ما الذي يعنيه هجوم المعارضة على دمشق بالنسبة للنظام؟.. دلالات تقلق الأسد وتخلط أوراقه


مراد القوتلي - خاص السورية نت

فاجأت قوات المعارضة السورية، نظام بشار الأسد في دمشق التي تعد أهم حصون النظام في سوريا، بالهجوم الذي بدأته يوم السبت 19 مارس/ آذار 2017، والمستمر حتى اليوم الأربعاء، محققة تقدماً في جبهة حي جوبر، ومنطقة كراجات العباسيين.

وعلى الرغم من أن هذا الهجوم ليس الأول من نوعه في دمشق، إلا أنه اتسم بعنصر المفاجأة، سيما وأن النظام عاش منذ نهاية العام الماضي وحتى بدايات مارس/ آذار 2017، ما يعتبره "نشوة النصر" باستعادته السيطرة على كامل الأحياء الشرقية لحلب، وإنهاء أي تواجد عسكري لقوات المعارضة في مدينة حمص، بعد تهجير سكانها إلى الشمال السوري.

ويبدو أن تصوراً قد وصل إلى حد القناعة لدى النظام وحليفتيه روسيا وإيران، أن المعارضة دخلت في مرحلة من الجمود، وأن دورها بات مقتصراً في أحسن الأحوال على المحافظة على المناطق التي تسيطر عليها، وتجنب سيناريو تهجير قسري جديد إلى مناطق الشمال السوري.

ومن ناحية ثانية، اتسمت المعارك الجارية بالقسوة، إذ بدأت فصائل المعارضة هجومها بتفجير مفخختين في اليوم الأول من الاشتباكات، قضت إحداها على مركز عمليات للنظام في حي جوبر، ثم عادت الكرة مرة أخرى أمس الثلاثاء، بتفجير مفختتين متسببة بقتلى لقوات النظام وتشتيت في صفوفهم.

ارتباك وقلق

ويشكل تقدم المعارضة الحالي في دمشق، مصدر قلق بالغ للنظام، سيما بعد سيطرتها على منطقة كراجات العباسيين، والمنطقة الصناعية، ومعمل الغزل، بالإضافة إلى رصدها نارياً لشارع فارس خوري الذي ينتهي عند بداية ساحة العباسيين أحد أبرز الساحات في دمشق وأكبرها، والتي تمثل عقدة مواصلات لمناطق كثيرة في العاصمة.

وتحمل المعارك الحالية دلالات كثيرة من حيث توقيتها ومكانها وتعامل النظام معها، فخلال الساعات الأولى للمواجهات أصيبت دمشق بشلل شبه تام في الحركة بالعديد من مناطقها، على الرغم مما بذله إعلام النظام من جهود لإيهام الرأي العام بالتأثير المحدود للمعارك في جوبر.

وتشير المعارك الحالية إلى أن المعارضة السورية لا تزال - رغم انتكاسات تعرضت لها خلال 2016 - تمتلك زمام المبادرة والمفاجئة وقلب الأوراق، خصوصاً وأن المعارضة في دمشق محصورة بشكل رئيسي في مناطق الغوطة الشرقية التي يحاصرها النظام وميليشياته منذ نحو 4 سنوات، ما دفعها إلى الاعتماد على ما توفر لها من امكانيات لتصنيع الذخائر وبعض الأسلحة لمواجهة النظام.

ورغم الحشود العسكرية الكبيرة التي يزج بها النظام في معقله الرئيسي بدمشق، إلا أن هجوم المعارضة أكد عدم قدرة النظام على ضمان تحقيق الأمن حتى في أكثر المناطق التي تشهد تحصينا عسكرياً لا مثيل له في بقية المناطق التي يسيطر عليها بسوريا.

استعانة بمزيد من الميليشيات

ومن ناحية ثانية، فإن النقص البشري الذي يعانيه نظام الأسد تجلت صوره بشكل أكبر في الهجوم الذي تشنه المعارضة بدمشق، فالمقاتلين السوريين المنضوين تحت قوات النظام لا يكفي عددهم لتدعيم جميع جبهات النظام في المناطق التي يسيطر عليها، وهم موزعون بشكل رئيسي في دمشق وريفها، وأرياف حماه، وحلب، وحمص، ودرعا.

وفي هذا السياق، أكد عضو المكتب الإعلامي في حي جوبر، محمد أبو رمان، والمطلع على سير المعارك الحالية، أن النظام يعتمد بشكل أساسي حالياً في صد هجوم المعارضة بدمشق، على الميليشيات الأجنبية التي استقدمها لدعمه، خصوصاً ميليشيا "حزب الله" اللبناني، وميليشيا "لواء أبو الفضل العباس"، وحركة "النجباء" العراقية.

وأشار أبو رمان في تصريح خاص لـ"السورية نت" أن النظام اضطر إلى سحب مقاتلين من هذه الميليشيات من مناطق "السيدة زينب، وداريا" بشكل رئيسي بعد رباطها هناك، وزج بها على جبهات جوبر وساحة العباسيين لوقف تقدم المعارضة.

كما يستفيد النظام من المناطق التي أجرى معها "مصالحات" وأصبحت تشهد هدوءاً عسكرياً، مستقدماً مقاتلين من الميليشيات التي كانت في مناطق "زاكية، والهامة، وقدسيا، والزبداني" إلى جوبر، فضلاً عن أن المعارك الحالية كشفت عن أسماء ميليشيات جديدة تقاتل لجانب النظام كـ "ميليشيا الحسين" التي قُتل قائد لواءها أمجد البهادلي في معارك دمشق.

وبالإضافة إلى ذلك، يشير الهجوم المباغت للمعارضة السورية على دمشق، أنه لا يزال بإمكان الفصائل ضرب النظام في عقر داره على الرغم من التفوق الذي يملكه بالسلاح الجوي، ودعم الطيران الروسي له. فخلال المواجهات التي بدأت منذ 4 أيام شن الطيران عشرات الغارات على مواقع المعارضة في المناطق التي تقدمت بها كـ منطقة كراجات العباسيين والمنطقة الصناعية، إلا أنها لا تزال موجودة في مناطقها.

وتعززت أزمة النظام مع بدء فصائل من المعارضة لمعركتين في ريف حماه بالموازاة مع معارك دمشق، وتمكنت الفصائل خلال نحو 48 ساعة من السيطرة على 150 كلم، ضمن معركتي "وقل اعملوا"، و"في سبيل الله نمضي"، وتفيد المعلومات الواردة من هناك أن قوات المعارضة باتت على مشارف محردة، وقرية قمحانة، وجبل زين العابدين، وهي من المناطق الاستراتيجية للنظام في ريف حماه.

وفي مؤشر على تخبط النظام واستشعاره خطورة الهجوم المتزامن عليه في دمشق وريف حماه، نقلت وكالة رويترز، اليوم الأربعاء، عن مصدر عسكري في قوات النظام لم تذكر اسمه أن جيش النظام "يرسل تعزيزات لمواجهة هجوم كبير على محافظة حماة"، واعترف المصدر بأن المعارضة تشن هناك هجوماً كبيراً، واصفاً المعارك الجارية بالشرسة.

ويعكس ذلك في مجمله أن فتح عدة جبهات في ذات الوقت ضد النظام، ستجعله في موقف غاية بالصعوبة لصدها، ولذلك أطلق ناشطون سوريون دعوات تحت مسمى "أشعلوا الجبهات"، فيما أشار محللون إلى بدء أي معركة في جبهتي درعا واللاذقية، ستصيب النظام بمزيد من التخبط.

مباحثات جنيف

أما سياسياً، فيبدو أن تقدم المعارضة سيعطي دفعاً وموقفاً أقوى لوفد "الهيئة العليا للمفاوضات" الذي سيشارك في مؤتمر جنيف 5 الذي سيبدأ غداً الخميس، ويشير محللون إلى أن الإنجاز العسكري سيقوي وفد المعارضة في مطالبها بعكس ما كانت عليه في جنيف 4 حيث كان النظام يلتهم المناطق الواحدة تلو الأخرى.

وبدا واضحاً موقف المبعوث الأممي إلى سوريا ستافان دي ميستورا، وقلقه البالغ من تقدم المعارضة السورية، إذ قال في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفرنسية: "هناك تطورات على الأرض تثير القلق. يجب التوصل إلى عملية سياسية باسرع وقت ممكن".

ويشار إلى أن جميع الجولات السابقة التي عقدت برعاية الأمم المتحدة وضمت محادثات حول الملف السوري لم تنجح، وذلك بسبب تعنت النظام وروسيا ومضيهما في الخيار العسكري.




المصدر