النساء في صور وسائل الإعلام الناشئة في سوريا


“افتح أية مجلة بشكل عشوائي، وإذا عثرت على صورة ما لامرأة، فهي ستكون على الأغلب صورة لامرأة لاجئة، وسيكون وجهها مخفيًا وكذلك سيكون رأيها”، أحد منتجي وسائل الإعلام الناشئة في سوريا.

مع تطور التكنولوجيا، باتت اللغة البصرية عنصرًا أساسيًا ومهمًا في مجالات التواصل والإعلام بجميع أشكالها، وفي الحقيقة، نحن نتواصل اليوم وننقل الأخبار عن طريق الصورة أساسًا، ذلك أن الصورة صارت جزءًا أساسيًا ومهمًا في حياتنا اليومية.

يمكن فهم اللغة البصرية على أساس أنها شيفرة بصرية، لا بد للقارئ من أن يفك رموزها ليفهم مضمونها، واستنادًا إلى فرديناند دو سوسير: “حتى نفهم صورة ما، يجب علينا أن نفكّ شيفرة الرموز والمعاني التي تحتويها، وأن نقرأ الصورة كما نقرأ نصًا مكتوبًا لنكتشف معناه”، وبحسب رأيه، لكل رمز معنى، وكما يقولون: الصورة تعادل ألف كلمة.

واللغة البصرية لها قواعدها ورموزها التي تستخدم لإيصال فكرة أو للإبلاغ عن حدث معين، ويمكن فعل ذلك على نحو مستقل أو ضمن نص ما مرتبط بسياق معين، لكل صورة شكلٌ بصري نستطيع أن نراه، ومضمون هو ما يراد إيصاله للمتلقي. ولاختيار الشكل أهمية بالغة في إيصال المضمون على نحو ملائم، وهو يؤثر في فهم الصورة، علاوة على ذلك، لا بد من فهم السياق الذي جاءت منه، وإلا فإنها تبقى ثنائية الأبعاد، وتفقد بعدها الثالث.

 

الفهم الخاطىء لوظيفة الصورة

لدى النظر إلى الأبعاد الثلاثة لعينات صور وسائل الإعلام الناشئة في سوريا المدروسة لأغراض هذا البحث، فإنه من الواضح أن هناك عجز ونقص في المعرفة فيما يخص مفهوم اللغة البصرية، ولا سيما في مجال الإعلام المطبوع والرقمي، وهناك مشكلات في عملية الاختيار، وعلامات على قلة الخبرة في مجال الصور، وربما يرتبط ذلك بفهم وظيفة الصورة المرافقة للنص فهمًا خاطئًا، وهو أنها شيء ثانوي ومكمل للنص، وأحيانًا تستعمل الصورة طريقة لتعبئة الفراغ في الإخراج.

من الصعب القول ما إذا كان هذا بسبب المحرر أو المصور؛ إذ قد يكون هناك سبب آخر ألا وهو عدم كفاية الموارد لتوكيل خبراء في الفنون البصرية بتلك المهمة. واستنادًا إلى رأي الكاتب والأستاذ الجامعي وولترز- نوردهوف (Wolters- Noordhoff)، في كتابه القواعد الأساسية للصحافة، فإن المحررين باحثون ومديرون مبدعون، لا تقتصر وظيفتهم على ترتيب المقال وتنسيقه فحسب، بل تمتد أبعد من ذلك لتضمن أن الصورة المرافقة للنص تحقق الشروط الآتية:

بالمقارنة مع هذه المعايير، فإن الصور المدروسة هي عمومًا شاملة، وليست مخصصة، على سبيل المثال، أغلب صور النساء السوريات في وسائل الإعلام الناشئة هي صور نمطية، وتقدم الشريحة المحافظة من المجتمع السوري.

علاوة على ذلك، وبالإضافة إلى التصوير المستمر للنساء على أنهن ضحايا المعارك، فإن معظم الصور المدروسة تصورهن محجبات ومن نفس الخلفية الاجتماعية-الاقتصادية المستبعدة.

هذا النوع من الصور بات إحدى “كليشيهات” الصور في وسائل الإعلام الناشئة، مثل صورة المرأة المنكسرة التي تكافح لتأمين احتياجات أطفالها، صحيح أن هذه الصور حقيقية، لكن موقعها يمثل تعميمًا حول النساء السوريات، إذ لا تبدو جميع النساء السوريات مثل هذه الصورة الشائعة، لكن تكرار هذا التصوير البصري يخلق صورة معينة عن النساء السوريات، وكما كتبت سوزان سونتاغ في كتابها عن التصوير (On Photography): “إن تصوير الناس هو انتهاك لهم، لأنك تراهم على نحو لا يرون به أنفسهم قط، ولأن لديك معرفة (…)؛ إنه يحول الناس إلى أشياء يمكن امتلاكها رمزيًا” (Sontag, 1973).

 

 

 

الشكل والمضمون

لا شك في أن الخلفيتين الثقافية والإيدولوجية للمحرر تلعبان دورًا كبيرًا في اختيار الصور، ويصعب عليه التعامل مع هذه المسألة بموضوعية، والدليل على ذلك هو الخيارات التي اتخذت لدى نشر صور النساء الكرديات السوريات، إذ كان التباين جليًا بين صورهن وصور باقي النساء السوريات، وهذا يشير إلى محاولة -وربما غير مدركة- لإظهار النساء بحسب انتمائهن في الصورة النمطية الموافقة للإيديولوجيا المرغوب برؤيتها.

فضلاً عن ذلك، فإن تفضيلات القارئ وتوقعاته تؤخذ، بالتأكيد، بعين الاعتبار لدى اختيار الصور للنشر والتي يفترض أن تمثل النساء ودورهن في الثورة السورية. هناك محاولات كثيرة لإظهار دور النساء في الثورة وشرحه، وذلك باستخدام الصور، لكن الكثير من الاختيارات البصرية في وسائل الإعلام الناشئة فشلت بوضوح في تقديم الناحية الإيجابية من دور النساء، بوصفهن عنصرًا فعالًا في هذا الحراك الشعبي.

وهنا أعود إلى فكرة الشكل والمضمون في الصورة، لأن الاختيار الخاطئ للشكل ينقل مضمونًا غير ملائم لسياق النص، كما أن مهمة المصور ليست فقط توثيق حادث ما بواسطة الصورة؛ وإنما دوره بإيصال ما لا يستطيع النص نقله، أي التفاصيل، فالنص والصورة عنصران متكاملان لإيصال الرواية على نحو ملائم وكامل.

من الملفت للنظر أيضًا اختيار بعض الصور لسياق نصين مختلفين؛ وبعبارة أخرى، استخدمت الصورة ذاتها مرات عدة لمواضيع مختلفة في سياقات مختلفة، وأحيانًا استعارة صورة من سياق آخر، وإرفاقها بنص لا تمت إليه بصلة، بغية تعبئة فراغ في الإخراج/التصميم أو لأن المحرر ملزم بإرفاق صورة، ولا سيما صورة امرأة.

 

 

معرفة مطلوبة

للصور عمومًا مصداقية عند المتلقي، لأنها التقطت في لحظة معينة من الواقع؛ ومن ثم، فهي تعتبر حقيقة وتوثق جزءًا من الواقع، لكن، في وسائل الإعلام الناشئة، كما في الإعلام الذي يستخدم الصور، نحن لا نعرف ما حصل خارج إطار الصورة التي قدمت لنا، أي أننا لا نرى سوى جزءٍ من الحقيقة، وليس الحقيقة كلها.

باختصار، من المهم الأخذ بعين الاعتبار أن العناصر التي يختارها المصور في تشكيل الصورة مهمة في نقل حالة معينة للمتلقيين، في حالات كثيرة، يكون الفرق واضحًا بين ما إذا كان المحرر أو المصور رجلًا أو امرأة، وذلك من الخيارات التي يقومان بهما من حيث الشكل والجوانب الأخرى لصورة بعينها، مثلًا: حين يكون المحرر رجلًا يرجح أن تكون النساء مهمشات أو غائبات في الصور المختارة، وليس من الضروري أن يكون هذا التهميش مقصودًا.

ومن المهم أن يكون المحرر على دراية وخبرة باستخدام اللغة البصرية، ووظيفة الصورة ضمن النص. يجب أن يعرفوا كيف يتعاملون مع الصور على نحو صحيح، وعدم استخدامها لملء الفراغ أو لتجميل المطبوعة.

ولا بد من إدراك الفرصة التي تقدمها الصورة للصحافة المطبوعة، وخصوصًا بوصفها وسيلة لجذب القراء، وشد اهتمامهم، ومن ثم، لا بد من الاستثمار على نحو صحيح في المصورين والمصورات لضمان أن يكونوا احترافيين ويملكون معرفة متخصصة في هذا المجال.

لا يكفي التساهل في إرفاق أية صورة بالنص، وليس مقبولًا الطلب من الصحفي أو الصحفية التقاط أية صورة متاحة من دون تدريبهم التدريب الملائم.

 

تنشر هذه المقالة بالتعاون مع شبكة الصحفيات السوريات، وهي جزء من بحث أُطلقته الشبكة بعنوان “النساء في وسائل الإعلام السورية الناشئة” قامت بإعداده مجموعة من الباحثات السوريات.

 

 



صدى الشام