واقع إعادة الإعمار الاقتصادي في سورية


مضى على الحرب السورية ستة سنوات تقريباً وقد غيرت الكثير في الاقتصاد السوري. لفهم هذه التغيرات أكثر استضافت سيرياسورسس SyriaSources رشاد القطان وهو باحث حول سورية لمناقشة وضع الاقتصاد السوري. وضح القطان في المقابلة ان النظام السوري وعلى الرغم من الانتصار العسكري الذي يحققه فإن التحديات الاقتصادية بعيدة المدى تعطي صورة معقدة حول إمكانية سيطرته على البلاد كما وضح القطان الصعوبات المجتمع الدولي فيما يتعلق بإعادة الإعمار.

 

تم تقدير تكلفة إعادة إعمار سورية بتريليون دولار. من هي الدول التي ستكون مستعدة للمشاركة بهذا الجهد الكبير؟

تختلف التقديرات المتعلقة بتكاليف إعادة الإعمار في سورية وهذا الشيء مفهوم نظراً لقلة المعلومات الصادرة عن البلاد ولكن المحتوم هو الدمار الهائل الذي لحق بأجزاء شاسعة من هذا البلد. أقل التقديرات التي تقدر التكاليف على أساس إعادة الناتج المحلي إلى مستوياته في 2010 هو 180 مليار دولار. في عام 2016 قدر تقرير صادر عن world vision  و frontier economics  تكاليف الحرب بسورية بـ 485 مليار جنية إسترليني للقيام بعملية إعادة الإعمار. ولتتمكن سورية من تعويض ما خسرته من الناتج المحلي خلال سنوات الحرب يتعين عليها أن تنمو بمقدار 5% سنوياً لمدة ثلاثين سنة قادمة – وهذا أمر غاية بالتفائل.

إن أشد حلفاء النظام السوري الخارجيين مهتمين بدعم نظام دمشق عسكريا في حين لا يولون أهمية للاستقرار الاقتصادي طويل الأمد والتي يتطلب تخطيطاً واستثماراً أكبر. هذا يعكس أولويات النظام الذي يركز على ضرورة الانتصار العسكري أولاً في الوقت الذي يتأقلم موالوه مع ما يتناغم مع أولويات النظام الذي يدعموه. لذا لا نرى مقاومة أو اعتراضاً من موالي النظام على الرغم من المحاولات الخجولة الفاشلة لجلب النظر للمشاكل الاجتماعية الاقتصادية وهذا الأمر مشترك مع المعارضة أيضاً.

بهذا المعنى لم تقم روسيا أو إيران أو حتى الصين إلى حد ما بأي خطوات جدية لإعادة بناء الاقتصاد السوري وهو الأمر ناتج عن ثنائية استنزاف الموارد الاقتصادية وانعدام الرؤية لسورية ما بعد الحرب. في الوقت نفسه ومع غياب حل سياسي للأزمة السورية فإن خطة مارشال السورية لإعادة الإعمار لن تنفذ إلا إذا قام الغرب ولاسيما أوربا بالمصالحة مع دمشق.

 

في حال حصل هذا التغيير الجذري في السياسات ولاسيما مع وجود ترامب الذي يرى سورية فقط من منظار تنظيم الدولة الإسلامية فهل يستطيع دعم متواضع من تحقيق حل اقتصادي وسياسي مستدام؟

هذه المقاربة ستسيطر عليها الأهداف قصيرة المدى كالتخفيف من أزمة اللاجئين للتحكم بمفرزات الحرب السورية وهذا لن يغيّر كثيراً بالصورة العامة للحرب في سورية.

لقد تحسنت الأوضاع المالية للنظام مباشرة بعد التدخل الروسي في أيلول 2015. استعد النظام ورجال الأعمال لاحتمال البدء بمشاريع إعادة الإعمار. في كانون الثاني 2016، صدر النظام قانون حول الشراكة بين القطاعين الخاص والعام مما يسمح للقطاع الخاص قيادة دفة هذه المشاريع وإدارة الأصول والمؤسسات الحكومية.

ومنذ ذلك الحين تعرج الوفود الأوربية على دمشق بما فيها البرلمانيين البلجيكيين ويلتقون ببشار في خطوة غير رسمية للتعهد بدعم مالي من خلال المساعدات الإنسانية. على الرغم من أنه لم يتم الإعلان عن أي مبالغ كبيرة إلا أنه يُخشى أن وكالات التنمية الدولية سوف تتورط من خلال مشاريعها بمساعدة المصالح الضيقة الخاصة للنظام.  

 

على الرغم من أن الحكومة السورية تبدو تنتصر عسكرياً، يعاني البلد من مشاكل اقتصادية كبيرة، ما هي المعايير اللازمة لنجاح إعادة الإعمار على المدى الطويل؟

أكثر من 85% من السوريين يعيش في فقر اليوم داخل البلاد اليوم و 70% يعيشون في فقر مدقع حسب معايير التنمية العالمية ويحتاجون إلى مساعدات دولية للحصول على متطلبات الحياة الأساسية. هذا يعني أن معظم السوريين لا يعتمدون على النظام لتدبر أساسيات حياتهم. رئيس الوزراء عماد خميس اعترف مؤخراً أن 50% من موازنة الدولة يأتي من الخارج ولاسيما من الأمم المتحدة. لقد كانت الحكومة السورية سعيدة بالتخلي عن دورها ومسؤولياتها للاعبين خارجيين طالما شرعية النظام لا تتأثر أو تتعرض للمسائلة. وفي الوقت الذي يهاجم المسؤولون السوريون والإعلام السوري الأمم المتحدة كأداة امبريالية لتقسيم البلاد، لا يرى النظام ضيراً تدفق المليارات من الدولارات للمناطق الخاضعة لسيطرته لدعم السوريين المعدمين، بل على العكس عملت دمشق على توجيه هذه الإعانات لتعزيز شرعيتها وإبقاء دورها الاحتكاري في التنسيق مع الوكالات الدولية.

عندما نتكلم عن موضوع إعادة الإعمار والتهدئة والاستقرار فإنه من الجدير بالذكر أن نجعل النموذج اللبناني حاضراً في الأذهان. مشاريع التنمية كإعادة إعمار بيروت فشلت إلى حد بعيد في احداث تطوير ملموس في البنية التحتية الاجتماعية والسياسية للدولة وللسكان. مع الغياب المحتمل لحكومة شفافة جامعة ومتحملة للمسؤولية من المهم أن نكون حذرين قبل الشروع بمبادرات تنموية ضخمة.

 

 

تُنتقد المعارضة دائماً بسبب عدم امتلاكها رؤية واضحة سياسياً واقتصاديا وعادة ما يتم طرح السؤال “ما هو البديل؟ وماذا سيحدث بعد سقوط النظام؟”

 من الغريب أن مثل هذه الأسئلة لا تُسأل للنظام بالرغم من كونه هو من يقود الحكومة ويقوم بالإنفاق على الجهد الحربي للاستمرار بحملته العسكرية. مضى أكثر من ست سنوات على الأحداث ولم يقدم النظام أي رؤية اقتصادية او سياسية ناجعة لدفع البلد إلى الأمام. تركيز النظام الأساسي هو على الجانب الأمني ضمن استراتيجية حرب شاملة عملت على عسكرت كافة مفاصل البلاد.

جزء محوري من استراتيجية بقاء النظام هو إبقاء واجهة مؤسسات الدولة لتظهر وكأنها تعمل بشكل فعال. والواقع هو إما أن الدولة قد فرغت تماماً من محتواها أو تم التحكم بها كلياً لدفع أجندة النظام. بالإضافة لذلك عمل النظام عمداً على استهداف وتحطيم المجالس المحلية التي تم تشكيلها لمنع تشكل بنية حكومية محلية بديلة عنه. في الوقت الراهن يبدو أن الدول الغربية مستعدة لغض الطرف عن هذه الحقائق الجديدة على أمل إعادة استقرار لسورية.

للمحافظة على الحالة الطبيعية في إدارة النظام لمؤسساته، عملت الدولة لتعزيز شرعيتها على الإبقاء على النشاطات الاعتيادية للدولة كما لو أنه لا يحدث شيء على الإطلاق. ومن النشاطات التي استمرت هي الاجتماعات الوزارية وإعلانات الموازنات السنوية. بكل حال، كشفت هذه النشاطات السنوية الفارق بين الموارد التي يستطيع النظام جمها والمتطلبات التي أعلن الالتزام بها.

انخفضت مصاريف الحكومة في الموازنة من 18 مليار دولار في عام 2010 (حوالي 12 – 28% من الناتج المحلي) إلى فقط 4 مليار في عام 2016 (باستخدام معدل الصرف 500 ليرة للدولار). واحدة من الإجراءات التي اتخذها النظام خلال الست سنوات الماضية لتضخيم مخرجاتها هو استخدام معدل صرف منخفض (بالنسبة للمعدل السائد) مما يسمح لها بإخفاء مستويات المصاريف المنخفضة والقدرات الشرائية المتدنية للأسر. على سبيل المثال زيادة الأجور بـ 2500 ليرة سورية (حوالي 5% في الشهر) والتي أعلن عنها في أيلول 2015 تم عكسها مباشرة بزيادة ضريبة الدخل بـ 10% مع رفع أسعار الخبز والغاز المنزلي وهما من السلع الأساسية للأسرة السورية.

الفقدان الكبير للقدرات البشرية يسبب نزيفاً للاقتصاد السوري والذي كان ضعيف الإنتاجية حتى قبل عام 2011. ولكن، في الوقت نفسه، قلة الموارد البشرية يعني تخفيضاً في متطلبات الأجور والدعم وهو أمر مفيد جداً للنظام. وبالرغم من ذلك عمل الموالون سريعا لمليء الفراغ بقوانين تسمح بإعطاء امتيازات للقوى الأمنية وعوائلهم.

قبل عام 2011 كانت سورية دولة ريعية تعتمد على أموال النفط والأموال القادمة من الخارج والاستثمارات والامتيازات الممنوحة من دول الخليج. التنمية الاقتصادية كانت متركزة في سورية وحلب على حساب مناطق مهمشة وخصوصاً في منطقة الجزيرة على الرغم من امتلاكها على معظم المصادر الطبيعية. في الظروف الحالية، يبدو أن نفس النموذج سيتم تكراره. الدمار المنهجي وخراب الأسس الاقتصادية سوف يعمل على زيادة التفاوت الاقتصادي.

رابط المادة الأصلي : هنا.



صدى الشام