خيارات صعبة أمام تركيا والمعارضة: طريق منبج تصطدم بالنظام


يتجه الوضع في منبج إلى مزيد من التعقيد مع تأكيد موسكو أمس الجمعة ما أعلنته “قوات سورية الديمقراطية”، بشأن عزمها تسليم العديد من القرى الواقعة غرب مدينة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي إلى قوات النظام السوري، بهدف عزل منبج عن قوات “درع الفرات” المدعومة من تركيا التي ستصبح أمام خيارات صعبة تبدو فيها المواجهة هي الراجحة، ليس مع قوات النظام السوري والمليشيا الكردية التي تصنفها أنقرة كتنظيم إرهابي وحسب، بل مع كل من الولايات المتحدة وروسيا أيضاً.

وأكد رئيس المديرية العامة للعمليات في هيئة الأركان الروسية، سيرغي رودسكوي، أمس الجمعة، أن “وحدات الجيش السوري وصلت إلى المنطقة الواقعة جنوب غرب مدينة منبج التي تسيطر عليها وحدات الدفاع الذاتي الكردية”، مضيفاً: “وفقاً للاتفاقات التي تم التوصل إليها بمساعدة من قيادة القوات الروسية في سورية، سيتم إدخال وحدات من القوات المسلحة التابعة للجمهورية العربية السورية بدءاً من يوم 3 مارس/آذار، إلى الأراضي التي تسيطر عليها وحدات الدفاع الكردية”.

وكان مجلس منبج العسكري قد أعلن الخميس، عن اتفاقه مع الجانب الروسي على تسليم القرى الغربية في ريف منبج لقوات حرس الحدود التابعة للنظام السوري، فيما نفى وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في وقت لاحق وجود اتفاق مع موسكو حول تسليم قرى خاضعة لسيطرة قوات المعارضة إلى قوات النظام السوري.

هذا التطور يضع تركيا في موقف صعب، ويقطع تقريباً سبل التفاهم مع روسيا، التي من الواضح أنها اختارت وضع ثقلها لصالح محور النظام-الوحدات الكردية، بغية تحجيم دور تركيا في تلك المنطقة ومنع تمددها جنوب مدينة الباب، بعدما أغلقت قوات النظام الطريق في وجهها هناك، ومنع تقدّمها أيضاً باتجاه منبج عبر وضع قوات النظام مجدداً في مواجهتها.

وبهذا لا يبقى أمام تركيا سوى خيار مواصلة الضغط على الولايات المتحدة لإقناعها بالضغط على القوات الكردية للانسحاب من منبج، بناء على اتفاق سابق بين الطرفين. وقال وزير الدفاع التركي، فكري إشيك، أمس إن بلاده “تنتظر انسحاب عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي (الذراع السورية لحزب العمال الكردستاني) من غرب نهر الفرات”. وذكر إشيك في تصريحات للصحافيين في ولاية بالك أسير أن بلاده تنتظر من الولايات المتحدة الأميركية الوفاء بتعهداتها في سحب قوات “الاتحاد الديمقراطي” من غرب الفرات، مجدداً التأكيد على أن أولوية بلاده هي “تحرير مدينة منبج، وأنها تنتظر من التحالف الدولي، وفي مقدمته أميركا، الالتزام بوعودهم في هذا الموضوع”. ولفت إشيك إلى أن تنظيم “داعش” ترك بعض أماكن سيطرته لقوات النظام السوري، وكذلك عناصر “وحدات حماية الشعب” وحزب “الاتحاد الديمقراطي” يقومان بترك بعض أماكن سيطرتهما إلى النظام السوري، و”هذا يظهر صدق الرواية التركية التي تؤكد تعامل هذه التنظيمات الإرهابية مع بعضها البعض” مشيراً إلى أن بلاده تواصل جهودها مع جميع الأطراف للتوصل إلى آلية لتطهير مدينة منبج.

وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي التركي، أوكتاي يلماظ، لـ”العربي الجديد”، إن ما أعلنته موسكو بشأن تسليم الوحدات الكردية قرى غرب منبج لقوات النظام السوري يُعد “تطوراً خطيراً يلغي التفاهمات السابقة بين تركيا وروسيا بشأن تجنّب المواجهة بين قوات (درع الفرات) والنظام السوري في هذه المنطقة”.

وتساءل يلماظ: “كيف تقبل الولايات المتحدة وجود قوات النظام السوري في المنطقة التي تسيطر عليها، بينما ما زالت رسمياً تعتبر النظام السوري نظاماً إرهابياً وفاقداً للشرعية”، متسائلاً أيضاً عن مغزى أن تدفع الولايات المتحدة وروسيا الطرفين، أي النظام السوري وتركيا، إلى المواجهة، معتبراً أنه ربما يكون هناك تفاهم حول الرقة بين الولايات المتحدة وروسيا والأكراد، واتفاق الجميع على تحجيم دور تركيا.

وحول الخيارات المتاحة أمام أنقرة في هذا الحالة، قال يلماظ إن هذا الوضع محرج لتركيا، ولن تقبل به على الأرجح، مشيراً إلى أنها ستواصل غالباً جهودها لإقناع الولايات بإخراج الأكراد من منبج وإلا سوف تضطر لإخراجهم بالقوة بغض النظر عمن يكون في مواجهتها على أطراف المدينة، لافتاً إلى أن منبج تقع على الحدود التركية، ولا يمكن لتركيا أن تتركها لأطراف أخرى قد تهدد مصالحها الاستراتيجية.

وأوضح أن من بين الخيارات المطروحة أمام تركيا للضغط على الموقف الأميركي هو إغلاق قاعدة “أنجرليك” التركية في وجه الطائرات الأميركية، مستدركاً بالقول إن تركيا ستحاول ألا تصل الأمور إلى حد المواجهة مع روسيا والولايات المتحدة، خصوصاً أن الموقف الأميركي لم يتضح بشكل جلي حتى الآن، وما زالت تركيا تنتظر الرد الأميركي على مقترحاتها بشأن استعادة الرقة.

من جهتهم، أكد عدد من قادة الفصائل في قوات “درع الفرات” عزمهم على دخول مدينة منبج بغض النظر عمن يكون في المدينة أو في أطرافها الغربية. وقال العقيد أحمد عثمان، أحد هؤلاء القادة، في تصريحات صحافية، إن فصائل الجيش الحر “ستواصل تقدّمها بغض النظر عن العدو الذي أمامها، حتى تحرير منبج، ومن ثم الوصول إلى مدينة الرقة”.

أما رئيس المكتب السياسي في “لواء المعتصم” مصطفى سيجري، فقد حذر قوات النظام من الوقوف أمام فصائل الجيش السوري الحر التي ستتجه لتحرير مدينة منبج، مشدداً في حديث مع “العربي الجديد” على أن عملية “درع الفرات” مستمرة حتى تحقيق كامل أهدافها وأبرزها إقامة منطقة آمنة في شمال سورية. وأشار إلى أنه لا يمكن لأحد أن يتوقّع ما قد يحدث في الساعات القليلة المقبلة، ومن المفترض أن تتبلور الأحداث وفقاً للخرائط الميدانية، قائلاً إن “هناك نوعاً من الالتفاف على الموقف التركي وهذا الالتفاف لا يمكن أن يجري من دون موافقة أميركية، كون الأمر يخص الأكراد”.

وأعلن سيجري أن “الروس لا يقومون بأي تنسيق مع فصائل المعارضة المقاتلة ضمن عملية درع الفرات”، مشيراً إلى أن “الطرفين الروسي والتركي حريصان على عدم الصدام”، لافتاً إلى أنه على الرغم من تصريحات القادة الروس والأتراك بأن هناك تقارباً، ولكن في الواقع هناك اختلاف في المصالح بين الطرفين، وسيحدث الصدام قريباً، كون الأمر الوحيد الذي يلتقي عليه الطرفان هو وحدة سورية، في حين تختلف مصالحهم على بقيّة الأمور.

وذكر أن القيادات العسكرية في النظام السوري تدخل المناطق التي تسيطر عليها المليشيات الكردية وتشاركها بالخطط منذ أشهر، ولكن بشكلٍ سري، مؤكداً أن “الجيش السوري الحر لن يقف مكتوف الأيدي وسوف يستكمل عملية تحرير مدينة منبج، حتى لو كانت قوات النظام داخلها، وحتى لو لم تتدخّل تركيا”، موضحاً أن المعارضة السورية معنية بتحرير كافة الأراضي السورية وليس هناك ما يمنعها عن ذلك. وأردف أيضاً: “لدينا الكثير من الأوراق الميدانية الرابحة التي لم نستخدمها، ومن الممكن أن تظهر مستجدات في الساعات القليلة المقبلة”، موضحاً أن فصائل “درع الفرات” قد تهاجم في الأيام المقبلة منبج أو تل رفعت أو عفرين.

من جهته، اعتبر قائد اللواء الأول في “فيلق الشام”، النقيب سعد الدين صومع، أن “قوات سورية الديمقراطية” والنظام السوري هما كيان واحد على الرغم من اختلاف التسمية، و”نحن في درع الفرات سندخل إلى منبج سلماً أو حرباً، وسنستمر في تطهير أرضنا من الطغاة والغلاة والانفصاليين” مشيراً إلى أن “العمود الفقري لمقاتلي درع الفرات هم من شباب منبج، ولديهم العزيمة لتحرير مدينتهم من الانفصاليين، مهما كانت التكلفة”.

وكشفت مصادر محلية عن أن القرى التي انسحبت منها “قوات سورية الديمقراطية” في غرب منبج تصل إلى أكثر من 15 قرية، وتشمل المساحة الممتدة من مدينة منبج إلى بلدة العريمة، ما يجعل قوات “درع الفرات” في مواجهة قوات النظام، وليس الوحدات الكردية. ولفتت إلى أن أهم هذه القرى هي عون الدادات، الهوشرية، عرب حسن، الحلونجي، الأوشرية وقراط.

غير أن الناشط في المنطقة، عدنان الحسين، أوضح لـ”العربي الجديد” أن قوات “درع الفرات” تستطيع الوصول إلى منبج من دون التصادم مع قوات النظام السوري التي ستنتشر في المنطقة بعد اجتياز نهر الساجور، شمال منبج، والذي ينبع من تركيا ويخترق الحدود السورية التركية عند بلدة عين عزة، في محافظة حلب، ويسير في سورية حتى ينتهي باندماجه مع نهر الفرات من الضفة الغربية للنهر، لافتاً إلى أن عرض النهر لا يتعدى في كثير من المناطق ثلاثة أمتار ومياهه ليست عميقة.

وكانت قوات “درع الفرات” قد سيطرت خلال اليومين الماضيين على بعض القرى جنوب غرب منبج، مثل تل تورين وقارة الواقعتين قرب بلدة العريمة. وتؤكد تركيا بشكل شبه يومي على لسان كبار المسؤولين فيها وفي مقدمتهم، الرئيس رجب طيب أردوغان، أن الهدف التالي لقوات “درع الفرات” هو مدينة منبج، ومن ثم الرقة، وتدعو القوات الكردية إلى الانسحاب منها طوعاً، قبل أن تدخلها حرباً. وفي تصريحات له الخميس، حذر وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، من أن بلاده ستقصف مليشيا “وحدات الحماية” الكردية، في حال لم تنسحب من مدينة منبج.

من جهته، نفى المتحدث باسم “وحدات الحماية” الكردية ريدور خليل، أن تكون الأخيرة قد أرسلت تعزيزات عسكرية إلى مدينة منبج لمواجهة الجيش التركي من الجهة الغربية لمنبج. وقال خليل في تصريحات صحافية: “لم نتلق حتى الآن أي طلب رسمي من المجلس العسكري لمدينة منبج وريفها من أجل مؤازرتهم ومساندتهم”.

من جهة أخرى، واصلت قوات النظام والمليشيات الموالية لها أمس، الجمعة، تقدّمها على حساب تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) لتسيطر على قرى جديدة في ريف حلب الشرقي وتوسع نطاق سيطرتها في هذه الجبهات، بالتوازي مع حركة نزوح كبيرة تشهدها قرى وبلدات ريف حلب الشرقي بعد وصول المعارك إلى هذه المناطق.

وسيطرت قوات النظام على قرى برلهين وأبو طويل وأبو جدعة شمال غربي مدينة دير حافر، بعد انسحاب مقاتلي تنظيم “داعش” منها نحو بلدة أم العمد، التي تشهد اشتباكات بين الطرفين في محاولة من قوات النظام للتقدّم نحوها، حيث تبادلا القصف المدفعي والصاروخي. ومع سيطرة قوات النظام على هذه القرى، تكون قد قطعت معظم خطوط الإمداد الواصلة بين بلدة أم العمد ومدينة دير حافر شرقي حلب، الأمر الذي دفع تنظيم “داعش” إلى شن هجوم معاكس نحو تجمّعات قوات النظام في قرية زعرايا، شمالي شرقي مطار كويرس العسكري، حيث استهدف أحد انتحاريي التنظيم بعربة مفخخة تلك القوات، مما أدى إلى سقوط أكثر من عشرة قتلى وعدد من الجرحى.



صدى الشام