دول العالم تَضِيق بالسوريين.. والحدود تحتجز أحلامهم بالعبور

7 مارس، 2017

في عام 1984 أنتجت السينما السورية فيلم “الحدود” الذي يصوّر قصّة البطل الذي عَلِق على الحدود بين دولتي “شرقستان وغربستان” المفترضتين، ومكث في العراء بين الدولتين معظم سنوات حياته.

أحداث الفيلم تظهر أن البطل تأقلم على العيش في هذه المنطقة النائية، وأسس بيتاً ومقهى وتزوج وأمضى بقية حياته بين الحدود، غير أنه وبعد 33 عاماً من إنتاج هذا الفيلم، تكرّرت القصة لكن في الواقع لا في السينما، إذ وجدَ عشرات الآلاف بل مئات آلاف السوريين أنفسهم عالقين على الحدود في أكثر من مكان، تلك الحدود الطويلة في امتدادها والضيقة في احتضان أحلامهم.

 

حدودٌ سوريّةٌ وغير سوريةٍ

في الصحراء التي لا يعرف المتوقف فيها شرقه من غربه،علِق مئات السوريين جنوب البلاد على حدود الأردن التي منعت اللاجئين من الدخول إليها بعد أن اكتفت باستضافة مئات الآلاف منهم، هناك يرتبط تدفق الفارين بالعمليات العسكرية التي يشنّها نظام الأسد في الجنوب والتي تؤدّي لمزيدٍ من موجات النزوح، أمام ذلك كان الحل لهؤلاء بناء مخيّم “الركبان” الحدودي والذي يعتبر أسوأ التجمّعات البشرية في العالم على الإطلاق.

على الجانب الآخر ومع الجارة الشمالية تحديداً، اقتربت السلطات التركية من إنهاء بناء الجدار الحدودي مع سوريا، لمنع العبور غير الشرعي، كما نشرت شرطة “جندرما” على طول حدودها لإبعاد السوريين الساعين للهروب من نيران المعارك.

أما إلى الشمال فهناك يعلق حوالي 70 ألف لاجئٍ معظمهم سوريون على الحدود اليونانية المقدونية بعد إقرار “اتفاق وقف تدفّق المهاجرين” الموقّع بين تركيا واليونان قبل نحو عامٍ من الآن، والذي أدّى لاتخاذ مقدونيا قراراً بإغلاق حدودها بينما كان هؤلاء يحاولون اللحاق بمن سبقهم نحو دول أوروبا الغربية.

وغير بعيد عن مقدونيا يعلق آلاف اللاجئين السوريين على الحدود الهنغارية، فقد كان حظ هؤلاء سيئاً لأن القرار بإغلاق الحدود تم اتخاذه قبل أن يعبروا هنغاريا التي صُنّفت على أنها أسوأ دول البلقان تعاملاً مع اللاجئين، فقد تركت معظم العالقين في العراء يواجهون ظروف الطقس القاسية دون تقديم أدنى مساعدة، ويُضاف إلى هؤلاء من علق في صربيا أيضاً.

 

طرق بديلة

“يوجد لدينا طريق تهريب مكفول إلى تركيا بـ 1500 دولار” لا تتفاجأ إذا وجدت هذه العبارة خلال تجوّلك في شوارع ريف إدلب، فقد تمكّن بعض المهربين من شق ثغراتٍ صعبة المسير لكنها توصل للهدف، حيث لجأ سوريين لإيجاد حلولٍ بديلة للخلاص من مصير مجهول في ظل عدم وضوح مستقبلهم.

غياث الشريف، شاب سوري هُجّر من مدينة خان الشيح بريف دمشق قبل أشهر بعد اتفاق بين وجهاء البلدة ونظام الأسد، ووصل إلى إدلب وبقي دون منزل أو عمل، وبعد أسابيع من البقاء على الحدود تمكّن من العبور إلى تركيا.

يقول لـ “صدى الشام”: “خرجت من الحصار في خان الشيح ووصلت إلى إدلب، ولكن هناك كانت المعيشة صعبة، فقد تم وضعنا في خيامٍ سيئة دون أدنى متطلّبات الحياة، ومن يملك الأموال يتمكّن من استئجار بيوت وتأمين حياة كريمة”.

وأضاف أن الوضع في إدلب لم يكن أحسن حالاً من خان الشيح لأن الطيران يكاد لا يُغادر سماء المدينة، فلجأ إلى أحد المهرّبين للوصول إلى تركيا وبدء حياة جديدة.

وعلى غرار تركيا فإن العالقين على الحدود الأردنية يلجؤون لدفع المبالغ للمهرّبين لقاء دخولهم، أما في اليونان فانتعشت حركة السفر من مطار أثينا، إذ يقوم سوريون بدفع مبالغ كبيرة للمهربين مقابل إيصالهم إلى دول أوروبا الغربية بالطائرة، أما من لا يملكون المال فيبقون بانتظار مصيرهم على الحدود.

 

الفشل الأوروبي

منذ بدء تكدّس السوريين على الحدود اليونانية والصربية والمقدونية والهنغارية توالت التصريحات الرسمية الأوروبية التي تقر بالفشل الأوروبي حيال اللاجئين.

وقبل نحو عام، قالت المتحدثة باسم وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين أدريان إدواردز: “إن أزمة اللاجئين في طريقها للتفاقم جراء التكدس السريع للمهاجرين على حدود اليونان” مشيرةً إلى أنها “على أعتاب أزمة إنسانية من صنع أيدي الدول الأوروبية”، وأضافت أن هذه الظروف تسبب نقصاً في إمدادات الغذاء والدواء بالإضافة لفقدان المأوى وتردي الظروف الصحية، مؤكدةً أن آلاف المهاجرين يقضون الليل في العراء عند المعبر ما تسبب في تزايد التوتر بين عناصر الأمن والمهاجرين.

من جانبها حذرت مسؤولة في منظمة الصليب الأحمر الدولية كارولين هاغا من خطورة الأوضاع الصحية خاصة بسبب انتشار الانفلونزا في الشتاء الماضي بين عشرات المهاجرين خاصة الأطفال نتيجة النوم في العراء مع انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون عشر درجات مئوية خلال ساعات الليل.

ودعت مفوضة الحكومة الألمانية الجديدة لحقوق الإنسان بيربل كوفلر إلى نهج تعامل إنساني مع اللاجئين، وقالت كوفلر: “إن غالبية اللاجئين يأتون من بلدان مثل سوريا تحدث فيها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وإن نظام الأسد مسؤول عنها “، مشدّدةً على أنه يجب حماية الرجال والنساء والأطفال السوريين الذين فروا من الاضطهاد والحرب.

 

بين مخالفة القانون والجريمة

في حديثٍ لـ “صدى الشام” قال المحامي غزوان قرنفل رئيس “تجمّع المحاميين السوريين الأحرار” إن دول الجوار السوري (لبنان والأردن وتركيا والعراق) ليس من حقّها إغلاق الحدود في وجه طالبي اللجوء أو الحماية، وأي إجراء في هذا الصدد هو مخالف للقوانين الدولية ولا سيما قانون حقوق الإنسان العالمي، لأن الحصول على الحماية حقٌّ مشروع.

وأضاف قرنفل، أنه بالنسبة للعالقين في اليونان أو صربيا وغيرها من الدول، فإن هؤلاء الأشخاص لا يريدون تقديم اللجوء في تلك الدول بسبب عدم قدرتها على منحهم أي حقوق، لذلك فإنهم يفضّلون الذهاب إلى دول أوروبا الغربية التي تؤمّن لهم حقوقاً أكبر، منتقداً الإجراءات الأوروبية بإغلاق الحدود في وجههم.

ونصح قرنفل العالقين في اليونان تحديداً بأن يسارعوا إلى تقديم اللجوء فيها قائلاً: “إذا تقدّم معظم السوريين في اليونان بلجوء فإنهم يجبرون اليونان على المضي في إعادة توطينهم بدولٍ أخرى كونها غير قادرة على استضافتهم”، لكنه أشار إلى أن السوريين لا يقومون بهذه الخطوة خوفاً من فرزهم إلى دولة هم لا يريدونها لذلك فإنهم يرفضون تقديم اللجوء في اليونان.

وتابع أنهم إذا أقدموا على هذه الخطوة فإنهم يبعدون عن أنفسهم تطبيق الاتفاقية التركية الأوروبية القاضية بإعادتهم إلى تركيا من جهة، ويضمنون لأنفسهم التوجه إلى دولة أوروبية عبر نظام إعادة التوطين من جهةٍ اخرى.

وختم بأن إغلاق الحدود يُعتبر مخالفاً للقانون، إلّا أن استهداف العابرين هو جريمة يجب المعاقبة عليها، مخاطباً السوريين: “أنصحهم بالابتعاد عن فكرة عبور الحدود التركية على وجه الخصوص عبر التهريب، والبحث عن طرق أخرى كلمّ الشمل وغيرها”.

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]