سياسة الطبقية والهوية التي تقسّم حلب، وسوريا


في أواخر شهر يناير/ كانون الثاني، غادر أحد القطارات المتجهة إلى حلب الشرقية محطة السكك الحديدية الرئيسة في المدينة لأول مرة منذ 4 أعوام. وقد شهدت المحطة، التي تم تشييدها قبل الحرب العالمية الأولى كجزء من شبكة برلين –بغداد والتي ما يزال البعض يشير إليها باسم “غار دو بغداد”، شهدت الكثير من الصراعات على امتداد قرن تقريباً، إلا أن أحدها لم يكن مدمِّراً كحصار حلب وما تلاه من هجوم عسكري شنته القوات الحكومية السورية في ديسمبر/ كانون الأول.

 

ومع تقدم القطار ببطء في أنحاء حلب الشرقية المدمرة، نتيجة القصف، كجزء من طريقه اليومي عبر المدينة، كان الركاب يحدّقون من النوافذ لمشاهدة الحطام في صمت محير؛ فقد أصبحت مدينتهم مطموسة المعالم ولا يمكن التعرف عليها. وبإمكانك رؤية بعض السكان يعودون إلى منازلهم ويعبرون فوق بقايا أبنيتهم المدمرة والتي لم يعد عدد كبير منها يحتوي على خدمات الكهرباء أو الماء أو في بعض الحالات لا يوجد فيها أسقف ولا حتى جدران.

دخلت سوريا يوم الأربعاء عامها السابع من الصراع ونعى الكثيرون خراب حلب، غير أن الأبنية التي تعرضت للقصف، ليست سوى أحد العوائق التي تقف في وجه عملية إعادة إعمار المدينة؛ ذلك أن المدينة قد عانت خسارة كبيرة في الأشخاص ورأس المال والقدرة والتنوع الفكري. فقد أصبحت مدينة حلب في واقع الأمر رمزاً للاضطرابات الطائفية والاجتماعية الاقتصادية والريفية الحضرية التي طال أمدها في جميع أنحاء البلاد والتي قد يكون لها تأثيراً خطيراً في عودة اللاجئين والمُهَجَّرين داخلياً.

وعلى الرغم من قرون مرت على البلاد اتسمت بالوجود متعدد الثقافات، إلا أن أعوام الحرب القليلة المنصرمة فتّتت أكبر مدينة سورية، محدثة انقساماً واضحاً بين الشرق والغرب، ما أدى إلى تحويل 35.722 من أبنيتها إلى ركام. وقد وصفت جماعات حقوق الإنسان مدينة حلب ب “أسوأ مكان في العالم”، ويرجع هذا في جزء كبير منه إلى القصف العشوائي للمدنيين والحصار الذي فرضته الحكومة.

ومع حرمان معظم سكان مدينة حلب من الخدمات الأساسية وشريان حياتهم الاقتصادي، الذي تضرر جراء القتال، فرّ الكثيرون إلى مناطق أخرى من سوريا وعبر حدودها. ومؤخراً، أُخرج 37.500 شخص من المدينة في ديسمبر/ كانون الاول في عملية إخلاء جماعي بوساطة تركية وروسية خلال ما يسمى بعملية “تحرير” القسم الشرقي من المدينة. وفي أوائل يناير/ كانون الثاني، أفادت الأمم المتحدة أنه لم يرجع إلى المدينة سوى 2.200 عائلة، فقد شهدت مدينة حلب تغييرات ديموغرافية يبدو أنها دائمة، وذلك حسب العديد من المنظمات ومن بينها وكالة الأمم المتحدة للاجئين.

 

الأبنية التي تعرضت للقصف، ليست سوى أحد العوائق التي تقف في وجه عملية إعادة إعمار المدينة. الصورة من ملف تابع لمركز حلب الإعلامي.

 

 

وقال باحثون في الأجندة الوطنية لأجل مستقبل سوريا في مؤتمر عُقد في بيروت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي: “إن إعادة هذا الكم من الأشخاص والمصادر سيتطلب استثماراً كبيراً للغاية، هذا إن أردنا أن نعود للوضع الذي ساد قبل الصراع”. والبرنامج، الذي أطلقته البعثة الاجتماعية لآسيا الغربية التابعة للأمم المتحدة، يضع خرائط للعوامل الاجتماعية والاقتصادية اللازمة لصياغة أية عملية إعادة إعمار مستقبلية.

ويشير “باسل كاغادو”، كبير المستشارين في مشروع NAFS، إلى وجود “استقطاب للهوية” مبالغ فيه أثارته الأطراف المتحاربة ووكلاؤها. لذلك يقول كاغادو أنه ينبغي أن تأخذ فروع الأمم المتحدة السياسية والإنسانية بعين الاعتبار مشكلة “الهويات والهويات الصغيرة” للمدن المختلفة التي تفاقمت عبر سنين النزاع.

ويقول: “فإن الصراع في مدينة دمشق على سبيل المثال له بعداً مادياً وريفياً حضرياً، بينما في مناطق كمدينة حمص فالأمر يتعلق أكثر بالبعد الطائفي. وفي مدينة مثل حلب، فالانقسام بين فقير وغني؛ أولئك الذين يملكون الكثير، وأولئك الذين لا يملكون سوى القليل”.

ويضيف كاغادو أن فهم طبيعة النزاعات في المراكز الحضرية المختلفة ضروري لتقييم جدوى العودة وطبيعتها.

 

اختفاء التنوع

أصبحت مدينة حلب سابقة مقلقة لعشرات الأماكن الأخرى الخاضعة للحصار عبر البلاد، وهذا حسب تقارير داخلية للأمم المتحدة وجماعات مراقبين أخرى. وقد تمسي المدينة كبش الفداء للعائدين الآخرين وإعادة بناء البنى التحتية والنسيج الاجتماعي كذلك. وفي سياق متصل، كانت القوات الحكومية قد طوقت مؤخراً 3 أحياء تحت سيطرة الثوار شرقي دمشق بغة تأمين الغوطة الشرقية، وهي منطقة زراعية يقطنها ما يُقدَّر ب 250 ألف مدني، والتي قد تكون المثال القادم على النزوح الجماعي.

ويذكر “فيليب مانسيل” في كتابه “ Aleppo: The Rise and Fall of Syria’s Great Merchant City ” والذي نُشِر الصيف الماضي قبل الهجوم الذي شنته الحكومة في ديسمبر “يوجد عدد قليل من الأماكن بقدمها وتنوعها”. وجاء ذلك في أعقاب حصار متقطع من قبل أطراف المعارضة كان ساري المفعول منذ عام 2012.

ويعد استكشاف مانسيل لأحد أقدم المدن المأهولة بالسكان في العالم، والتي تعد جزءاً من شريان حياة يصل بلاد الرافدين بالبحر الأبيض المتوسط وميناءً رئيساً على طريق الحرير، يعد مثيراً للاهتمام على نحو أكبر اليوم. فالأشوريون والفرس واليونانيون والرومان والعرب والعثمانيون والفرنسيون الذين تنافسوا في أوقات مختلفة للسيطرة على هذه المدينة التجارية العظيمة – التي يصفها مانسيل بالشريان الذي يضخ مكاسب اقتصادية وتبادلات ثقافية بين الشرق الأقصى والغرب _ لن يعرفها أولئك اليوم في شكلها الحالي. فمدينة حلب باتت تجسد تأثير العنف المستمر.

وفي حديثه إلى “نيوز ديبلي”، أعرب مانسيل عن قلقه من أن قرون التعايش التي اتسمت بتعدد الثقافات في مدينة حلب تُعد دلالة مثيرة للقلق بالنسبة لمستقبل المجتمعات المختلطة في سوريا.

ويقول مانسيل أن صعوبة تقييم التغيرات الديموغرافية، لا سيما نتيجة الافتقار إلى وجود بيانات يمكن التحقق منها، يعني أن الوضع على الأرض يتغير كل أسبوع تقريباً.

ويضيف: “الكثير من الأقليات يهربون من حلب أيضاً وهم في الغالب على اتصال جيد ببعضهم البعض. الأرمن يتجهون إلى أرمينيا المستقلة والمسيحيون كانوا يغادرون المدينة حتى قبل اندلاع الحرب. وبرغم مغادرة الكثير من المسلمين السنة، إلا أن العديد أيضاً لا يستطيعون المغادرة”.

 

علاوةً على ذلك، فقد أدت حملة “الأرض المحروقة” التي يقودها الروس، المشابهة لمعركة غروزني في الشيشان، إلى إفراغ مساحات واسعة من ساكنيها، ما يسهل على القوات الحكومية السيطرة عليها. وأثناء محادثات السلام السورية الأخيرة في جنيف، اتهم محققو حقوق الإنسان التابعين للأم المتحدة جميع الأطراف بارتكاب جرائم حرب في مدينة حلب، وخلصوا إلى أن عمليات الإخلاء الجماعي للجيوب التي يسيطر عليها الثوار في حلب الشرقية بلغت مرحلة “النزوح القسري”. وذهب الفيلسوف الفرنسي “برنارد هينري ليفي” أبعد من ذلك ليصف حلب بأنها أحد أكثر دروس التاريخ كلفة في “العنف الممارس ضد المدينة”، إذ تشكل عودة اللاجئين والمهجرين داخلياً تحدياً كبيراً للمستقبل المنظور.

كما إن وضع الأسس لعملية حقيقية لضمان عودة طويلة الأمد للمدنيين أصبحت حاجة أكثر إلحاحاً من ذي قبل، خصوصاً عندما تصبح المناطق الآمنة خياراً أقل قابلية للتطبيق وعندما تقوم البلدان المجاورة؛ مثل تركيا والأردن ولبنا بإغلاق حدودها.

وقال الكاتب السوري الكندي والمحلل المستقل “يزن السعدي” لنيوز ديبلي: “ليس هناك وجود لما يسمى بالمناطق الآمنة؛ فأنت عندما تُخرِج مدنياً من حلب الشرقية أو الأجزاء الشرقية من حلب وتنقله إلى إدلب، سيظل معرضاً لخطر الغارات الجوية الوحشية من قبل الحكومة والمعارضة المسلحة، وهذا أيضاً أمر مسيء وقمعي في الوقت ذاته”.

 

الانقسامات معقدة والعودة صعبة

في ضوء الوقائع الديموغرافية المتغيرة بسرعة في المدن السورية، أعربت وسائل الإعلام عن مخاوفها من عدم تمكن معظم اللاجئين والمهجرين داخلياً، أي المسلمين السنة، من العودة إلى منازلهم. ويصدق هذ بصورة خاصة في حلب، التي تسيطر الأقليات في الوقت الراهن على القسم الغربي منها؛ من علويين ومسيحيين وأرمن ودروز، أما الأحياء الشرقية فسكانها في الأساس من السنة.

وفي ذلك قال السعدي: “ينبغي للمرء أن يكون حذراً للغاية في إطلاق هكذا ادعاءات, مضيفاً أن الحكومة السورية لن تقوم على الأرجح بتقييم عودة المدنيين على أساس تقييم “أبيض أو أسود” للهوية الطائفية. ويتابع: “إن الأمر لا يعني أن تكون سنياً، فلا تستطيع العودة. الأمر يدور حول تأييد للنظام السوري من عدمه”.

ويقول مانسيل أن الانقسامات في الهوية بين سكان حلب، لا سيما على امتداد أعوام الصراع، تتجاوز الانتماءات الدينية. فالمدينة حسب قوله “انجرفت إلى حروب بين السنة والشيعة، السلفيين وغيرهم من المسلمين، العلمانيين ورجال الدين، الطغاة والمتحررين، الجيش والمدنيين، المدينة والبلدة”.

وقال “جوزيف ضاهر”، أكاديمي سوري سويسري أصله من حلب، قال متحدثاً من جنيف أن هذه الهويات الحضرية الريفية أضافت بعداً آخر لتلك الانقسامات، إذ كانت أغلبية ساحقة “من البرجوازيين في المدينة خائفون من هذه الثورة، وكانوا ينظرون إليها على انها قادمة من المناطق الريفية وتسعى إلى تحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية”.

ويشير كل من ضاهر والسعدي إلى أن “الانقسامات الطبقية”  أهم الديناميكيات في حالة حلب.

وقد حالت هذه الخيوط المتشابكة للهوية دون عودة معظم المدنيين الذي هربوا من المدينة. وفي الوقت ذاته، يحذر مراقبون من أن حصار حلب وما يترتب على ذلك من نقل المدنيين يعد جزءاً من استراتيجية منسقة لتنظيم تغيرات طويلة المدى في الهوية والتركيب الاجتماعي عبر البلاد.

بالإضافة إلى ذلك، كانت السيطرة على المراكز الحضرية الرئيسة على امتداد العمود الفقري في سوريا هدفاً لجميع الطراف المتحاربة. وأضاف ضاهر أن استيلاء الحكومة على حلب، و”القضاء على وجود المعارضة في المدينة كان ضرورياً بالنسبة للنظام قبل البدء بالمفاوضات الجديدة” التي جرت في أستانا في يناير/ كانون الثاني وفي جنيف في فبراير/ شباط.

وقد كان ما يسمى بتحرير حلب نقطة تحول في ترسيخ إحكام قبضة الحكومة على العمود الفقري في البلاد. إذ تعد السيطرة السياسية والمادية على هذه المدن أمراً جوهرياً بالنسبة للنظام في استعادته السيطرة على كامل البلاد. ونظراً لأن محافظة إدلب –التي ما تزال بقبضة الثوار- تُعد فقرة رئيسة في هذا العمود الفقري، يخشى الكثيرون من أن الذين تم إخلاؤهم من حلب وإرسالهم إلى مخيمات المهجرين داخلياً في المحافظة الشمالية الغربية قد ذهبوا في الأصل من ظل حصار إلى ظل خصار آخر.  وقد أدت عمليات الإخلاء الجماعي من الأجزاء الشرقية لمدينة حلب إلى إبراز المفاهيم المتنافسة والمتضاربة حول الممرات الآمنة مقابل الإخلاء السكاني.

 

الإخلاء أم التهجير القسري؟

قبل أشهر من بدء الهجوم على مدينة حلب، وصف “ستيفن أوبرين”، منسق الأمم المتحدة للإغاثات في حالات الطوارئ، عمليات الإخلاء الجماعي والحصارات المطولة بأنها انتهاكات للقانون الإنساني الدولي. وقال في ذلك: “يجب رفع جميع أنواع الحصار فهي أساليب ترجع إلى العصور الوسطى. وهذا أمر لا يجب أن يتم في أي نوع من الاتفاقيات التي تفضي إلى تهجير قسري للمدنيين”.

وفي حين يُعَدُّ إخلاء السكان من أجل إحداث تغييرات ديموغرافية بالفعل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، فإن التأكد من الطبيعة الطوعية لإخلاء المدنيين في خضم الصراع عملية ليست بالسهلة. ويصرّ معظم العاملين في المجال الإنساني على أن تأجيل إخلاء السكان متساوي الخطورة في الحالتين عندما تُقدم خدمات الطعام والمأوى والدواء دون أية ضمانات للسلامة.

وعندما استقل المدنيون ومقاتلو المعارضة الحافلات في حلب متجهين إلى إدلب، أعلنت الامم المتحدة أنها على استعداد لمساعدة أي شخص “طوعياً” في مغادرة المدينة، على الرغم من أن عمليات الإخلاء ليست من اختصاصها. كما إن غياب المراقبين المحايدين على الأرض لتوثيق حالات النقل القسري يشير إلى وجود فجوة كبيرة في حماية المدنيين. وبالنظر إلى  فرار ما لا يقل عن نصف السوريين من ديارهم على مدى الأعوام الستة الماضية، إلا أن تهجير السكان الأصليين دون ضمانات بالعودة يظل منطقة رمادية.

وقال السعدي: “إن الأمم المتحدة متحيزة تبعاً للطريقة التي أُنشئت بها (إذ يتعين عليها التعامل مع دول). والمنظمات غير الحكومية أيضاً ملزمة بالتعامل بالقوانين الدولية والإنسانية التي قد تتعارض في بعض الأوقات مع حاجات المجتمع”.  ويرى السعدي أن “الحل الوحيد هو إنشاء منظمة أو هيئة دولية للمدنيين”.

وأضاف السعدي أنه لا بد لأولئك الذين يتعاملون مع العائدين أن يأخذوا بعين الاعتبار أن إخلاء السكان ليس بالضرورة مصدر قلق للحكومة السورية، وذلك نظراً لأن البلاد شهدت طفرة نمو كبيرة في حقبة الستينيات.

 

اقتصاديات العودة

بالنسبة لحالة حلب، يدّعي “جان كلود ديفيد” و”تيري بويسيير”، مؤلفا كتاب “ Alep et ses territoires”، الذي يستعرض العلاقة بين المناطق الحضرية والمجتمعات في حلب، أنه يبدو أن الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية لها دور مؤثر كحال التكوين الطائفي. لذا، ينبغي للمرء أن يراقب “الجغرافيا الاجتماعية” للقتال في المدينة، الواضحة في مطلع صيف عام 2012، ليدرك احتمالات العودة.

ولفت المؤلفان إلى أن الصحفيين والمراقبين الذين ينشدون تفسيرات للوضع من خلال الجغرافيا السياسية يتغاضون أحياناً عن الصراعات المحلية والتوترات الاجتماعية والاقتصادية المتشابكة التي تعمل على تأجيج العدائية، كما يحصل في مراكز سوريا الحضرية.

ووفقاً للمؤلفَين: “إن تصنيف الوضع العام وفصله إلى مجموعتين اجتماعيتين اقتصاديتين كبيرتين ما يزال واضحاً في وقتنا هذا بين الربع الغني في الغرب – من المدينة – والأرباع الثلاثة الأكثر شعبية؛ الشمال والشرق والجنوب، التي تتجاوز فيها الطبقات الاقتصادية الهويات الطائفية والدينية”. غير أن الحصار الفروض على التجارة في المدينة وتراجع التفاعل بين الأرباع المختلفة خلال مدة الصراع قد زاد من النفور بين الطرفين.

ويقول “عبد اللطيف العلي”، الباحث السوري الذي يعمل على إكمال دراسته في العلاقات الدولية في تركيا، أن  الانقسامات الطبقية الكبيرة والفحوة بين المناطق الريفية والحضرية الناجمة عن فقدان سبل العيش هي  الأسباب الجذرية لاندلاع الصراع في جميع أنحاء البلاد. وأضاف أن الانقسام الطبقي “يتحول تدريجياً ليصبح انقساماً حسب الهوية”.

ويذكر العلي، الذي ينحدر من المسلمية في محافظة حلب، تجربة عائلته. وفي مقابلة له مع نيوز ديبلي أشار إلى أن أعمامه، الذين كانوا مزارعين في الأصل، قد كافحوا لكسب العيش في القرية قبل بدء الثورة.  فقد انتقلت نسبة كبيرة من الشباب ممن هم في سن العمل إلى المراكز الحضرية، وكانت حلب أقرب مركز اقتصادي للكثيرين.

وإلى جانب الانقسام بين “مؤيد للحكومة” و”معارض للحكومة”، هناك مسألة أخرى وهي حتمية العودة إلى النمو الاقتصادي المستقبلي في سوريا، حسب ما أفاد به السعدي. وأضاف أن استخدام الناس على أنهم “أدوات بدلاً من أفراد متعددي الأبعاد” سيكرّس سياسات الحكومة السورية في التعامل مع العائدين.

ووفقاً لبرنامج NAFS، فقد انخفض الناتج الإجمالي المحلي في سوريا بنسبة 40% منذ بداية الصراع، ما يعني أن “استقطاب رؤوس الأموال من جديد إلى البلاد سيترافق مع هجرة العقول في المقابل” وسيضمن شبكة آمنة للعائدين.

 

الحاجة إلى وجود سياسة للاجئين

إن مناقشة جدوى عودة اللاجئين من مختلف الهويات الاقتصادية والاجتماعية والطائفية تطرح سؤالاً أساسياً: ما هي سياسة الحكومة السورية للاجئين؟ والجواب البسيط، حسب جميع الباحثين الذين أجرت معهم نيوز ديبلي مقابلات، هو أنه لا سياسة لديها.

ويتساءل السعدي: “إذا كنا سنأخذ تصريحات الحكومة، التي تقول فيها أن لكل شخص الحرية في العودة، في ظاهرها، ما الضمانات التي ترغب الحكومة في تقديمها، ليس من فيما يتعلق بالممرات الآمنة وحسب وإنما من حيث الحماية الاجتماعية والاستقرار الاقتصادي والقدرة على وصول العائدين إلى منازلهم؟”.

ويشير العلي إلى ما يسميه “الأدلة المتراكمة على بيوت الناس المحطمة التي تمت سرقتها وتدميرها وأصبحت من أملاك الدولة”.

وكي يعود المدنيون بأعداد كبيرة، يبدو أن عملية المصالحة لا بد وأن تعرض الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية والطائفية الدينية التي تركت بصمة كبيرة على التوازن الطائفي والهوية في سوريا. وسيؤدي الإخفاق في تنفيذ ذلك إلى وجود نسخ كثيرة عن سراييفو، التي حسب قول “غالين لمفير إنغلود” في مشروع حلب، استمرت فيها الانقسامات العرقية بعرقلة عودة السكان الأصليين بعد عقود من الاحتلال المسلح.

ويعد وجود سياسة واقعية “للعودة”، وهو ما لم يتم تناوله صراحةً في المفاوضات الدولية، مسألة محورية ستحدد مستقبل ملايين النازحين السوريين. وحسب كاغادو “ستتطلب عملية إعادة بناء السلام في سوريا صياغة عقد اجتماعي جديد”، لن يعود العديد من اللاجئين في حال عدم وجوده.

 

رابط المادة الأصلي: هنا.



صدى الشام