معركة الرقة ترسم ملامح الحل السوري
14 مارس، 2017
الأهمية التي تحظى بها مدينة “الرقة” ومعركتها المنتظرة ضد المعقل الأبرز في إمارة “أبو بكر البغدادي” لم تأتِ من أهمية جغرافية المدينة، ولا من رمزيتها ولا حتى من أهمية اقتصادية يمكن أن تنالها، بل إن أهميتها تأتي من أن المعركة ضد تنظيم ما يسمى “الدولة الإسلامية” فيها قد تكون مسودة الحل السوري، وهي ذات الوقع الأكبر على آذان المجتمعين سواء كان ذلك على طاولة “أستانا” أو “جنيف”.
شعارات الحرب على الإرهاب تختلف عن الأهداف
بالرغم من أن شعار الحرب على الإرهاب هو ما يطغى على كل أجندات القوى المختلفة التي تتحضر أو تمني النفس بالاشتراك في معركة “الرقة” إلا أن الحقيقة بعيدة كل البعد عن ذلك الهدف، والجميع تقريباً (عدا الجيش الحر) ينطبق عليهم مقولة “مطلب حق يقصد به باطل”.
فـ”وحدات الحماية الكوردية” وكل ما يسمى “قوات سوريا الديمقراطية” تحاول أن تفرض نفسها كشريك في المعركة على إرهاب “الدواعش” في “الرقة” (وهي حصلت على ذلك) لكن الغاية ليست مكافحة الإرهاب وليس فقط طرد تنظيم “داعش” بل يتعدى ذلك الهدف بالوصول للسيطرة على أكبر مساحة جغرافية في الشمال السوري يمكنها من التفاوض عليها واستبدالها لترسيخ منطقة الحكم الذاتي أو دويلة “كوردستان الغربي” التي يطمح “صالح مسلم” لإنشائها والسيطرة عليها، ولتحقيق هذا الهدف لا مانع أن يتحالف “مسلم” مع الإرهاب الأكبر في سوريا المتمثل بـ “نظام الأسد” لتحقيق مطامعه كما فعلت “قوات سورية الديموقراطية” عندما سلمت الأطراف الغربية من مدينة “منبج” لما يسمى خداعاً “قوات حرس الحدود السورية” تلك القوات التي اندثرت ولم تعد موجودة منذ ست سنوات.
روسيا من جهتها هي الأخرى تحاول عرقلة تقدم فصائل “الجيش الحر” العاملة في “درع الفرات” من أجل الدفع بحظوظ أكبر لميليشيات الأسد (الخلبية) والتي هي في حقيقتها ميليشيات “حزب الله” وميليشيات “قاسم سليماني” الطائفية متعددة الجنسيات، وإذا ما شاركت تلك الميليشيات فإن “روسيا” تضمن لنفسها تواجداً في عملية “الرقة” من خلال الدعم الجوي لتلك العصابات باعتبار أن روسيا خارج التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية والتي بدورها ترفض التعامل مع ميليشيات “الأسد” مما يحتم إشراك طيران “بوتين”.
“إيران وحزب الله” وكل الميليشيات الطائفية المتعددة الجنسيات والتي تقاتل تحت راية “قاسم سليماني” والباحثة عن ترسيخ سيطرتها للحفاظ على كرسي السلطة لحليفها بشار الأسد هي الأخرى تبحث عن أسباب تعيد لها بعض خسائرها الاقتصادية نتيجة دعمها للأسد خلال السنوات المنصرمة، فمنطقة شرقي “تدمر” في بلدة “خنيفيس” وامتدادها إلى حدود “الرقة” الغنية بالفوسفات هي ما تبحث عنه إيران (وقعت عقد مؤخراً باستثماره لـ 99 عاماً مع رئيس وزراء الأسد عادل خميس) بعد زوال آمالها بالنفط السوري الذي سيكون من حصص روسيا وأمريكا بعيداً عن أية جهة أخرى.
نظام الأسد الطامح بإعادة السيطرة على الجغرافية السورية بعد كل الدعم الجوي والأرضي الذي حصل عليها عبر روسيا وإيران وأكثر من 62 ميليشيا طائفية تقاتل عوضاً عنه وتحاول إجهاض الثورة السورية هو الآخر يحاول الوصول إلى منافع اقتصادية بدأت بالسيطرة على محطة المياه في بلدة “الخفسة” شمال غربي “الرقة” (90كم) وجنوب شرقي “منبج” (35كم) والتي تغذي بالمياه كامل مدينة حلب وريفها، وهي تسعى الآن للوصول إلى سد “تشرين” الذي تسيطر عليه ميليشيات “سورية الديموقراطية” والذي يغذي إضافة لحلب وريفها كامل مدينة حماه واللاذقية وريفها، وإذا ما كانت ميليشيات “الأسد” شريكةً في معركة “الرقة” فإنها تضمن على الأقل استعادة سد “الفرات” في الطبقة والذي يحظى بالأهمية الاقتصادية الأكبر في سوريا.
تركيا وفصائل الجيش الحر تلتقي على نفس الأهداف، فمن المنطقة التي تم تحريرها اعتباراً من مدينة جرابلس شرقاً وحتى بلدة إعزاز غرباً ووصولاً في الجنوب إلى مدينة الباب، وإذا ما أضيفت إليها مدينة منبج، فالمنطقة الآمنة تكون أصبحت قابلة للتطبيق كهدف أول، وبالوقت نفسه يكون تم الفصل بين المناطق والقواطع التي يسعى لها “صالح مسلم” لإعلان دويلته “الوهمية” في شمالي سوريا أو ما يسمى “كوردستان الغربي”، وإذا ما كان هناك اشتراك للجيش الحر والأتراك في معركة “الرقة” فهذا يعني إبعاد روسيا والأسد وإيران عن المدينة والحرب عليها وبالتالي ترسيخ لمنطقة أكبر يسيطر عليها الجيش الحر وتقوّي من أوراقه التفاوضية المستقبلية.
سيناريوهات البيت الأبيض
حتى الآن الصراع محتدم بين معظم الأطراف حول هوية القوى التي يمكن أن تُشارك في عملية دحر تنظيم “داعش” من مدينة “الرقة”، والمعلومات تقول إن طاولة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” تتموضع عليها ثلاث سيناريوهات للحرب على “إرهاب داعش”:
السيناريو الأول: قدمته موسكو ويتضمن تقدم ميليشيات “الأسد” وحلفائها باتجاه مدينة “الرقة” عبر محورين: الأول من مدينة “تدمر” في جنوبي “الرقة”، والثاني من بلدة “خناصر” في الجنوب الغربي للرقة وكلاهما بطول 160 كم على أن تؤمن تغطيتهم الجوية من قبل الطيران الروسي وبالاشتراك مع التحالف الغربي وقوات سورية الديموقراطية “قسد”.
السيناريو الثاني: قدمته تركيا ويعتمد على تقدم فصائل الجيش الحر من محورين أيضاً: الأول عبر مدينة “تل ابيض” الحدودية (100كم عن الرقة)، والثاني عبر سد “تشرين” (85 كم عن الرقة)، وتركيا تقول إنها قادرة على الزج بأكثر من 20 ألف مقاتل من الجيش الحر غالبيتهم يتدرب الآن في تركيا إضافة إلى السلاح الثقيل وبطاريات المدفعية والدعم الجوي من قبل الجيش التركي لتلك القوات، ولا تمانع بوجود طيران التحالف وقوى عربية خاصة تشارك بالعملية.
السيناريو الثالث: قدمته ميليشيات “قوات سورية الديموقراطية” المتحالفة أساساً مع الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي، ويشمل مواصلة عملية “غضب الفرات” التي وصلت لمرحلتها الثالثة في عزل “الرقة” عن محيطها، وإن كانت معظم معاركها خلبية وبعيدة عن أي اشتباك فعلي فهي تعتمد نفس سياسة النظام (الأرض المحروقة) من خلال التقدم على أنقاض المناطق المدمرة بالضربات الجوية المكثفة لطيران التحالف، لكنها ترفض أي دور للجيش التركي بعملية “الرقة”.
الولايات المتحدة الأمريكية تزج بقوات إضافية شمالي سوريا
من الملاحظ الزج الأمريكي ـ مؤخراً- ببطارية مدفعية من نوع “هاوتزر” عيار 155ملم والتي تستطيع تأمين ثلاث مهام قتالية متلاحقة: التمهيد الناري، الدعم الناري، المرافقة النارية.
تلك المهام التي تؤمن للقوات المهاجمة غزارة وتغطية نارية مع تدمير أهداف العدو وعلى أمدية تصل حتى 30 كم إضافة إلى الزج بأكثر من 400 مقاتل أمريكي جديد من قوام الفرقة 11 مهام خاصة تم استقدامهم من القواعد الأمريكية في جيبوتي والكويت ودخلوا عبر بوابتي “سيمالكا” و”ربيعة” في الطرف السوري المقابل لحدود مدينة “دهوك” في “كوردستان” العراق ليتمركزوا بدايةً في قاعدة “خراب عشق” الأمريكية جنوبي بلدة “عين عرب”، ومنهم من توجه إلى معمل “لافارج” على ضفاف نهر “الفرات” (60كم عن منبج)، وهناك حوالي 200 مقاتل أمريكي أصبحوا شمال غربي مدينة “منبج” في قرية “العسيلة”، وترافق دخولهم مع إمدادات أمريكية جديدة وصلت لـ”قوات سورية الديموقراطية” تضمنت صواريخاً محمولة على الكتف وعربات قتالية مصفحة.
التوغل الأمريكي الأخير في الشمال السوري وفي محيط مدينة “منبج” جاء تحت عنوان عدم اندلاع مناوشات أو حرب بين حلفائها في المنطقة (قوات سورية الديموقراطية وتركيا) كي لا تنشغل عن معركتها الأساسية المتمثلة في معركة “الرقة”، والنقطة البارزة في السياسة الأمريكية أنها تأتي عبر طاقم وزارة دفاعها التي ما زالت تطبق نفس الأجندة الأوبامية، وبمعزل عن توجهات إدارة “ترامب” الحالية والخلافات التي كانت تشوب العلاقة الأمريكية – التركية فهي ما تزال نفسها قائمة من خلال وقف حتى المناطق الآمنة التي تحدث عنها الرئيس “ترامب”، وكذلك من خلال الإبقاء الأمريكي على تحالفها مع منظمة إرهابية هي “قسد” كما تقول تركيا، وبرز هذا الأمر بشكل واضح من خلال نتائج اجتماع رؤساء أركان جيوش كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وتركيا والذي واجه فشلاً ذريعاً في تغيير وجهات نظر العسكريين حول مفردات وتحالفات معركة الرقة.
الساسة يحاولون إصلاح ما أفسده العسكر
من خلال تلك التشابكات والأجندات المختلفة يبدو واضحاً أن عمق الخلافات القائمة بين معظم الفرقاء على الأرض يطغى على إمكانية إيجاد طرق تقدم أي من القوات نحو مدينة الرقة، وبالتالي يبدو واضحاً الآن أن هناك محاولات سياسية حثيثة تبذل للإصلاح وتقريب وجهات النظر من خلال سياسة “تدوير الطاولة” وإنهاء تلك الخلافات.
بعض المعلومات تتحدث عن تطمينات أٌعطيت للجانب التركي والجيش السوري الحر أنه سيدخل مدينة منبج مقابل تنازلات تعطيها تركيا من حيث اشتراك “قوات سورية الديموقراطية” في معركة “الرقة” وإن كان عبر قطاعات هجوم متباعدة تحيط بجبهات “الرقة” دون تعاون ميداني بين “الكورد” و”الأتراك”.
لكن الواضح أن كل التعقيدات التي تحيط بمعركة الرقة تصب في خانة أن تلك المعركة قد تكون آخر المعارك في سوريا، وأن ما ستفضي إليه تلك المعركة سيكون حاضراً على طاولة المفاوضات وبالتالي يسعى الجميع إلى حجز مكان له في تلك المعركة ليقووا من خلالها أوراقهم التفاوضية ما يجعل منهم طرفاً لا يمكن تجاوز متطلباته على طاولة الحل.
مكاشفات ووقائع لابد منها
لا نكشف سراً إذا ما قلنا أن تركيا والجيش الحر حتى الآن هما الطرف الأضعف عسكرياً وسياسياً، فمفاوضات “أستانا” فشلت بكل مقوماتها وإعلان الفصائل (يوم الأحد) رفضهم المشاركة في الجولة الحالية “أستانا 3″ لم يكن موقفاً تفاوضياً تكتيكياً بل كان شعوراً بالغضب من قبل الفصائل المشاركة ومن قبل الحاضنة الشعبية للثورة بعد التنكر بالوعود الذي مارسته موسكو وكرسه نظام الأسد على أرض الواقع عبر استمرار تكتيك الحصار واتّباع سياسة التغيير الديموغرافي في أكثر من منطقة كان آخرها بـ”وادي بردى” وما يتم الآن في حي “الوعر” الحمصي الذي يمثل آخر نقطة للثورة في مدينة “حمص”، أو بلغة واضحة أكثر هي آخر تجمع “سني” في المدينة يجري ترحيل الأهالي منه وإعلان اسمها مدينة “الزهراء” كما تطمح وترغب “إيران”.
الفشل في اجتماعات “أستانا” بكل أرقامها – بعد عجز أو مماهاة روسيا لكل خروقات الأسد والتخريب الذي تمارسه إيران – سبقه فشل آخر في “جنيف 4” رغم العبارات المنمقة التي أضافها بعض “طواوييس” الوفد المفاوض والذين حاولوا أن يجعلوا من أنفسهم أبطالاً من كرتون على حساب تصريحات غير واقعية ولن تتحقق، تلك المحاولات كشفها الدكتور “محمد صبرا” عندما غرّد على حسابه قائلاً: “جنيف 4 لم يسفر عن شيء إيجابي، ولم نتفق على شيء، والنظام لم يوافق على شيء، لكن البعض يعشق الإنجازات الوهمية لأنه يحب لعب دور البطل”.
ولحق بالدكتور صبرا عضو الوفد المفاوض “محمد علوش” عندما غرّد على حسابه قائلاً: “إن جنيف فشل بكل المقاييس، وإن النظام لم يوافق على الانتقال السياسي”.
حقائق وحلول
أمام هذا الواقع غير المرضي على كل الأصعدة فالشعب السوري الحر وقادة فصائله الأحرار ومن تبقى من السياسيين الشرفاء الذين يؤمنون حتماً أن لا تشاركية مع نظام إجرامي، ولا قبول بأي وجود لـ”الأسد” في أية مرحلة انتقالية أو غيرها في مستقبل سوريا، كل هؤلاء مدعوون لإيجاد الأطر الجديدة عسكرياً وسياسياً وحتى لو تطلب الأمر وقف كل المفاوضات والعودة لحرب العصابات أو التحول لمقاومة شعبية عبر عمليات فدائية وعمليات نوعية وحتى عبر الاغتيالات الخاصة التي تطال أصحاب القرار العسكري في نظام الأسد وحلفائه من القتلة متعددي الجنسيات الذين استقدمهم بشار الأسد لقتل الشعب السوري.
سوريا أموية وستبقى لأهلها، وسوريا عربية وستبقى كذلك، لا مكان فيها للفرس ولا للمرتزقة، حضننا العربي والإسلامي لن نتخلى عنه ولن يكون هناك مكان للطم في شوارعنا.
سوريا التي يطلبها الشعب السوري هي لكل سوري يؤمن بعروبة سوريا ولكل سوري يؤمن بالوطن السوري دون تقسيم أو انفصال، وعلى تلك القاعدة تمتد الأيادي لتتلاقى.
[sociallocker] صدى الشام[/sociallocker]