هل خضعت وزارة الصحة بحكومة النظام لمطالب المعامل والشركات؟

7 مارس، 2017

دون سابق إنذار رفعت وزارة الصحة في حكومة النظام أسعار الدواء مجدداً، واكتفت بتبرير خطوتها هذه بما أسمته “تصحيحاً”، وتذرعت بأنها عدّلت أسعار الأدوية القديمة لتصبح مماثلة للجديدة، ضمن خطتها لتوفير الدواء في السوق المحلية.

وعلى الرغم من ارتفاع أسعار الأدوية مسبقاً وبشكل غير رسمي إلى ما يقارب الأربعة أضعاف فقد صدر قرار رسمي جديد يرفع أسعارها بحدود تراوحت ما بين 200 إلى 400%.

وشهدَ سوق الدواء نقصاً حادّاً في معظم الأنواع والتي بلغت أكثر من 100 زمرة دوائية هامة، فضلاً عن تحكم المستودعات بتوفير الأدوية النوعية والمطلوبة من قبل المرضى كأدوية القلب والضغط وأدوية الأطفال.

 

تكتم ولا تعقيب

“أسعار الأدوية تعاود الارتفاع مجدداً”، خبرٌ كان له وقع الصاعقة على المواطنين فقد رفع فاتورة الاستشفاء عند معظم المرضى، ولكن الملفت في هذا القرار عدم صدور إيضاحات رسمية حوله سوى ما تناقلته صفحات التواصل الاجتماعي عن وزارة الصحة في حكومة النظام بأنها قامت بتعديل أسعار الأدوية القديمة لتصبح مماثلة للجديدة من باب تصحيح أسعار بعض الأصناف من الأدوية المفقودة بما يغطي الكلفة ويضمن توفيرها في السوق، هذه المتغيرات تركت صداها بين الناس بالنظر إلى هذا القرار الجديد المجحف الذي يُعبّر عن عدم اكتراث حكومة النظام بالأحوال المادية التعيسة جداً لمعظم المواطنين السوريين.

وعلى الرغم من عدم تبيان نسب الارتفاع التي طرأت على الأدوية بشكل رسمي، إلا أنه يمكن اكتشاف هذه النسب عبر الاطلاع على الأسعار الجديدة في أية صيدلية.

 

ارتفاع فاحش

 أحد الصيادلة العاملين في مناطق النظام، رفض الكشف عن اسمه، ذكرَ في تصريح لـ صدى الشام أن معظم الشركات الدوائية رفعت أسعار أدويتها ومستحضراتها، وشملت القائمة شركات (يونيفارما، التراميديكا، البلسم، المتوسط، حماة فارما، راما فارما، الرازي، راشا، ابن حيان، ميديكو، الشهباء، أفاميا والفارس)، وأضاف أن أدوية التروكسين ارتفعت من 280 ليرة إلى 930 ليرة، وارتفع سعر دواء الكاربتيك من 395 ليرة سورية إلى 1935 ليرة، كما ارتفع سعر دواء الميزاكول من 485 ليرة سورية إلى 2160 ليرة، وغريب ستوب “شراب” من 120 ليرة إلى 525 ليرة، ومشابهات الفلاجيل “ميترونيدزول” من 130 ليرة إلى 520 ليرة، فيما ارتفع سعر شراب امبروكسول من 170 ليرة إلى 375 ليرة، أما شراب ايبودرين ارتفع سعره من 250 ليرة إلى 545 ليرة، وتعدّ هذه الأصناف من الأدوية المطلوبة عند معظم السوريين، ولفت الصيدلي إلى أن هذه الارتفاعات تعتبر فاحشة ولن يستطيع المواطن تحملها، مستغرباً كيفية اعتماد وزارة الصحة لهكذا أسعار دون دراسة للأحوال المادية للمرضى، مستهجناً في الوقت ذاته فكرة الإنصات لمطالب معامل الأدوية برفع الأسعار دون أن يتم الالتفات إلى حالة المواطنين المادية.

وأكد الصيدلي أنه لم يعد هناك دواء سعره أقل من 100 ليرة، وهو ما كان يتوفر سابقاً بالنسبة لبعض الأنواع، أما الآن فمعظم الأدوية أصبح سعرها يبدأ من 250 ليرة فما فوق، مع الإشارة إلى أن معظم المعامل وشركات الأدوية احتكرت الأصناف لحين صدور هذا القرار لتعود وتطرحها بأسعار مرتفعة، كحال دواء “برونكوفيللين حب و شراب” الذي عاد منذ أيام إلى معظم الصيدليات ولكن بأسعار مرتفعة وذلك بعد انقطاع لفترة طويلة.

وأشار الصيدلي إلى أن معامل الأدوية قلصت إنتاجها لكثير من الأنواع خلال الأشهر الماضية، كون حكومة النظام لم تستمع لمطالبها برفع الأسعار، ما أدى لحدوث نقص حاد في كثير من الأدوية، وباتت رفوف الكثير من الصيدليات فارغة تزامناً مع تجارة واحتكار واضح من قبل المستودعات التي وجدت أنها الفرصة الذهبية لها في فرض السعر الذي تحدده هي لقاء حصول الصيدلي على أنواع معينة من الأدوية وخاصة أدوية الالتهاب.

 

منعكسات سلبية

خبير في الشؤون الصحية بيّن في تصريح خاص أن رفع سعر الأدوية سيكون له منعكسات سلبية كبيرة على المجتمع السوري، فالذي حدثَ حالياً كما وقع سابقاً عندما قامت حكومة النظام برفع أسعار المازوت والبنزين، فالأمر لا يتعلق فقط بالدواء بل سيطال الارتفاع أيضاً الخدمات الصحية برمتها، من مشافٍ ومستوصفات وحتى العيادات والتأمين الصحي للموظفين وغيرهم، مشيراً إلى أنه من المتوقع خلال الأيام القليلة القادمة أن نشهد تغيراً في أسعار معظم المشافي الخاصة، وهذا التغير سيكون كبيراً والفواتير ستتضخم أكثر وأكثر على حساب المرضى، كذلك الأمر سيطرأ ارتفاع على التأمين الصحي وهذا يعني مزيداً من الاقتطاع من راتب الموظف المتهالك أساساً.

الخبير نوّه إلى أن هذا القرار يعتبر غير منطقي في هذا التوقيت، ولا مبرر لاتخاذه، فمعامل الأدوية تذرعت بأن سعر صرف الليرة أمام الدولار ارتفع وبالتالي يجب رفع أسعار الأدوية لأنها تتعرض لخسائر، والأغرب من ذلك أنه رغم مماطلة وزارة الصحة في الموافقة على مطالب معامل وشركات الأدوية إلا أنها في نهاية المطاف أقرت برفع سعر الأدوية، وانطلى عليها الأمر، ذلك أن سعر الصرف لم يرتفع بهذه النسب الكبيرة حتى تقوم الوزارة برفع أسعار بعض أنواع الأدوية من 300 ليرة إلى 1300 ليرة، فعند رفع أسعار الأدوية سابقاً بنسبة 50% كان سعر الصرف يشهد تذبذباً ولكن حالياً ومنذ نحو 8 أشهر لا يزال سعر الصرف مستقراً، فكيف سمحت وزارة الصحة للمعامل بأن تضع هذه النسب غير المنطقية في رفع أسعار الأدوية؟.

وتساءل الخبير: “ألا يتوجب على وزارة الصحة أن تكون في صف المواطن والمرضى، بدلاً من أن تكون في صف المعامل والشركات التي أعتقد أنها لا تُنتج لتخسر، وأنها لم تخسر أبداً ولكنها لعبت لعبة قذرة بتخفيض إنتاجها واحتكار بعض أصناف الأدوية ما أدى لفقدانها من السوق المحلية، فاضطرت وزارة الصحة للموافقة على رفع أسعار الأدوية، وكأن الوزارة تناست أنها الجهة الأقوى كما يفترض وليس المعامل”.

 

 

للمقتدرين مادياً فقط

الخبير اعتبر أن الحل دائماً يكون على حساب المواطن، فمع أن ارتفاع تكاليف إنتاج الأدوية زادت، لكن رفعها لهذه الأرقام يعتبر ظلماً بحق المواطن، فالتكاليف لم ترتفع بنسبة 400%، وعلى وزارة الصحة أن تراجع حساباتها ومنعكسات هذا القرار الخاطئ في الوقت الخطأ، فقد بات معلوماً أن المواطن السوري لا يكفيه راتبه إلا للربع الأول من كل شهر حالياً، ومع استمرار هكذا قرارات فإن راتبه لن يكفيه إلا ليومين فقط.

الخبير لفت إلى أن السوق الدوائي في سوريا يحوي ملفات فساد كبيرة أغمضت الأعين الحكومية عنها، ربما بقصد أو غير قصد، فكيف للدواء المحلي أن يباع خارج الحدود وكيف للدواء الأجنبي أن يدخل كبديل عنه؟.. وأشار إلى أن المواطن بعد رفع أسعار الأدوية مؤخراً لم يعد يهتم إن توفرت أم لا، لأنه لن يستطيع الحصول عليها وإن كانت متوفرة بطريقة ما أو بأخرى فقد بات الدواء للمقتدرين مادياً فقط.

وتابع الخبير أن السوق الدوائي يعاني احتكاراً من قبل شركات الأدوية في ظل تقاعس معامل الأدوية الحكومية في الإنتاج، وهذا ما جعل القطاع الخاص يتحكم بكل شاردة وواردة فيه.

 

 

ثلاث خيارات

للمواطنين آراء عديدة حول قرار رفع سعر الدواء الأخير، ولكن معظمها يصبّ باتجاه واحد وهو أنه قرار ظالم بحق كل المرضى.

“أبو سمير” موظف متقاعد يعاني من مرض السكري ذكر لـ صدى الشام أنه منذ اكثر من شهرين وهو يعاني من فقدان دواء الأنسولين، وذلك نتيجة عدم توفره في المراكز الحكومية، ما دفعه لشرائه من السوق السوداء ومن لبنان تحديداً بأسعار باهظة جداً لا يستطيع تحملها لا هو ولا أفراد عائلته،
وأضاف أنه “حالياً وبعد هذا القرار فإن الرسالة وصلت للمواطنين المرضى الذين لا يملكون إلا قوت يومهم بأن عليكم الموت، أو السرقة، أو الهجرة، خيارات ثلاثة لا رابع لها، فأين الإنسانية من هكذا قرارات، وأين العدل؟” تساءل أبو سمير.

ولا يبدو حال “أم خالد” التي تعيل عائلة بأكملها بعد وفاة زوجها أفضل، فقد كانت سابقاً تذهب إلى الصيدلي لكي يصف لها الدواء لأبنائها الصغار وذلك لكي توفر على نفسها تعرفة الطبيب، فهي لا تستطيع أن تتحمل الكلفتين معاً؛ الطبيب وسعر الدواء، أما الآن فلم يعد لديها قدرة على تحمل سعر الدواء أيضاً، مضيفة: “ماذا أفعل إن مرض أحد أولادي، إن ذهبت إلى المستوصفات الحكومية، فهي تعاني أيضاً من شح الأدوية، ولا يتوفر فيها كل الأنواع، فماذا أفعل؟”.

هذه صور من الواقع لمعاناة المواطنين نتيجة رفع أسعار الأدوية، فبعد أن كانت المشافي للأغنياء أصبح الدواء أيضاً ليبدأ المواطن عملية البحث عن البدائل التي تعدّ خطرة وغير مضمونة، كالطب البديل الذي سيلقى رواجاً دون شك خلال الفترة القادمة، وربما تحلّ الأعشاب والرقية والدعاء بديلاً عن الدواء.

[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]