جهود فردية في مخيم جيلان بينار لتعليم الأطفال السوريين المتسربين.. تجربة تستحقق التعميم


رغداء زيدان ـ خاص السورية نت

في مخيم جيلان بينار للاجئين السوريين الواقع في ولاية شانلي أورفة جنوب تركيا، يعيش نحو 30 ألف سوري، بينهم نسبة كبيرة من الأطفال، وبعض هؤلاء الأطفال انقطع عن التعليم، ولم يعد بإمكانه الالتحاق بالمدارس المقامة في المخيم، نتيجة أسباب كثيرة، تعود بالدرجة الأولى لعدم قدرته على التأقلم مع من هم أصغر منه سناً من الطلبة، وعدم قدرته كذلك على اللحاق بمن هم في مثل سنه تحصيلاً.

وبمبادرة مخلصة ذاتيه، قام بها سوريون يعيشون في المخيم، تُقام دورات تأهيلية لهؤلاء الأطفال المتسربين من المدارس من أجل تمكينهم من اللحاق بأقرانهم، ومتابعة ما فاتهم من التعليم.

"السورية نت" التقت بالأستاذ منور فيصل الناجي (مواليد حماة 1980م) مدرس في المخيم، وهو المشرف على هذه الدورات، لم تمنعه مسؤولياته ومتابعته لدراسته في كلية العلوم السياسية في الجامعة من القيام بما يمليه عليه ضميره والاهتمام بهؤلاء الأطفال.

يقول الأستاذ الناجي: "من أهم الأعمال التي يقوم بها المركز الثقافي السوري في مخيم جيلان بينار الذي افتتح بجهود الأستاذة ابتسام شاكوش هي دورات محو الأمية للمتسربين عن المدارس أو الذين لم يدخلوها بعد بسبب الظروف الراهنة" للسوريين.

ويبين الناجي أن مبادرة تعليم المتسربين "انطلقت عند سؤالنا لمجموعة من الفتيان المتسربين، عن سبب عدم التحاقهم بمدارس المخيم فكانت معظم الأجوبة أنهم لا يجيدون القراءة والكتابة، فعمدنا نحن أسرة المركز الثقافي في المخيم على افتتاح دورات محو أمية لهؤلاء الفتيان".

ويوضح الأستاذ الناجي أن  "مدة الدورة أربعة شهور تقريباً، نعلمهم فيها القراءة والكتابة ومبادئ في الرياضيات، ونعيدهم بعدها إلى مدارس المخيم بين رفاقهم".

وقال إن الفئة المستهدفة من المبادرة هم الفتيان المتسربون من المدارس الذين تتراوح أعمارهم بين عشر سنوات و13 سنة تقريباً، مبيناً أن التعامل مع هذه الشريحة يقوم على الصداقة والأخوة، حيث يركز الأسبوع الأول من كل دورة على زرع الأخلاق والاحترام المتبادل، والحوار مع الآخرين.

ويقول: "وجدت الطريقة المناسبة للنهوض بهم، نزلت إلى مستوى تفكيرهم، حاورتهم، شاركتهم همومهم، ورويداً رويداً نهضت بهم إلى مستوى لابأس به".

ويشير الأستاذ الناجي إلى أن علاقته بهؤلاء الطلاب لا تقتصر على المدرسة فهو يتابعهم في سلوكهم بشكل دائم حتى في الطريق، ويساعدهم في حل مشاكلهم، موضحاً أنه عمد أن تكون العلاقة بينه وبينهم علاقة أخوية، قائمة على الصداقة. "فإذا  قصّر أحدهم إما أن أحضنه بين يدي وأفهمه أن ميزة الصداقة هي الوفاء والمفروض أن تلبي ما يطلبه منك صديقك، أو أجلس إلى جانبه وأحدثه إن كان هناك أي مشكلة منعته من كتابة الوظيفة أو حفظ الدرس".

وبيّن الأستاذ الناجي أن الدرس المقدم للطلاب "حسي قصصي لأبعد الحدود، وأكون حريصاً على إيصال المعلومة بأساليب عديدة، أهم شيء أنني ألتمس لكل طالب عذراً فنحن نعيش في مخيم والحياة قاسية بعض الشيء".

ويتابع: "أعمل بشكل دائم على زرع الثقة في نفوسهم وحثهم على الصدق في كل خطوة يخطونها، وفي بداية كل حصة ينصب طالب أستاذاً على رفاقه يشرح لهم الدرس السابق، وبهذه العملية نفتح لهم باب الطموح والأحلام بالمستقبل".

وأشار الناجي في حديثه لـ"السورية نت" إلى أن "المكافأة لها حيز كبير في إنجاح العمل حتى لو كانت بسيطة، فمثلاً هناك تنصيب لملك جدول الضرب يومياً، ويحصل الطالب على هدية مقابل حفظه. هذا الأسلوب يشجع بقية الطلاب".

وتحدث الناجي عن مسرحية يقوم بتمثيلها مع الأستاذة ابتسام شاكوش أمام الطلاب في بداية كل دورة: "تسألني: هل كنت تعرف القراءة والكتابة؟. أجيبها: لا ما كنت أجيد القراءة ولا الكتابة حتى أدخلني والدي المدرسة وتعلمت وها أنا أعلم ما تعلمته"

ويضيف: "نكثر من الحوار في هذا المجال على مسامع الطلاب. وهناك منهاج نتبعه هو كتاب للأستاذ محمود المصري بعنون حديقة العربية، وفي الرياضيات ندرس العمليات الحسابية ومبادئ فيها".

وعلى الرغم من الإمكانيات البسيطة المتاحة في المركز الذي هو عبارة عن صالة جادر (خيمة) خصصتها إدارة المخيم للمبادرة، مع بعض الدعم من الأصدقاء، يتابع الأستاذ الناجي ورفاقه عملهم بصدق، والهدف كما قال: "إنقاذ هؤلاء الفتيان من الشتات"

ويختم حديثه مع "السورية نت" قائلاً: "خططنا المستقبلية التي نتمنى أن تتحقق في القريب العاجل، أن تفتح مراكز ثقافية في كل المخيمات وأن تكون هذه الدورات أساساً في العمل لإنقاذ هذا الجيل من الضياع".

الجدير بالذكر أن المركز الثقافي في مخيم جيلان بينار يقوم بعدة أعمال، بحسب ما أفادت به مؤسسته الكاتبة السورية ابتسام شاكوش "السورية نت":

ففي مجال التعليم يقدم  دورات محو أمية وتأهيل للفتيان المتسربين من المدارس لإعادتهم إلى صفوف تناسب أعمارهم وتحصيلهم.

كما يقيم دورات تقوية في المواد الأساسية لطلاب الشهادات (لغة عربية- رياضيات - فيزياء - كيمياء- انكليزي).

ويقيم دورات في اللغة التركية للكبار، ودورات في العمل الجماعي والتنمية البشرية يقدمها مختصون من خارج المخيم ودورات في التمريض والإسعافات الأولية.

وفي مجال الثقافة، يقدم المركز دورات في تعليم الكتابة الأدبية للطلاب، ودورات في العروض وبحور الشعر، ويعقد أمسيات شعرية وقصصية يستضيف فيها أدباء من خارج المخيم، بالإضافة إلى مسابقات أدبية للطلاب ومحاضرات في التاريخ تهدف لتصحيح التاريخ المزور.

كما أشارت الكاتبة شاكوش إلى أن المركز يعقد جلسات مطالعة ويشجع على القراءة لكل الأعمال ويقوم بإعارة الكتب من مكتبة المركز، والتي تشمل الكتب الأدبية والتاريخية والإسلامية.




المصدر