تفاهمات لتحرير الرقة: “جسم عسكري سوري ذو صبغة عربية”


قفزت مدينة الرقة السورية إلى صدارة الاهتمام العالمي، مع دخول الاستعدادات لتحريرها من تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) مراحل متقدمة، إثر تأكيد مصادر إعلامية أميركية أن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بصدد إرسال قوات جديدة إلى شمال سورية لتعجيل الحسم، فيما أكدت مصادر لـ”العربي الجديد”، أن “جسماً عسكرياً ذو صبغة عربية، على وشك التشكيل، مهمته الانقضاض على الرقة لتبديد المخاوف من مليشيا الوحدات الكردية”، وذلك في وقت بدأت فيه عشائر عربية البحث عن دور لها في المعركة المنتظرة، وما بعدها. وزاد التحالف من اهتمامه في معركة الرقة، خصوصاً بعد دخول معركة الموصل العراقية مراحلها الأخيرة. ومن شأن المعارك الأخيرة تغيير خارطة الصراع على شرق سورية، وغرب العراق، مع تزايد اهتمام الإدارة الأميركية الجديدة بتلك المنطقة.

في هذا السياق، أكدت مصادر إعلامية أميركية مطلعة أن “وزارة الدفاع تنوي الزج بألف جندي أميركي إضافي، للانضمام إلى ألف تقريباً موجودين في قاعدة أميركية بالقرب من مدينة عين العرب، شمال شرقي حلب”، وذلك استعداداً لمعركة تحرير الرقة من “داعش”. مع العلم أن القوات الأميركية تقدّم الدعم والمساندة لـ”قوات سورية الديمقراطية” التي تشكّل مليشيا الوحدات الكردية عمادها، والتي تقاتل في سبيل عزل الرقة عن محيطها.

وأكدت المصادر أن “الجنود الأميركيين سيقومون بمهام قتالية محدودة، خشية سقوط عدد منهم في معارك مع داعش، الذي يملك تحصينات كبرى مفترض أن تطيل عمر المعارك في حال قرر الدفاع باستماتة، كما حدث في الموصل”. ونقلت وسائل إعلام أميركية عن مسؤول في “البنتاغون” أن “الدعم ربما يشمل إرسال بطاريات مدفعية إضافية، واستخدام منصات إطلاق الصواريخ، يمكن أن توفر تغطية نارية على مدار الساعة في المعركة لاستعادة مدينة الرقة”.

بدوره، أشار المتحدث باسم الجيش الأميركي، الكولونيل جون دوريان، مساء الأربعاء، إلى أن “نحو 75 في المائة من القوات التي تعزل الرقة حالياً هي من السوريين العرب”، مضيفاً أن “هذا الأمر هو انعكاس للتوزيع السكاني الموجود في المنطقة”. وتوقع “مشاركة مقاتلين أكراد في تحرير الرقة بمستوى ما”. ولكن مصادر محلية مطلعة أكدت أنه “لا يوجد في مدينة الرقة وريفها وجود سكاني كردي كبير ما خلا بعض القرى في منطقة تل أبيض، شمال الرقة”، مشيرة إلى أن “الغالبية الساحقة من سكان الرقة وريفها ينتمون إلى عشائر عربية معروفة، إضافة إلى سوريين نزحوا إلى المدينة من محافظات أخرى خلال سنوات الثورة الست”.

وبدت وزارة الدفاع الأميركية حريصة على أن تكون أغلب القوات التي تهاجم مدينة الرقة عربية، لتبديد مخاوف أهل المدينة من توغل مليشيا الوحدات الكردية، المتهمة من قبل منظمات دولية بتنفيذ عمليات تصل إلى مستوى جرائم الحرب في مناطق سيطرت عليها في محافظة الحسكة، أقصى شمال شرقي البلاد، وفي منطقة تل أبيض، شمال الرقة.

كما حاولت الولايات المتحدة مراراً “إرضاء” تركيا التي ترفض الانخراط في المعركة عبر قوات المعارضة التي تدعمها “طالما لم يتم استبعاد مليشيا الوحدات الكردية”، التي تصنفها أنقرة ضمن خانة “التنظيمات الإرهابية”، وتعتبرها “ذراعاً سورياً لحزب العمال الكردستاني”. ولم تخفِ الوحدات الكردية، الذراع العسكرية لحزب “الاتحاد الديمقراطي”، نيتها تشكيل إقليم ذي صبغة كردية في شمال وشمال شرقي سورية، وهو ما تعتبره أنقرة “مساساً مباشراً” بأمنها القومي.

مع العلم أنه في صفوف “قوات سورية الديمقراطية” العديد من الفصائل العربية غير المتجانسة، التي اتُهم بعضها بموالاة قوات النظام، وهو ما شكّل قلقاً من احتمال قيام هذه الفصائل بأعمال انتقامية تحت ذريعة الانتماء لـ”داعش”.

من جهته، أكد محمود الهادي، رئيس المكتب السياسي لـ لواء “ثوار الرقة”، أهم الفصائل المحلية التي تتبع للجيش السوري الحر، ودفعها الظرف الجغرافي للانضواء في “قوات سورية الديمقراطية”، أن “النية تتجه نحو إعلان تشكيل جديد يضم الفصائل العربية في قوات سورية الديمقراطية، وفصائل من خارج هذه القوات، يكون ثوار الرقة عماده، ويتولى مهمة اقتحام المدينة وإدارتها بشكل مؤقت”. وأوضح الهادي في حديث مع “العربي الجديد”، أن “التشكيل سيعلن بعد انتهاء المرحلة الثالثة من عملية غضب الفرات، التي تهدف إلى عزل الرقة قبل بدء محاولات الاقتحام”.

وقطعت “قوات سورية الديمقراطية” شوطاً لا بأس به في عملية عزل المدينة، خصوصاً على طول الضفة الشمالية من نهر الفرات الذي يشطر المحافظة إلى شطرين: شطر جنوبي واسمه “الشامية”، وشطر شمالي واسمه “الجزيرة”، والذي سيطرت “قوات سورية الديمقراطية” على مناطق واسعة فيه، وقطعت الطريق البري الذي يربط الرقة بدير الزور. ويحظى لواء “ثوار الرقة” بتعاطف شعبي كبير لكونه لا يزال يرفع راية الثورة السورية، وأغلب مقاتليه من أبناء المحافظة.

تعدّ محافظة الرقة رابع المحافظات السورية الـ14 بعد محافظات حمص ودير الزور والحسكة، وتبلغ مساحتها نحو 20 ألف كيلومتر مربّع. وتمتد محافظة الرقة على مساحة أكثر من 150 كيلومتراً من الغرب للشرق، وعلى مساحة 200 كيلومتر من الشمال إلى الجنوب. وتصل حدودها إلى قلب بادية الشام. وتضم المحافظة مدناً وبلدات كبرى عدة، أبرزها مدينة الرقة، مركز المحافظة، ومدينة الطبقة، التي تقع إلى الغرب من الرقة بنحو 50 كيلومتراً. وهي الأكثر أهمية كونها تضمّ سد الفرات الذي يحتجز بحيرة طولها يصل إلى 80 كيلومتراً وعرضها في بعض المواقع أكثر من 5 كيلومترات. فضلاً عن مدينة تل أبيض، الواقعة شمالي الرقة بنحو 100 كيلومتر على الحدود السورية التركية، وتسيطر عليها مليشيا الوحدات الكردية منذ منتصف عام 2015، إثر تحريرها من “داعش”، بدعم من طيران التحالف الدولي.

بالتالي، يتطلب إحكام عزل مدينة الرقة من جهة الشرق، عبور نهر الفرات لقطع الطريق البري الأبرز الذي يربطها بدير الزور، لتصبح المحافظة معزولة من كل الجهات. فمن الشمال تتمركز “قوات سورية الديمقراطية” على بعد أكثر من 20 كيلومتراً في بعض المناطق، ومن الغرب توشك قوات النظام ومليشيات تتبع لها على الدخول في الحدود الإدارية للمحافظة. كما يحتفظ النظام بقوات له في منطقة أثريا، جنوب غربي الرقة. ويملك “داعش” هامش تحرك في جنوب الرقة، حيث البادية الشامية الواسعة التي لا يزال يسيطر على قسم كبير منها رغم خسارته مدينة تدمر، ولكنه بات في وضع لا يسمح له بتوسيع نطاق سيطرته.

بدورها، باشرت العشائر العربية في المنطقة الشرقية من سورية، بحثها عن دور لها في معارك انتزاع السيطرة على محافظتي الرقة ودير الزور، وهي تحاول إنشاء جيش بمساعدة تركيا. واجتمع ممثلون عن هذه العشائر، يوم الاثنين الماضي، في مدينة أورفة، جنوب تركيا، للتباحث في مسألة تشكيل جسم عسكري من أبناء العشائر، يشرف عليه ضباط سوريون منشقون عن جيش النظام للوقوف في وجه تحديات جمة تستهدف مصير المنطقة الشرقية من سورية.



صدى الشام