هل فعلاً غيّر ترامب موقف أمريكا من رحيل الأسد؟


مراد القوتلي - السورية نت

ئتغيير في الموقف الأميركي"، و"مزيد من انكفاء واشنطن في الملف السوري"، بهذه العبارات وغيرها وصف محللون تصريحات سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، التي قالت يوم الخميس الفائت 30 مارس/ آذار 2017 إن "سياسة أمريكا في سوريا لم تعد تركز على إزاحة نظام بشار الأسد".

وعاد البيت الأبيض بعد ساعات من ذلك التصريح، ليقول إن ما عبرت عنه هيلي يمثل موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مؤكداً أن أولوية الولايات المتحدة الآن في سوريا والعراق تتمثل بالتخلص والقضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية".

ولم يخفِ ترامب منذ بدء حملته الانتخابية قبل أن يصبح رئيساً في البيت الأبيض، أن مشكلته لا تكمن مع الأسد، بل مع "تنظيم الدولة"، معتبراً أن سلفه أوباما اتبع سياسة خاطئة في سوريا، مشيراً إلى نيته انتهاج سياسة أخرى يراها ترامب "أكثر نجاعة"، لكن السؤال هل فعلاً عملت الإدارة الأمريكية السابقة على التخلص من الأسد طيلة الفترة الثانية لولاية الرئيس أوباما التي امتدت من العام 2012 حتى نهاية 2016؟

اتسم الموقف الأمريكي حيال ما يجري في سوريا بالتشتت والتردد، وهو ما عرض إدارة أوباما لانتقادات حتى داخل أمريكا، ومن مسؤولين جمهوريين كـ جون ماكين، الذي بقي على موقفه حتى الآن بما في ذلك معارضته لتوجه الرئيس ترامب (الجمهوري أيضاً) وإسقاط الأسد من أولوياته.

ومر الموقف الأمريكي من الملف السوري بمراحل عدة، بدأت بالدعوات إلى ذهاب الأسد عن السلطة، وصولاً إلى التصريحات الجديدة للبيت الأبيض، لكن عند مراجعة سياسة واشنطن فإن الوقائع تشير إلى أن حتى إدارة أوباما لم يكن من أولوياتها ذهاب الأسد عن السلطة حتى وإن كانت  أكثر تصعيداً في تصريحاتها من إدارة ترامب.

ويشرح التسلسل التاريخي للموقف الأمريكي مما يجري في سوريا كيف أنه لا تغير كبير بين موقف الإدارتين السابقة والحالية من الأسد.

في التاسع والعشرين من أبريل/ نيسان 2011 أي بعد شهر من اندلاع الاحتجاجات ضد الأسد في مظاهرات سلمية قوبلت بالقتل والتنكيل، أعلنت إدارة أوباما  فرض عقوبات اقتصادية على العديد من المسؤولين في نظام الأسد.

وفي التاسع عشر من مايو/ أيار 2011 دعا الرئيس السابق أوباما بشار الأسد إلى قيادة مرحلة انتقالية أو التنحي. وعشية هذا الموقف قررت الإدارة الأميركية فرض عقوبات على الأسد شخصياً.

في الثامن عشر من أغسطس/ آب 2011 دعا أوباما مع حلفائه الغربيين للمرة الأولى بشار الأسد إلى التنحي. وفي الرابع والعشرين من العام نفسه غادر السفير الأمريكي سوريا لما قالت واشنطن حينها ‘نه "لأسباب أمنية". كما استدعى الأسد سفيره في واشنطن. وخلال السنتين المقبلتين دأب السفير روبرت فورد على التنقل مراراً بين الولايات المتحدة وتركيا، والتقى مراراً مسؤولين في المعارضة السورية قرب إسطنبول.

أوباما يتراجع

وكان  أكثر اختبار جدي لعزم إدارة أوباما في التخلص من الأسد، في صيف عام 2013، وهو العام الذي شهد أقسى مجزرة في التاريخ الحديث، بعدما قصفت قوات نظام الأسد الغوطتين الشرقية والغربية في ريف دمشق بالسلاح الكيميائي، وأودت بحياة ما لا يقل عن 1400 مدني بينهم أطفال.

وجاء استهدافهم بعد تحذيرات متكررة من إدارة أوباما، في أن استخدام السلاح الكيميائي "خط أحمر" بالنسبة لواشنطن، وسيكون لاستخدامه عواقب وخيمة على الأسد.

وعلى الرغم من أن أوباما لوح بإمكانية ضرب الأسد عسكرياً عقاباً له على استخدام الكيميائي، والذي قال محللون لو أن أوباما استهدف النظام فعلياً لربما كان ذلك قد أدى إلى سقوطه نظراً لهشاشة قواته، وتحقيق المعارضة السورية آنذاك مكاسب كبيرة على الأرض.

لكن أوباما لم يكن عازماً على إزاحة الأسد عن السلطة كما يريد ترامب الآن، فتراجع أوباما عن تهديداته، واتفق مع الروس حلفاء الأسد على سحب ترسانة السلاح الكيميائي من الأسد دون معاقبته، وبذلك منح أوباما الأسد ضوءاً أخضر جديد لمواصلة القتل في سوريا، فتشجع النظام على الإمعان بالقتل، مطمئناً إلى موقف الإدارة الأمريكية منه، خصوصاً وأن النظام قد داس على "الخط الأحمر الأمريكي" فما الذي يردعه بعد ذلك؟

وبالعودة إلى تاريخ الثالث والعشرين من سبتمبر/ أيلول 2014، يتوضح أن أمريكا باتت ترى في "تنظيم الدولة" الخطر الأكبر في سوريا، لا الأسد، فأعلنت واشنطن عن تشكيل تحالف دولي، لشن ضربات ضد مواقع التنظيم في سوريا، تاركة النظام يمعن في قتل السوريين ويجتاح مدنهم الخارجة عن سيطرته.

وتبع ذلك، بداية مرحلة جديدة من الانكفاء الأمريكي في سوريا، تجنبت فيه واشنطن نظام الأسد بالكامل، على الرغم من تصريحاتها المتكررة بضرورة عدم بقائه في السلطة، لكن ما كان يجري على أرض الواقع مختلف تماما.

ويعد تاريخ 30 من أيلول/ سبتمبر 2015، نقطة تحول في الملف السوري، إذ استغلت روسيا الموقف الأمريكي من الأسد، واطمأنت إلى أن إدارة  أوباما لا تنوي فعلياً إزاحة الأسد عن السلطة، وفي ذات الوقت انفكاء واشنطن في الملف السوري، فبدأت روسيا عملية عسكري لا تزال مستمرة حتى اليوم، بهدف دعم الأسد الذي كان حينها يفقد مزيداً من المناطق في سوريا تباعاً لصالح المعارضة.  

واكتفت واشنطن بالصمت أمام المجازر التي ارتبكتها روسيا ونظام الأسد، وتحقيق الأخير مكاسب ميدانية بفعل سلاح الجو الروسي. وحينها اتخذت إدارة أوباما منحاً آخر في الملف السوري، فعملت مع روسيا على إقرار سلسلة اتفاقات لوقف إطلاق النار صبت جميعها في صالح الأسد.

ووافقت الولايات المتحدة في عهد أوباما بشكل ضمني، على عمليات التهجير والتغيير الديمغرافي الذي عمله الأسد مع روسيا وإيران، في عدد من المناطق السورية التي هجر أهلها وأخرجهم من منازلهم إلى الشمال السوري، ليضع بدلاً منهم سكان من الطائفة الشيعية خصوصاً في محيط دمشق، كداريا ومعضمية الشام، وذلك في الأيام الأخيرة لإدارة أوباما.

في الخامس عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2016 أعلن الرئيس بشار الأسد تعليقاً على انتخاب دونالد ترامب رئيساً، أن الرئيس الأميركي الجديد سيكون "حليفاً طبيعياً" للنظام السوري في حال كان يريد مكافحة الإرهاب. ويستخدم النظام السوري تعبير "الإرهاب" للدلالة على كل تنظيمات المعارضة المسلحة من دون استثناء.

ويبدو أن الفارق الوحيد بين إدارة أوباما وإدارة ترامب، أن الأخير كان أسرع في التعبير عن السياسة الأمريكية الحقيقية في سوريا، فبعد أقل من شهرين على تولي ترامب للرئاسة، أعلن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون من تركيا أن مصير الأسد "يقرره الشعب السوري".

ثم قالت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هالي ""يختار المرء المعركة التي يريد خوضها.. وعندما ننظر إلى هذا الأمر نجد أنه يتعلق بتغيير الأولويات، وأولويتنا لم تعد التركيز على إخراج الأسد من السلطة".

مشاركة في المجازر

وحذر "جون ماكين" الذي يرأس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ في بيان نشره على موقعه الإلكتروني، من "أن بقاء الأسد في موقعه يعني أننا مشتركون معه و(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين في مجازرهما التي أدت إلى سقوط أكثر من400  ألف قتيل سوري وتسببت في 6 ملايين لاجئ".

ولفت إلى أن "هذا يعني أننا سنعزز (تنظيم) داعش والقاعدة، وإرهابيين آخرين كبديل أوحد للدكتاتور الذي حاربه الشعب السوري على مدى 6 أعوام (في إشارة إلى الأسد)".

وفي بيان آخر، أعرب السيناتور الجمهوري " ليندسي غراهام" عن مخاوفه "من أن يكون موقف الإدارة الأمريكية الحالية أكبر خطأ منذ أن فشل الرئيس (السابق باراك) أوباما في التصرف، عقب وضع الخط الأحمر ضد استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية".

وأضاف: "أن تتصور الأسد قائداً للشعب السوري، هو أن تتجاهل المجازر التي ارتكبت من قبل نظامه ضد الشعب السوري بالجملة". وشدد أن "تركه (الأسد) في السلطة سيكون مكافأة عظيمة لروسيا وإيران".




المصدر