعركة لتحرير مدينة الرقة الشمالية، عاصمة تنظيم الدولة الإسلامية الآخذة في التراجع، لم تبدأ بعد. كما أن تدخل روسيا في سوريا قد قضى في الأصل على المطالب الغربية المستمرة منذ وقت طويل والتي تدعو إلى تنحي الرئيس الأسد، وسيفرض الحل العسكري الآن شروطاً للتسوية، إن كان هناك تسوية بالفعل.

وتجري الآن إحدى جولات المفاوضات بين النظام والثوار تحت إشراف روسي وإيراني وتركي في أستانا. كما استُؤنفت جولة أخرى، برعاية الأمم المتحدة، في جنيف، إلا أنها لم تنجُ من ملاحظة سياسيي المعارضة بأن “المرحلة الانتقالية” المتوقعة بالنسبة لسوريا تؤكد على وجود تشكيلات “حكومية” جديدة ودستور بدلاً من خروج دكتاتور سوريا.

إن خسارة النفوذ بالإضافة إلى عدم اليقين من نوايا إدارة ترامب، جعلت من الداعمين العرب والغربيين للمعارضة يسعون إلى إيجاد أوراق مساومة جديدة، وقد يؤمن موقف روسيا الظاهر إعادة إعمار سوريا إحداها.

كما أخبرني دبلوماسيون من أوروبا والأمم المتحدة والدول العربية في الأيام الماضية، أن النفوذ الوحيد المتاح من هذه النقطة هو استخدام أموال إعادة الإعمار لتقوية موقف المعارضة التفاوضي، كما تعتزم “فيدريكا موغيريني”، منسقة السياسة الخارجية في الأمم المتحدة، عقد مؤتمر في بروكسيل لتناول قضية إعادة إعمار سوريا.

وكان قد أخبرني أحد الدبلوماسيين بالتالي: “يقول الأوروبيون للروس، في كل فرصة مناسبة، إنهم في حال أرادوا تقديم المساعدة في إعادة إعمار سوريا يجب عندها أن تُمنح المعارضة مقعداً كبيراً على طاولة مفاوضات السلام. وهذا، كما يشير تأويله، قد يعني تحولاً سياسياً كبيراً سيؤدي في نهاية المطاف إلى قدوم رئيس جديد. وإلا، يقول الدبلوماسي، قد تُوَجه الرسالة إلى الروس فيما معناه “أنتم من أفسد الوضع، وأنتم من سيصلحه”.

 

بينما يلجأ آخرون، في الشرق الأوسط، إلى الاستشهاد بالمثل العربي القائل بأن “كل ديك على مزبلته صياح” لوصف أهمية ورقة إعادة الإعمار. ويقول الدبلوماسي: “إن تخلصت من القمامة، سيسقط الديك”.

وليس هناك من يشكك في أن الأسد يفضل أن يبقى معلقاً ببلد مدمرة بدلاً من عدم الوجود على الإطلاق. ويقوم الرهان في أوروبا وفي الشرق الأوسط على أن روسيا قد تفكر في الأمور بطريقة مختلفة. فبعد أن ادّعت تحقيق النصر في سوريا، ليست مستعدة لأن تتحمل العبء على المدى الطويل.

علاوةً على ذلك، فإن صفقة كبرى بشأن إعادة الإعمار والفترة الانتقالية قد تمسي ممكنة في مرحلة ما في المستقبل، أما بالنسبة للوقت الراهن، فالتحاور بشأن إعادة الإعمار يبدو محض أمنيات. سيتم تدمير المزيد من سوريا قبل أن يتم إعادة بناء أي قسم منها. لن ُيقْدم أحد على سكب النقود لتمويل كارثة واضحة، وحتى في حال اختارت روسيا منح الأوروبيين والعرب دوراً أكبر في التوصل إلى حل سلمي، ربما يعول الأسد على إيران في مقاومة الفترة الانتقالية وبذلك يبقى الديك على قمة المزيلة.

 

رابط المادة الاصلي: هنا.



صدى الشام