on
نفوذ الأسد يضيع بين روسيا وإيران.. الدولتان تتصارعان على مصالحهما في سوريا وهكذا تتصرفان على الأرض
في شوارع مدينة حلب التي استعادت قوات النظام السيطرة على أحيائها الشرقية نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ترتفع صور لرأس النظام بشار الأسد، وإلى جانبه صورة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ما يؤشر إلى النفوذ المتصاعد لموسكو في سوريا على حساب إيران، الحليف الآخر للنظام.
مع دخول الثورة السورية عامها السابع، تبرز المنافسة بين إيران وروسيا، بحسب ما يقول سياسيون سوريون وخبير روسي، في حين يضيع نفوذ الأسد بين هاتين الدولتين اللتين تعتبران السبب الرئيسي في بقاء الأسد بالسلطة حتى هذه اللحظة.
وتدعم إيران نظام الأسد منذ بدء الأزمة في العام 2011 اقتصادياً وسياسياً، وبالمعدات والسلاح والمقاتلين.
أما روسيا، وبرغم دفاعها منذ البداية عن الأسد إلا أنها انتظرت حتى 30 أيلول/سبتمبر 2015 لتتدخل عسكرياً عبر حملة جوية أعادت زمام المبادرة ميدانياً لقوات النظام في بعض المناطق على حساب فصائل المعارضة.
ويقول نائب في "مجلس الشعب" التابع للنظام فضّل عدم الكشف عن اسمه خلال تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية "إن كانت الدولتان تدعمان الحكومة، فإن استراتيجيتهما تختلف للانتصار في المعركة".
الاختلاف حول حلب
بعد تقاربها المفاجئ مع أنقرة في العام 2016، باتت موسكو تعتبر أن "طريق النصر" يمر عبر تسوية مع تركيا الداعمة للمعارضة وصاحبة النفوذ في المنطقة الحدودية مع سوريا شمالاً. في حين ترفض إيران هذه المقاربة.
ومع بروز هذا التقارب، تساءل موقع "تابناك" الإلكتروني الذي يديره محسن رضائي، القائد السابق لـ"الحرس الثوري" الإيراني، ما إذا كان "إشراك تركيا في محاولات إنهاء الحرب في سوريا" يمكن أن يشكل "تهديداً" لإيران.
إلا أن وزير الخارجية الإيراني أكد في مقابلة مع قناة "الميادين" التلفزيونية المؤيدة للأسد وميليشيا "حزب الله"، وإيران، بثت الخميس الماضي من طهران، قال: "بالطبع كانت هناك دائما مناطق صادفنا فيها وجهات نظر مختلفة حول مواضيع محددة، ولكن لم يكن هناك أي انقسام بين إيران وسوريا وروسيا حول المواضيع المهمة". حسب زعمه.
لكن بدا الاختلاف واضحاً بين الدولتين الداعمتين للأسد خلال معركة قوات النظام للسيطرة على كامل مدينة حلب في ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن مصدر مقرب من حكومة النظام في حلب قوله إن "إيران والمجموعات المسلحة المتحالفة معها، كانت تريد استسلاماً كاملا للفصائل المعارضة المحاصرة في أحياء حلب الشرقية".
لكن خطة الروس كانت مغايرة، بحسب المصدر ذاته، إذ "توصوا إلى اتفاق مع الأتراك على إجلاء 34 ألف شخص من شرق حلب، الأمر الذي أثار غضب إيران وحزب الله اللبناني حليفها الأبرز".
وحاولت ايران وحلفاؤها تأخير تنفيذ الاتفاق إلى أن حصلوا على مكسب في المقابل وهو أن يتم بالتوازي إجلاء مدنيين من بلدتي الفوعة وكفريا اللتين تطوقهما قوات المعارضة في محافظة إدلب (شمال غرب سوريا).
ويقول ضابط متقاعد كان يعمل بصفوف قوات النظام، متابع للوضع الميداني إن "الاتفاق مع تركيا كان ضرورياً للسيطرة على حلب. فحتى الآن، وفي كل مرة يتقدم فيها الجيش السوري على الأرض، تحاول أنقرة وضع عوائق، عبر السماح بإدخال آلاف المقاتلين المعارضين إلى سوريا عبر حدودها"، على حد زعمه.
ويضيف: "من أجل تفادي خسارة جديدة، اتفقت روسيا مع تركيا على إغلاق حدودها، ما ساهم في خنق المعارضة، ثم عمدت لاحقاً إلى ضمان ممر آمن لمقاتلي الفصائل (من حلب)"، مشيراً إلى أن "الأمر كان صعباً بالطبع على هؤلاء الذين يقاتلون على الأرض، ولكن هذا هو ثمن الانتصار"، في اشارة الى ايران والمجموعات المسلحة المتحالفة معها.
إدلب سبب آخر للخلاف
ولا يزال التوتر قائماً بين روسيا وإيران منذ معركة حلب. فبعد أسبوع على سيطرة النظام على المدينة، دخل اتفاق شامل لوقف إطلاق النار في سوريا حيز التنفيذ برعاية روسيا وتركيا فقط. وانضمت إيران لاحقاً إليهما في رعاية محادثات بين النظام، والمعارضة في العاصمة الكازاخية منذ كانون الثاني/يناير 2017.
وتشكل محافظة إدلب التي تسيطر عليها فصائل معارضة عامل انقسام آخر بين إيران وروسيا. فقد وقفت روسيا حائلاً أمام طموحات العسكريين الإيرانيين بإطلاق معركة جديدة للتخلص من تطويق المعارضة لبلدتي الفوعة وكفريا والمستمر منذ 2015.
ومن شأن فتح جبهة جديدة قرب الحدود التركية ضد الفصائل المعارضة المدعومة من أنقرة أن تؤدي إلى مواجهة مباشرة مع تركيا، وهذا ليس أولوية لموسكو.
ويؤكد مصدر سياسي في دمشق أن "روسيا حذرة من تركيا ولكنها تفضل احتواءها للحد من تحركاتها على أن تواجهها مباشرة".
10 آلاف جندي روسي
وعلى الرغم من التوتر القائم، يرى الخبير العسكري الروسي "بافل فلغنهاور" أن المجموعات المسلحة الموالية لإيران عبارة عن "قوة ضخمة من المقاتلين يجب التعاون معها"، مضيفاً: "علاقتنا معهم معقدة جداً".
ومن المؤشرات الأخرى على التنافس المتصاعد بين موسكو وطهران، زيادة عديد العسكريين الروس في سوريا. ويشير "فلغنهاور" إلى أن "الوجود الروسي في سوريا يزداد بسرعة".
وقال: "قد تضاعف منذ الخريف عدد العسكريين، وسيبلغ قريبا عشرة آلاف". علماً أن موسكو كانت قد زعمت أنها خفضت قواتها، وخصوصا الجوية، في سوريا.
وعلى غرار علاقة إيران بمقاتلين لبنانيين وعراقيين وافغان، تسعى روسيا إلى خلق علاقة مماثلة مع مجموعات موالية لها. وفي هذا السياق، يقول "فلغنهاور" إن روسيا "شكلت مجموعات مسلحة محلية (...) أقل كلفة من المرتزقة الروس، وتشبه قوات الصحوة (قوات عشائرية مناهضة لتنظيم القاعدة) التي شكلها الأمريكيون في العراق"، على حد تعبيره.
ويشير "فلغنهاور" إلى قوات "صقور الصحراء" و"الفرقة الخامسة"، بالإضافة إلى مجموعتين مسلحتين "سوريتين" وأخرى فلسطينية "لواء القدس". وتلقت هذه المجموعات تمويلاً وتدريباً من روسيا وشاركت في معارك عدة.
ويرى المصدر السياسي السوري أن "روسيا دولة عظمى لديها رؤية جيو- استراتيجية تتضمن سوريا، أما إيران فهي قوى شيعية إقليمية. قد تتلاقى مصالحهما ولكنها ليست دائماً متشابهة".